لقد راودني شعور من التفاؤل نتيجة الانطباعات التي انطبعت في ذهني من خطابات الرئيس غزواني ومن هدوئه ورزانته ومن بعض تصرفاته التي بدى فيها لينا منفتحا مصالحا للجميع، مضافا إلى كل ذلك اعتباري لخلفيته الأجتماعية وتأثير تربيته على سلوكه ونظافة سيرته في المتاح لي من معلومات، وكانت متابعتي لخطوات الرئيس في بداية ممارسته للسلطة شبه كاملة أولا بأول ورأيت كيف شكل وزارته الأولى ورتب تشكيلته واختار طاقمه وأهل ثقته وموقفه من إرث زميله ومعركة ولاء حزبهما العجيب ولاحظت استمرار نهجه للسياسات التي عرفها البلد في عهدي معاوية بن سيد أحمد بن الطائع وحزبه الجمهوري ومحمد بن عبد العزيز واتحاده من أجل الجمهورية. لقد رأيت الرئيس يتابع خطوات سابقيه وأسلوب استقبالاتهم وبذخهم وتنافسهم القبلي واستخدام مسؤوليهم في انواكشوط أموال الدولة في الوزارات والشركات والمشاريع لحشد أعوانهم واستعراض سخائهم بتبذير المال العام وإنفاقه في النشاطات المعبرة عن الولاء والمبالغة في مرضات الرئيس و باستمرار الأيام والشهور أتم الرئيس إحاطته برجال الرئيسين معاوية ومحمد بن عبد العزيز، لقد بدى الرئيس غير قادر على إيجاد أكفاء يمكن الأعتماد عليهم في هذا الوطن سوى الذين اطمأن إليهم خلفه وخلف خلفه!!
إنني أمام وضوح سياسات الرئيس أجدني مرغما على التعبير عن خيبة أمل كبيرة عن آمال راودتني وأحلام دغدغت مشاعري في أوقات مختلفة عن إمكان قيام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بما يتطلبه إنقاذ الوطن من مصير ظل يخيف المسكونين بالهم العام، لقد تأثر البعض بما يشبه التمنيات والأحلام التي أوحت بها مؤشرات تحدثنا عنها وجسدتها أحاديث وتصريحات وتعهدات صدرت عن الرئيس غزواني وكانت كلها تشير إلى توجه في الاتجاه الصحيح والذي يحتاجه الجميع سيده ومسوده قويه وضعيفه ويحتاجه هذا الوطن المهدد في وحدته وفي استقراره وأمنه، لقد كانت كل المؤشرات والأحاديث والتصريحات والتعهدات مطلوبة بإلحاح واستعجال ولهفة، لأن الوطن طال تأخره الشديد وفقره المدقع وجهله الرهيب وطال افتقاده وافتقاره للحكمة والرشاد لعلاج مشاكله البنيوية واستغلال مقدراته لصالح إنسانه البائس المريض، لقد تأكد كما ذكرنا من ممارسة الرئيس للسلطة وتسييره للشأن العام من استوزاره للوزراء، وتعيينه للمكلفين في مختلف المهام، ومن خططه التنموية، وصفقات مشاريعه، وكثرة التراضي فيها وتشكيله للجان الصفقات، واختياره للمكلفين بهذه الصفقات، ومبادراته ومحاولاته علاج جزء من المشكلات، حيث صرفت أموال طائلة فيما لا طائل من ورائه فتوزيع الملايير على آلاف المواطنين الذين لايتوفرون على الماء الشروب عملا يشبه العبث لقد كان يمكن تكوين مشاريع بهذه الأموال التي لم تغنى فقيرا ولم تساعد في خلق فرصة تخفف عنه أعباء الحياة !!
لقد أوضحت سياسة الرئيس أنه يحب الخير للمواطنين ويرى خطورة بعض الظواهر ويميل إلى الحنو والعطف على الضعفاء ويبحث عن إمكانية تقديم شيء ما يخفف من المعاناة والفقر إلا أن كل ذلك لم يقترن برؤية شاملة واضحة تضمن وضع سياسة تعتمد خطة وبرنامجا يعالج الأمور بجذرية وشمولية..
فكل العلاجات التي حاول بها الرئيس تقديم الجديد كانت ناقصة غير مكتملة أو سطحية محدودة النفع فلقد كان قرار زيادة مخصصات المتعاقدين لايشمل كل المتعاقدين لقد استثنا متقاعدي المؤسسات والشركات الوطنية كما لو كانوا غير مواطنين!! وكانت استفادة عدد من المواطنين بالضمان الصحي ( اكنام) بلا معنى حيث لم يشمل كل المواطنين ذات الصفات نفسها من الفقر والعوز فكانت ضربة حظ مثلما وقع في مسألة المتقاعدين !! وهذه المبالغ المالية التي وزعت على آلاف من المواطنين لم تكن مدروسة وذات قيمة فتوزيع الملايير نقدا على آلاف المواطنين الذين لايتوفرون على الماء الشروب تعني أن هذه المبالغ لم تكن بجدوى استخدام الأموال في مشاريع مفيدة مائية أو زراعية أو حرفية إن توزيع أموال طائلة نقدا في محاولة لمحاربة الفقر يشبه محاولة تحلية مياه المحيط بصب أطنان من السكر فيه فلا المحيط احلولا ولا السكر اسفيد به إن خلاصة القول أن رؤية الرئيس وسياساته لاتلبي حاجة البلد لسياسة جديدة يتطلبها الواقع -كما قلنا- بإلحاح ومما زاد الطين بلة كمايقولون أن الرئيس لم يستطع أن يستخدم ويجعل في معيته أكفاء مخلصين يعينونه بالآراء السليمة حول مختلف القضايا، وفضل بدل ذلك معاونين أكثر الذي يستطيعون فعله التمجيد والتطبيل الذي بذلوه لمن سبقه وسيبذلوه لمن بعده لأنهم لايستطيعون غيره وأكثر ماستطاعوا تقديمه قانون حماية الرموز الذي لن يحمي شيئا!!!
إن عدم إدراك الرئيس لأهمية ثلاثة أمور لايمكن تحقيق شيء مفيد في هذا الوطن مالم تحظى بالأولوية وتبدؤ خطوات عملية وخطط وبرامج فعلية تنطلق من أولويتها وهي:
أولا: الوحدة الوطنية إن علاج مسألة الوحدة الوطنية لايمكن إلا ان تحظى بأولوية مطلقة فلا يمكن التحدث عن إنهاء بقايا الرق ومخلفاته من فقر وتهميش ونبقى نمارس نفس السياسات التهميشية والإقصائية ونبقى نحاول تخفيف الاحتقان برشوة ومداهنة بعض المدعين تمثيل مطالب المهمشين وبتوزيع منح وصدقات وتوزيع مبالغ هنا وهناك !! إن علاج المشكلات البنيوية يتطلب من الجدية والصدق والوضوح مايمكن من وضع سياسة شاملة عميقة وجذرية تعالج مختلف وجوه الغبن والتهميش ومتابعتها وتسخير أجهزة الدولة وقواها كلها لمتابعة تلك السياسة حتى استأصال شأفة التراتبية (وأخواتها) من تمييز ومن نظرة دونية ومن ترفع وتكبر وغير ذلك إن عدم تبني سياسات جذرية ترسخ المساواة سيجعلنا عرضة لاستمرار مجتمعنا تنخر فيه "عثة" الشرائحية والدعوة الشريرة للفرقة وللصراع وفي كل يوم ستتوسع الهوة بين الفئات حتى يصل الوضع إلى مالا ينبغي أن يصل إليه كما أن عدم علاج ماتعرضت له بعض القوميات الوطنية من ظلم في الماضي لابد من علاج له ينهي المسألة نهائيا ولابد من شعور مكون الفلان بشكل خاص بمكانتهم ودورهم و بإشراكهم بما يطمئنهم فهذا حق لا منة فيه..
ثانيا : إن عدم إيمان الرئيس بحقيقة دور الفساد فيما يعانيه الوطن تسبب في استحالة محاربته واستأصاله له وما دام الفساد يسود تسيير إدارتنا ومقدراتنا فلا أمل في التطور والتقدم إن أكثرية من يعتمد عليهم الرئيس ممن تمولوا وبنوا قصورا في الأحياء الراقية في زمن قياسي وملكوا السيارات الفارهة التي لو جمع كل دخولهم الشرعية لما استطاعوا أن يوفروا القليل مما لديهم فإذا كان الرئيس ينتظر حتى يقال له إن فلان سارق ابعده عنك فلن يسمع ذلك لأن المختلسين يتمتعون بمكانة نتيجة مايملكون إن الرئيس يستطيع ان يميز السارق من النزيه الأمين إذا اهتم بالأمر، لقدكان عمر رضي الله عنه يرى دون تفتيش ولا مراقبة مالية أن كثرة مال عماله شبهة وكان يتقاسم معهم مايمتلكون ثم يضعه في بيت المال وقبله قال صاحبه الرسول المكرم صل الله عليه وسلم لمن قال له هذا من الصدقة وهذا لي قال هل لا جلست مع أهلك حتى يأتيك المال ولم يقبل حجته إن الفساد واضح لمن يبحث عنه ومالم نقضي على الفساد فلن نعمل شيئا لهذا الوطن، إن الأسلوب المتبع يبدو فيه الرئيس يبحث فقط عن نوع من الناس أكثرهم مشبوهين على أقل تقدير!!
ثالثا : أيمكن لدولة تحترم نفسها أن تستمر ترى مايجرى لبيئتها من تدمير شارف على شمول التصحر كل البلد في بره وبحره كيف نحيى في بلد صار كله صحراء ومياه قاربت على التصحر وإفناء كل ثرواتها السمكية؟ فكيف يمكن استمرار الحال على ماهو عليه في برنا وبحرنا وكيف نأمل خيرا ممن لايهتم ولايعمل شيئا في هذه المسائل الثلاثة التي بدون عمل شيء لمواجهتها يظل بلدنا مهددا بأخطار وجودية.
إن تقدم العناوين الثلاثة على ماسواها لايعني أن ليست لنا مشاكل ضخمة في كل جانب نظرنا إليه من حياتنا الوطنية فليس شيء أكثر ضعفا عندنا من التعليم كمه ونوعه إنه في أسوء الظروف والصحة تتطلب الكثير حتى نستطيع تخفيف اعتمادنا على الخارج ونجد أدوية غير مزورة، وذاك استصلاح الأراضي والزراعة يحتاجان تصحيح وضعيتهما وهذه الثروة الحيوانية والسمكية وحالتهما التعيسة، كل ذلك ومواضيع أخرى تحتاج التصليح والعلاج لكنها جميعا لاتبلغ في الأهمية الموضوعات الثلاثة التي على من يريد وقف التدهور العام البدأ بإصلاحها وجعلها مقدمة للنهوض والإقلاع .
وكنا نعتقد أن أي أحد يتقدم لقيادة البلد واحتلال منصب الرئاسة لابد من استعابه لكل مشكلات الواقع وكيف يمكن علاجها وعندها سيدرك الأولويات وتدرج مستوى المسائل والمشكلات ويعرف أن الأولوية المطلقة
لضمان الوحدة الوطنية لأن الغاية والوسيلة مجتمعان في الشعب فبدون وحدة الشعب وسلامته ومناعته كيف يكون العمل؟!
وهذه الوحدة يتطلب تحقيقها توفير العدالة والمساواة الأمر الذي يتطلب مجموعة متكاملة من السياسات والإجراءات والتضحيات، كما أن تسيير أي سياسة بدقة وفعالية يشترط حكامة ورشادا بحيث يكون التسيير محكم ودقيق ونزيه ولايمكن ذلك إلا إذا تم اختيار الرجال والنساء المناسبين للمهام المطلوبة من حيث كفاءتهم واستقامتهم.
ولايمكن ممارسة أية سياسة وأي حكامة في بيئة مدمرة غير قابلة للحياة في البر حيث الغطاء النباتي يكاد يختفى وتكاد حياة المواشي تصبح مستحيلة بسبب تصحر لايبقي ولايذر وفي البحر تكاد الثروة السمكية تختفى بفعل أعمال تتسبب في إفقار البحر وخلوه من مخلوقاته وجعله متصحرا لاحياة فيه !!
إن تعقد مشاكل واقعنا وسطحية سياساتنا المتبع يوضح أن لا أمل يمكن انتظاره مما بقى من مأمورية الرئيس غزواني، لقد اختار غزواني السهولة والوضع صعب واختار طاقما وأعوانا لايعينوا على المطلوب ويشكلون خطرا على الموجود، لقد ضاعت فرصة كان يجب أن لاتضيع وخابت آمال كان الكثيرون يعلقونها على فترة آذنت بالأنتهاء!!!