التمييز عائق في وجه التنمية و مؤذن بالخراب إن لم يحارب بقوة القانون / الشيخ باي ولد محمد الأمين

إن لنا جميعاً كموريتانيين الحق في العمل والتشغيل وأن نُعامل على نحو متساوٍ دون تمييز بغضِّ النظر عن الجهة أو القبيلة أو العرق ، ومع ذلك فإننا كثيراً ما نسمع قصصاً محزنة حول أشخاص يتعرَّضون لأنواع التمييز لا لشيء سوى أنهم ينتمون إلى فئة “مختلفة” عن تلك التي تتبوأ مواقع الامتيازات أو السلطة في البلد و مع ذلك ،نرى نفي السلطات الحاكمة لوجود أي التمييز على أساس الجهة أو القبيلة أو العرق داخل الدولة ومؤسساتها أو داخل المجتمع، وتؤكد أن المجتمع متجانس في تركيبته الاجتماعية دون وجود أي تمييز بين جميع مكوناته وجهاته ، وهو ما أكده الخطاب الرسمي أكثر من مرة بأن التمييز إذا ما وجد غير ممنهج من قبل الدولة و أنها في محاربة دائمة لمن يستخدمونه ، لأن القوانين والتشريعات تحرم التمييز على أساس الجهة أو العرق أو القبيلة ، ومع وجود هذه القوانين و نفي السلطات إلى أنه لا يوجد ما يلزم بتطبيقها بشكل واضح وصريح لتتسنى معاقبة مرتكبي هذا التمييز ، مما يفتح الباب مشرعا لممارسة التمييز واستمراره والتستر على مرتكبيه ،
ورغم نفي السلطة لعدم وجود هذا التمييز على أي أساس وسن التشريعات المجرمة له ، إلى أن الواقع يخالف ذلك و ينفيه هو الآخر داخل معظم المؤسسات التي ينخر جسمها هذا الداء ، والنماذج في هذا الاتجاه كثيرة ،وكنموذج مصغر لعشرات حالات التمييز داخل مؤسسات الدولة ماعليك إلا ،أن تسأل أي موظف داخل إحدى تلك المؤسسات السؤال البديهي ، مدير هذه المؤسسة من أي قبيلة ومن أي جهة ، ستكون الإجابة من القبيلة الفلانية ،لكن الشيء اللافت والمدهش هو في هذا كله الشطر الثاني من الجواب ، و هذا الموظف من أقاربه و ذلك من جهته وتلك من أصهاره ، في مثل هذه الحالة يمكنك إحصاء عدد ولن يكون بالقليل ممن تم توظيفهم على أساس قبيلة أو جهة أو عرق المدير ، ضف إلى ذلك ما نسمعه و نشاهده من التعيينات و الترقيات على أساس القبلية أو الجهة أو على أساس الأسرة ، أو القرب من الحاكم ،والأكثر من ذلك ما نلحظه من الاهتمام بمدن دون أخرى، حيث تحولت مناطق ريفية إلى مدن فيها كل المرافق الخدمية و البنية التحتية في الوقت نفسه مناطق أخرى تعاني الفقر و الحرمان من الخدمات و البنية التحتية ، مما جعلها بئة طاردة للاستثمار ولسكانها، وهذا أقصى مثال في التمييز ،فالتمييز بين المناطق و المدن هو ما نعبر عنه أحياناً بالتوزيع غير العادل للثروات ، ما يؤكد على أن جهود الدولة في هذا الاتجاه لاتزال دون المأمول مالم تفعل القوانين والتشريعات المجرمة للتمييز على أساس الجهة أو القبيلة ، أو العرق وبين الفقراء والأغنياء ،
فالتمييز بكل أشكاله منتج للاحتقان الظاهر والمخفي ومؤذن بالخراب ،
ولعل ما نعيشه من أرقام مفزعة في ظواهر هجرة الشباب و العنف والإرهاب والجريمة بأشكالها والانحراف ، و الانتحار 
واستخدام خطاب الكراهية ، و الثورات في البلدان المجاورة إنما هو نتاج في بُعده لمسألة التمييز، -وهنا يمكن أن نسجل الخسائر التي قد يتكبدها المجتمع لا قدر الله بسبب التمييز، وهي خسائر مالية ونفسية واجتماعية ،- وتفاديا لذلك، على الدولة الاعتراف بالتمييز كظاهرة مجتمعية موجودة ينبغي محاربتها ما يستدعي إثر ذلك تنفيذ استراتجية وطنية متكاملة ذات أبعاد بعيدة المدى لإدماج الجميع بشكل تام واقتلاع التمييز من المجتمع من جذوره،  ثم السعي إلى تعديل القوانين الحالية، والعمل على إصدار تشريعات أكثر صرامة تجرّم التمييز بكل أشكاله، وتعاقب أي سلوكيات تكرسه، داخل المؤسسات الحكومية ، وخلق جو من المساواة التي هي الهدف الضامن لنجاح السياسات والمشاريع التنموية، ذلك أن المساواة تجعل من الجميع معنيّاً؛ لأنها توفر الشعور بالاعتراف
بالإضافة إلى إشراك الجميع في تبوء - الوظائف على أساس الكفاءة و النزاهة و الخبرة - كما تنص على مشاركة الجميع في صناعة القرار
 وخلق واقع اجتماعي جديد تحميه تشريعات مانعة للتمييز،
 مقابل مسؤولية الدولة هناك مسؤولية أخرى وهي المسؤولية الاجتماعية للنخبة المثقفة من خلال وقوفها في وجه هذه الظاهرة و التصدي لها و الحديث عن خطورتها من خلال منتدياتها و ملتقياتها وفي تنظيم الندوات والأنشطة حول خطورة هذه الظاهرة أما المؤسسات الاقتصادية الخصوصية الكبرى في البلد ، فإسهامها لا يقل أهمية عن دور الدولة في حل المشكلات الاجتماعية وذلك عن طريق توظيف الشباب من الفئات الأكثر حاجة للتشغيل ،وفي انخراط هذه المؤسسات في إيجاد حلول عملية تخدم فئات حساسة في المجتمع لا مفر من الاهتمام بها، لأنه في الاستهانة بها خطر على النسيج الاجتماعي ، وهو ما يؤثر على البيئة العامة في البد، ويجعل من الاستثمار فيه محفوفاً بالتهديدات إذا ما جرت هذه الظاهرة داخل البلد،
وإجمالا يمكن القول إن التمييز نوع من أنواع الظلم ، و إلى زوال إذا وجدت الإرادة من الحاكم و المحكوم أو هما معا .

 

 

21. فبراير 2022 - 10:28

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا