تحل هذه الأيام الذكرى الثالثة لخطاب 1 مارس وهو الخطاب الذي شكل بإجماع المواطنين حوله المفاجأة التي أنقذت بلادنا من مأزق الانشقاقات وتحقق أول انتقال سلس للسلطة في جو ديمقراطي استثنائي تَسلّم فيه فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني مشعل قيادة البلد بعد انتخابات رئاسية شفافة بشهادة الجميع، ولعلها أول انتخابات رئاسية يكون العامل الأول في نجاح الفائز بها هو الخطاب السياسي الواعي بآمال وتطلعات المواطن الموريتاني حيث ترجم رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني المترشح للرئاسيات آنذاك خطابه السياسي لكسب أصوات الناخبين الموريتانين على شكل التزامات بصيغة تعهداتي، ولم يحتج من أجل نيل ثقة الشعب لدعاية حكومية بالترغيب والترهيب، بل عَبر من الشوط الأول - رغم محاولات مجموعة التشويش من الداخل لجره إلى الشوط الثاني- بأصوات المؤمنين بقدرته على تحقيق ما تعهّد به لموريتانيا، وكانت نتائج مكاتب الوعي السياسي في العاصمة نواكشوط أكبر دليل على تلك الثقة، فلأول مرة تنحاز العاصمة نواكشوط لمرشح منافس للمعارضة التقليدية الراديكالية، وما ذاك إلا ثمرة للجهود الشبابية الداعمة لبرنامج تعهداتي، والتي تم تثمينها واحتضانها آنذاك بإنشاء منسقية خاصة بتأطير وتنسيق عمل الكتل والمبادرات الشبابية تحت قيادة الإطار المحترم حبيب ولد همت.
وأعتقد أن أي تقييم منصف لهذه المرحلة ينبغي أن يأخذ في الحسبان محاولة الضغط من طرف البعض لخلق أزمة سياسية مع الأسابيع الأولى لاستلام الحكم، بالإضافة للأزمة الصحية الطارئة عالميا، وفي طريقة تجاوز محاولة الضغط السياسي المبكر رسالة بالغة الدلالة عن حكمة وحنكة إدارة فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني للحكم، حيث لم يكلفه ذلك جهدا كبيرا، فتمت السيطرة على الحزب الحاكم بدون خسائر سياسية، كما أن نجاحه في تسيير أزمة كورونا -المحرجة عالميا- باستيراتجية واقعية واكبت مراحل تطور مكافحة الجائحة حسب الأولويات الصحية والاقتصادية دون أن تجد "شائعات التحريض" الفرصة لزعزعة ثقة المواطن البسيط في السياسة الرسمية لمكافحة كورونا بالبلد.
لذا وبعد تجاوز الظروف الخاصة المذكورة آنفا يمكن تقييم المرحلة بالتركيز على الملامح التالية:
- أظهرت إدارة فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني للحكم بأنه رجل دولة وليس قائد نظام فحسب، ولعلها المرة الأولى التي يجسد فيها رئيس جمهورية هنا مسؤوليته الدستورية بكونه رئيسا للجميع ويتح الفرصة لكل أطراف الطيف السياسي بالاستماع لمقترحاتهم من أجل النهوض بالبلد؛
- تبني سياسة اللامركزية الإدارية في العمل الحكومي، حيث حصل كل وزير على الحرية التامة في تنفيذ استراتيجية قطاعه في إطار برنامج تعهداتي؛
- الشروع الفوري في خطة الاستيراتجية العامة للحد من واقع التهميش والحرمان الذي تعيشه الفئات الهشة في المجتمع الموريتاني عن طريق وكالة تآزر التي بدأت في المواءمة بين استيراتجيتها العامة واستيراتجية خاصة بالظروف الطارئة مع جائحة كورونا، وذلك بتوزيع مواد غذائية ومبالغ مالية لصالح الأسر الضعيفة المتعففة على عموم التراب الوطني وبطريقة بسيطة وشفافة؛
- تأمين صحي شامل ل100 ألف أسرة متعففة؛
- التحضير الجيد لانطاقة المدرسة الجمهورية بإنشاء عشرات المدارس العصرية في العاصمة ونواكشوط؛
- إنشاء مؤسسات صحية عملاقة كمستشفى سيلبابي؛
- الشروع في بناء جسور وطرق حضرية في بعض مقاطعات نواكشوط التي تتميز بكثافتها السكانية من الطبقات الضعيفة بعد أن كان التركيز في الفترة الماضية على جانب واحد من العاصمة حيث الطبقة الغنية؛
- زيادة المعاش الأساس بنسبة مائة في المائة لجميع المتقاعدين؛
- مضاعفة معاش أرامل المتقاعدين واستفادتهن من التأمين الصحي؛
- صرف معاشات التقاعد شهريا؛
- تعميم علاوة الطبشور لتشمل كل مديري المدارس الأساسية والمؤسسات الثانوية، وصرفها على مدى اثني عشر شهرا بدلا من تسعة أشهر فقط؛
- مضاعفة علاوة البعد؛
- زيادة علاوة التأطير بالنسبة لمفتشي التعليم الأساسي والثانوي والفني، بمبلغ 10 آلاف أوقية قديمة؛
- زيادة رواتب عمال الصحة بنسبة ثلاثين في المائة، وتعميم علاوة الخطر عليهم؛
- زيادة التكفل بحصص التصفية لفائدة مرضي الفشل الكلوي المعوزين بنسبة خمسين في المائة، واستفادتهم من تحويلات نقدية شهرية بمبلغ 15.000 أوقية قديمة؛
- تأمين الضمان الصحي لذوي الاحتياجات الخاصة ؛
- صرف تحويلات نقدية شهرية بمبلغ 20.000 أوقية قديمة للأطفال متعددي الإعاقات؛
- إطلاق حزمة من مشاريع الخدمات العمومية الملحة في جميع القطاعات تحت مسمى برنامج أولوياتي؛
- تبني سياسية رسمية مشجعة على تنفيذ الإجراءات القانونية الكفيلة بخلق إجماع وطني لمحاربة ظاهرة الفساد بشكل جدي لتحصين المال العام وتجسيد دولة الحكامة الرشيدة؛
- مواكبة مهرجان مدائن التراث بزارعة بانحازات تنموية استراتيجية للمنطقة؛
- اتباع سياسة رسمية ترفض التعاطي مع الخطابات المتطرفة الساعية لتفكيك المجتمع وزعزعة أمن واستقرار البلد، وهو ما أدى لبوار تلك التجارة التي تنتعش في جو الصدامات؛
- الاستماع من الأجيال الإعلامية لمشاكل الحقل الصحفي، وتشكيل لجنة تضم كوكبة من خيرة أجيال الصحافة للعمل على إصلاح القطاع برعاية رسمية.
- التجاوب السريع مع مطالب وهموم السكان في الداخل عبر السلم الإداري المطلوب؛
- المتابعة الدائمة لمشاريع البنى التحتية التي أشرف رئيس الجمهورية على تدشين انطلاقتها، وقد أوشك بعضها على الانتهاء قبل المدة الزمنية المبرمجة لذلك؛
- نجاح بلادنا في قيادة G5 تحالف الساحل وسط إشادة دولية بهذا النجاح الباهر في ظروف استثنائية؛
- الشروع في التحضير لتشاور وطني شامل حول بمشاركة كل القوى السياسية والحقوقية في البلد.
وفي الختام أعتقد أن الواجب الوطني يقتضي منا جميعا -وخصوصا الفئة الشبابية- دعم وتشجيع هذه الإرادة الرسمية الجادة في تنمية البلد بالعمل على خلق خطاب وطني جامع ومقنع لمواكبة هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا السياسي، والتي ستفضي حتما إلى تغييرات عميقة في العمل الإداري والعقلية العامة للمجتمع.