في المدينة الآن يمر مارس كما يمر غيره من الشهور، لكن في البوادي كان لمارس شأن آخر، ولعل له بقية؛ فقد نُسِبَتْ إليه ذنوب ومآخذ جمة جعلت الناس يترقبونه ترقب الداء ويفرحون بانصرامه الفرح بالشفاء.
بل إن من المعروف لديهم "حجاب مارس" وهو دعاء طويل بعض الشيء يستقبلونه به وفق التقويم اليولياني الذي كان سائدا، يتلى على تراب نقي فينثر بين الخيم وفي الأمرحة وما إليها، والله أعلم بمدركه؛ فلا أعلم في السنة المروية شيئا يتعلق بالشهور الشمسية على هذا النحو!
زعموا أن هذا الشهر موسم لنشاط الجن، واستدلوا على ذلك بأمور من أبرزها:
أ. سوء أحوال البشر الصحية؛ وهو ما تفسره التغيرات المناخية المتابعة – والمتباينة- التي يكون ظرفا لها.
ب. أمراض صدرية تتفشى في المعز خلاله، يعالجونها بالكي، ويرون سببها أن الجن تمتح الآبار على المعز في موسمها المارسي، ويعبرون عن الشاة المصابة بأنها "مَوْرْسِت" لهذا الاعتبار. وهم يرون علاقة خاصة بين الجن والمعز حتى في غير مارس؛ لذا فلا عجب أن تتطور هذه العلاقة وتتعزز في ذروة نشاط الجن السنوي (مارس) حسب رأيهم.
ج. أسراب من الطيور المهاجرة ذات حفيف ودويّ تمر عشاء في ليالي مارس متجهة إلى الشمال الغربي، يسمونها "ارحيل مارس" ويرونها انتجاعا للجن إلى الجهة المعروفة لهم (تل ساحل) وينسبون إليها الأساطير، ويسمون الأصوات غير المتناغمة أو المزعجة "ارحيل مارس" تشبيها بالأصوات الصادرة عن تلك الطيور. يقول أحد أدبائهم مخاطبا أحد العازفين:
تيدينيت - ارحيل مارس- ** غـــيرك يالهيدان
والِّ هــــولك فات مارس ** يرجع لك عجلان.
وبالمنظار ذاته يسمون الاضطرابات المناخية التي يشهدها هذا الشهر "أجعال مارس" كأنما يرونها من صنعه!