أزمة الأزمات و -ربما- أخطرها في هذا العصر هي هذه المواجهة القائمة بين إمريكا وحلفائها الأروبيين والأسيويين والتابعين لهم والطامعين في نفعهم والخائفين من بأسهم من كل القارات وبين الاتحاد الروسي ورئيسه فلادمير بوتن فهذه الأزمة غير المسبوقة في الحجم وفي الخطورة قد يكون إيذانا بولادة عالم جديد طال انتظاره ونهاية الذي سبقه طيلة المئة سنة الأخيرة التي تسيدت فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها على "ماجريات" أحداث العالم من شبه المؤكد ان يكون لهذه الأزمة والمواجهة التي تتضمنها أكبر الأثر على التوازنات القائمة على نتائج مخلفات الحرب الكونية الثانية وما أعقبها من حرب باردة بين قطبين عالميين قادتهما إمريكا في حلفها الغربي الناتو والاتحاد السفياتي في حلفه الشرقي وارسو العسكريين .
إن التنافس بين القطبين وحلفيهما انتهى في بداية التسعينات بانفراط عقد الاتحاد السفياتي والذي كان يتكون من خمسة عشر كيانا متحدا في الدولة السوفياتية وكانت أكبر كيانات الدولة السوفياتية روسيا، وبانفصال عدد كبير من الدول عن الاتحاد انتهى الحلف الذي كان يضم دولا أخرى منها ألمانيا الشرقية التي حطمت جدار برلين الشهير الذي كان يفصل بين الآلمانيتين وانقسمت اتشكوسلفاكيا إلى كيانين اتشيك واسلفاكيا واستقلت أوكرانيا في دولة واسعة تضم اخلاطا بشرية منهم الروسي والبلوني وتتاري واقواما أخرى.
ولقد كانت روسيا هي القوة الرئيسية في اتحاد الجمهوريات السوفياتية سواء بعددها أو مساحتها أوثرواتها وقد احتفظت بإرث الاتحاد السوفياتي الصناعي والعسكري وأرادت ضمانات أمنية مادامت أنهت وجود حلف وارسو الذي كان في وجه حلف النيتو الذي لدى إمريكا وحلفائها فأرادت أن لا يضم حلف الأطلسي النيتو دولا كانت في حلفها ودولا كانت في الاتحاد السوفياتي إلا أن حلف النيتو استمر يتوسع ويضم من الدول المحيطة بروسيا، وبدأ يزيد نفوذه في المحيط القريب جدا من روسيا والتداخل معها سكانيا وفي المياه البحرية، وعندما أرادت روسيا لجم هذا التوجه الذي اعتبرته يشكل خطرا عليها لم تجد التجاوب من إمريكا وحلفائها !!
لقد كانت روسيا التي انضم إليها عدد من الدو ل التي كانت في الاتحاد السوفياتي وتسمت بروسيا الاتحادية مهتمة بالقوة العسكرية وتطوير إمكانياتها الدفاعية والهجومية وكانت في نفس الوقت غير مطمئنة لسلوك الناتو مما تسبب في أزمتي ٢٠٠٨ مع جورجيا بسبب الأقليات التي تتحدث الروسية فيها وفي ٢٠١٤ في أوكرانيا وجزيرة القرم والمناطق ذات الأكثرية المتحدثة بالروسية في شرق أوكرانيا لقد كانت روسيا قاطعة وحازمة في فرض حماية الأقلية الروسية في البلدين وأثناء الصراع استمر الغرب يشجع الجمهوريتين جورجيا وأوكرانيا ويزيد علاقاته بهما حتى وصل الوضع إلى أن شعرت روسيا بخوف حقيقي أو مفتعل من الحصار بواسطة الدولتين والدول التي كانت في الاتحاد السوفياتي وغيرها من الدول التي تحيطها بحدود تفوق ٦٠ ألف كيلومتر ..
عند هذا الحد طلبت روسيا من إمريكا والنيتو إعطاءها ضمانات في وثائق مكتوبة يتعهد فيها النيتو بعدم زيادة ضم الدول القريبة من روسيا، وبعدم وضع أسلحة ذرية في هذا المحيط، فكان عدم تجاوب إمريكا والنيتو لهذه المطالب يجعل الرئيس الروسي بوتن يسعى لوضع خطوط تماس تناسب مصالحه !!
ولقد كان الغرب في تعامله مع هذه الموضوعات يتمترس حول العقوبات والتهديد بها ولم يحاول علاج المشكلات الرئيسية، إن تفكير بايدن انصب دائما على تهميش الروس واحتواؤهم وعدته وسلاحه المفضل العقوبات وكان سلبيا في دعم حقيقي يفي بحاجة الأوكرانيين و عقبات حقيقية تمنع بوتن ظن استمرار حاجته للتباع سياساته وكان باقي الغرب وقيادة حلف الناتو متقيدين بتوجهات بايدن فلم يبقى أمام بوتن إلا تسوية الأمور بالقوة!!
إن استخدام القوة يشكل خطرا على هذا العالم الذي لن تجرى فيه حرب بين الكبار إلا بأسلحة نووية وفي استخدام القوة باب واسع للفساد والتدمير وسيادة قانون الغاب إلا أن هذا لو كنا في عالم عادل والأمور فيه تجري طبقا لمقاسات واقعية تضمن الحد الأدنى من العدالة وسيادة الإنصاف واستخدام معايير ومقاييس تتسم بنسبة من الإنسانية لكن مادام كل ذلك معدوم ولايسود في هذا العالم إلا قانون الحق للأقوى فهذه سيدة العالم الولايات المتحدة تتكون من عدد من الولايات مغتصبة من المكسيس وولاية إيرزونا مشتراة بالنقود من فرنسا ومن روسيا اشتروا آلاسكا وهي نفسها ترى مايجري في فلسطين واليمن كأنه لا شيء ورئيسها يعطي القدس ويعطي مرتفعات الجولان السورية ويقتطع من أرض العراق ومن أرض سوريا كأنها أرضه الوارث من أبيه إن مجتمعا كهذا لايحوز نقاش الشرعية وعدم الشرعية معه!!
إننا سنناقش فقط كيف ستجري الأمور طبقا لتحليلاتنا وما نتوفر عليه من معطيات، وليس البحث عن الخطئ والصواب والحق والعدل من شأننا هنا، إننا ندرك أن أكثرية المراقبين يرون أن حصار الغرب لروسيا شاملا وعزلته لها تامة وجلهم ينتظرون نهاية الأزمة عاجلا أو آجلا بفشل تام وهزيمة نكراء ستتعرض لها روسيا المحاصرة والمعزولة من أكثرية العالم ونحن نرى هذا التفكير قصير النظر وخاطئ رغم تبني غالبية كتاب ومفكري الغرب والشرق له فالذين يرون هذا الرأي لا يدركون من الأمور إلا المظاهرالشكلية والسطحية وينخدعون بهذا الصخب الذي يصم الآذان في جميع عواصم الغرب، إن هؤلاء الذين يعتقدون الغرب قادرا على فعل شيء غير الأصوات العالية والجعجعة التي لا تطحن شيئا واهمون،
فإذا نظرنا بتمعن إلى مظاهر الوحدة الغربية ندرك أنها كاذبة وخادعة فالكل مشغول بمسائل تخصه وتميزه وظهر ذلك جليا في أزمة كوفيد ١٩بحيث توضح ضعف الوحدة والتضامن أثناءأزمة الوباء ورؤيتهم اليوم يساقون من بايدن العاجز عن فعل شيء لإمريكا التي في أكثر من مجال تتهدد مصالحها وغير موفق في أكثر قراراته وأكثر هذه الدول تدرك هذا الواقع، فآلمانيا وفرنسا لديهما توجه لتشكيل أوروبا جديدة وإطاليا وإسبانيا لديهما هواجسهما ومشاكلهما الكثيرة والدول الإسكندنافية لديها ليلاها التي تغني عليها، والانغلو ساكسونيين في أبريطانيا وكندا واستاراليا يتبعون إمريكا كظلهامغمضي العيون، وإمريكا نفسها ليست موحدة و تحدث الكثيرون من كتابها ومفكريهاموضحين أنها مهددة بالتفكك الداخلي فبين الزنوج والبيض مشاكل لانهاية لها وبين اللاتينيين الكاتوليك والانغلو سكسونيين والارلنديين البيرستانت والأنجيليين تناقضات واختلافات و بين الجمهوريين باتجاهاتهم الثلاثة اليمينيون المتطرفون ،واليمينيون التقليديون، واليمينيون الترانيين وبين الديمقراطيين يختلف الليبراليون جناح بايدن مع التقدمين وجمهور الزنوج !! جميع هذه الاتجاهات الإمريكية متناقضة متصارعة لدرجة تنذر بزعزعة الأستقرار في المستقبل غير البعيد لسيدة العالم الحر ..إذا أضفنا إلى مشاكل إمريكا مشكلتها الأستراتبجية الكبرى في تحديد الأولوية في التوجه هل الأولوية لأوربا والصراع مع الوس؟ أم هي للصين وتايوان وقواعد المحيط الهادي وحماية حلفاء إمريكا المحيطين بالصين؟ او الأولوية للشرق الاوسط وحمابة اسرائيل ومواجهة إيران في الخليج؟ فإمريما في ورطة استراتيجية حقيقية.
إنهم جميعا بالإضافة لماذكرنا من اختلافات بينهم ويكذبون على العالم والأكرانيين بادعاء التأييد والدعم بمختلف الأسلحة في الوقت الذي تسيطر روسيافي ألأرض والبحر والجو وتمنع وصول أي شيء ، إن أكثر الكلام عن اطنان الأسلحة المختلفة هراء والدعاآت لاأساس لها .إنهم غير مستعدين للقتال ومن لايستعد للقتال فلن يفيد في ظروف الحرب إنهم يورطون الأكرانيون ويشجعونهم على قتال غير متكافئ ضد ارتال دبابات بوتن المندفعة بعقيدة قتال وأهداف محددة.
إن مشكلة اادول والجيوش عبر التاربخ تتحسد في الجاهزية والاستعداد للمنازلة والصراع الفعلي فسقوط الاندلس أمام الفونسو وآزابيلا ليس من نقص الرجال والعتاد ولاالإيمان وإنما لنقص إرادة القتال والإعظاد له ،وفي المشرق دمر المغول كل الأمم التي كان لديها نقص إرادة القتال وبذل مايلزم كما هو الحال في بغدادالتي سقكت دون جهد يذكر من هلاكو هكذا التاربخ كله إرادة القتال لها دورها الحاسم وهذه الإيرادة غير موجودة عند إمريكا والنيتووالغرب كله !!
وأن روسيا "المحاصرة المعزولة " موحدة ولديها توجه واضح ثابت لا تنازل عنه للوقوف في وجه الغطرسة الإمريكية بالاعتماد على شعب موحد وجيش قوي غير متردد في تحقيق استراتجياته، إن روسيا مصممة ولديها القوة والرؤية واستعداد عال للقتال وتقديم ما تتكلبه سياساتها من أثمان !!
ونتوقع أنه عند ظهورأول نجاحات روسيا في غزوها لأكرانيا سيظهر أن طاقة التحمل لدى الغرب المتهرئ على التحمل قد خارت واصبحوا يبحثون عن أي حل يضمن له مخرجا ينزله من الشجرة التي تورط في الصعود عليها .فنتائج الكساد وتضرر الأقتصاد وزيادة البطالة وصعود أسعار الطاقة ستجعل الغرب غير قادر على استمرار الأزمة التي تورط فيها ،
وحتى إلولايات المتحدة الآمريكية لن تستطيع جعل شعبها يتحمل النتائج البسيطة للإنكماش والبطالة التي ستنجم عن ذيول الازمة وتداعياتها.
إن الغربيين الآن يبلغون من الهشاشة ما لايستطيعون معه متابعة تأزيم الوضع لوقت طويل إنهم غير قادرين على استمرار اضطراب التبادل التجارى العام في العالم..
وإن روسيا التي تعانى كثيرا من الحصار وتجميد الاموال تستطيع تحمل المزيد بسبب استعداد شعبها وقيادتها لكل المخاطر فروسيا التي تنتج من البضائع المختلفة سدس بضائع العالم وتتنوع ثرواتها المتنوعة تبدو قادرة على تجاوز الحصار وقادرة على تحمل الأزمة وتحويلها إلى فرصة للمزيد من التقدم والتطور بسبب تجاربها الطويلة في مواجهة الحصارات والأزمات..وبسبب استعداد شعبها للمواجهة في حدها الأعلى فشعب مثل الشعب الروسي وقيادة مثل قيادته الحالية لا نستغرب أن يخرجو فائزين إذا تجنبو الظلم وحافظو على الوحدة ..
و من يرى غيرهذا الرأي فإنني أطلب منه -فقط- تسجيله وانتظار الأيام المقبلة والشهورالقليلة ولا نقول سنوات فهذا العالم الغربي ليس بمقدوره أن يتحمل سنوات من التأزم فالأزمات التي تحملها آخرون في العراق وإيران وليبيا وكوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا واليمن لايقدر المترفون من شعوب الغرب تحملها . إنهم ضعاف ويحسبهم البعض أقوياء ومتخالفون ويحسبونهم حلفاءمتحدون هذا مانرى والأيام بيننا!!!