في الوقت الذي تدق فيه طبول الحرب في أوروبا منذرة بوقوع حرب عالمية ثالثة، شهدت الساحة الدولية متغيرات كبرى، في المشرق والمغرب، لعل أبرزها، انتصار حركة طالبان على العالم الحر وفق تعبير جورج بوش الثاني الذي أنهى حكم حركة طالبان بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومنذ ذلك الحين وحركة طالبان في حرب ضروس مع الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان حتى قررت الرحيل عن هذا البلد الغارق في الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
المتغير في سفينة الزمن أن حركة طالبان لم تعد حركة إرهابية كما روج للعالم قبل عشرين سنة، بل أصبحت القوى الغربية التي شاركت في إبادتها، وطمس معالمها من الوجود تجلس معها، وتحاورها، وتتفاوض معها، وترسم معها أجندات السلام والقضاء على الإرهاب وتوقع معها الأتفاقيات الأقتصادية والأمنية.
ولئن انقلب السحر على الساحر في أقصى الشرق بهزيمة أمريكا في أفغانستان، وحلفاءها، فإن المتغير في الساحل الدولية هو طرد ،دولة عظمى، أخرى لاتقل شأناً،عن الولايات المتحدة الأمريكية ،وهذه المرة، ليس من طرف حركة إرهابية، بل من نظام سياسي، جديد، ثار على السياسة الأستعمارية، والمستنقع الذي وضعت فيه فرنسا دولة مالي الشاسعة المساحة، المتعددة الأعراق، الغنية بالمناجم النفيسة.
لقد صغرت فرنسا " ماكرونه " في أعين دول العالم،خاصة الأفارقة، حين عقد الجنود الفرنسيون أمتعتهم على ظهورهم مدبرين بقرار من رئيس عسكري ،غيور على وطنه، مستاء مما آلت إليه الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية في مالي رغم التواجد الفرنسي، واظهارها محاربة الإرهاب، والجماعات المسلحة النشطة في الشمال المالي.
الحقيقة أن الوضع في مالي متكهرب جدا، لكنه، قابل للتحسن، إذا انتصرت الحكمة، واستطاع القائد آسامى اكويتا أن يضع حدا للنزاعات المسلحة وجمعن القوى السياسية في مالي على خريطة اصلاح شامل ،فالقادة العسكريون ليسوا بتلك الدرجة من السوء جميعا، لأن عساكر رواندا جلبوا لها الخير العميم، والسلام، على الرغم من تركة فرنسا وبلجيكا الثقيلة،في هذا البلد.
ورغم أن الهالة الإعلامية الغربية تسوق لمخاطر فاغنير وما ستحدثه في بلد غني عن كثير من الجراح فإن التواجد الفرنسي في مالي لم يجلب لها السعادة والإزدهار قبل التواجد الروسي، مالي تعاني من جراح، خطيرة، صراعات اثنية،تواجد جماعات جهادية، نزاعات مسلحة، نهب للثروة المنجمية، وفساد إداري، وحصار إقتصادي إقليمي، فهل بإمكان القائد الثوري آسامى اكويتا، أن يلملم الجراح كما فعل العسكري بول كاغامى في رواندا؟
في عالم المتحورات، تحدث المفاجآت، كأشراط الساعة، لقد خفتت موجة أميكرونه، وكادت تختفي في العالم، وبات الشغل الساغل للعالم هو ليس اجتياح روسي لدولة أوكرانيا والصدام بين وريثة الأتحاد السوفيتي وحلف الناتو، ولكن، الشغل الشاغل في المتغير من الأحداث هو: اختراق حزب الله اللبناني للقبة الحديدية المحصنة لإسرائيل عن طريق عبور طائرة مسيرة الى العمق الإسرائيلي وتصويرها لأماكن ، حيوية ،قد تصبح أهدافا عسكرية للمقاومة إذا ما نشبت حرب أخرى على الجبهة اللبنانية أو على الضفة الغربية وقطاع غزة، لقد تغيرت المعادلة، منذ أن أعلن حزب الله، عن الإختراق ، وهذا ما صدم إسرائيل والغرب عموما، فما وصل حزب الله من تكنولوجيا متطورة، من البديهي أن ينظر الى قوة إيران، ووصول اختراعاتها الى أذرعها في فلسطين ولبنان ...
ولئن تباهت إسرائيل بإختراقها للمجتمعات العربية عن طريق موضة التطبيع، فإن قوتها هي الأخرى، أخترقت، ولم تعد محصنة بعد اختراق طائرة حزب الله للقبة الحديدية، إننا نغوص،في عالم المتحورات ،طالبان لم تعد عدو لأمريكا، بل شريكا إقتصاديا...
و روسيا تتسلل رويدا رويدا في الساحة الدولية، تطارد فرنسا والولايات المتحدة في ليبيا والقرن الإفريقي ،ودول الساحل ...
والغرب قاب قوسين أودنى من اتفاق وشيك مع إيران،ودولة إفريقية، تستغني عن خدمات قوات دولة عظيمة، وتقطع علاقاتها الدبلوماسية معها، هذا هو المتغير في فترة المتحور من كوفيد 19.