يتحمل علماء البيظان (بالمعنى الضيق للكلمة) على الخصوص ومثقفوهم وسياسيوهم ونقابيوهم بشكل عام مسئولية جسيمة فيما يتعلق بموضوع الاسترقاق استجلاء ومتابعة ، ومحاربة واستئصالا ... فبالرغم من أن الكثير منهم يتفهم بل ويتبنى دون مواربة أو تردد طرحا تحرريا متقدما في
هذا المضمار إلا أن تلك القناعة وذلك التبني لم يواكبه عمل فعال وجاد يساهم على أرض الواقع في القضاء المبرم على هذه الظاهرة المقززة والمشينة التي لا تزال تضرب بأطنابها وإن بمستويات مختلفة في كل ربوع وطننا الحبيب ، لقد حان الوقت الذي ليس بعده سوى الوقت الضائع ليتداعى كل الغيورين على هذاالبلد من هذه الفئة بالذات وفي مقدمتهم علماء الدين ومن يلف لفهم من دعاة ومفكرين وساسة وقادة رأي إلى تصفية هذا الإرث المخزي ومعالجة هذا الداء العضال سواء كان صريحا في الممارسة أو مستترا تحت أي عنوان من عناوين ما يسميه بعضهم بالاسترقاق الناعم أو كان الأمر متعلقا فقط بالتداعيات والمخلفات وغيرها من المظاهر الارتدادية التي يمكن وصفها بالثانوية .
لقد أتاح هؤلاء بسلبيتهم وحيادية غالبيتهم الساحقة في هذه المسألة المفرطة في الحساسية الفرصة لكل بشير ونذير ولكل صارخ وناعق سواء كان صاحب قضية ومبدإ أو كان مجرد متاجر مغامر لاستغلال هذا الوضع المختل والعزف على أوتاره المحزنة الشجية ووجد فيه بعض المتطرفين والمتسلقين أرضية خصبة زرعوا على أديمها بذور الشقاق والفتن غير آبهين ولا مبالين بالقيم والمثل الإسلامية التي تكفل لهم دون سواها الكرامة الكاملة والحرية والمساواة مع أولئك الذين ساموهم القهر والاستعباد بدون وجه حق وضاربين عرض الحائط بمقتضيات الوحدة الوطنية والسلم والانسجام الأهليين، وبذلك يشترك الطرفان المفرط والمفرط في تضييع أمانتهم والتفريط في واجباتهم الوطنية والأخلاقية والشرعية .
إن الظلم الذي وقع على هؤلاء المسترَقين في الماضي وما يقع عليهم في الحاضر وحتى ما يُخشى أن يقع عليهم في المستقبل إن لم يتم اجتثاث هذا السرطان الأخلاقي القاتل لا يبرر بحال من الأحوال مساس أيٍّ كان بالمقدسات ولا العبث بالانسجام العام لمجتمع تتسم بنيته الرخوة بالترهل والهشاشة و الذين يقترفون جريرة منكرة كتلك الجريرة لا يخدمون قضيتهم العادلة ولا مبدأهم النبيل ولا وطنهم الجريح بل يعملون على إغراق سفينته التي سيخسر الجميع إن قُدر وأصابها مكروه لا سمح الله ، ولكن غلو هؤلاء أو سوء تدبيرهم أو خطأ تقديرهم لا يبرر سكوت أولئك ولا سلبيتهم وهم يرون رأي العين منكرا فاحشا (استرقاق واستغلال بعناوين مختلفة ...) يستطيعون تغييره بألسنتهم على الأقل - وذلك في هذا الشأن بالذات هو أضعف الإيمان – وهم قادرون على ما هو أبلغ من ذلك وأجدى دون أن يحركوا ساكنا سوى بيانات أو تنديدات هنا أوهناك لا تقدم ولا تؤخر ولا تسمن ولا تغني من جوع ولا تؤمِّن من خوف .
إن من أخاطبهم هنا في هذه المعالجة السريعة ليسوا بالعاجزين ولا هم ممن لا حول ولا حيلة لديه لأنهم بكل وضوح قادة المجتمع وصناع أفكاره وصاغة حاضره ومستقبله وحملة رايته وعنوان إرادته وبناة حضارته ورمز نهضته ولا يعوزهم التأصيل النظري أو الفكري ولا الوسائل ولا الامكانات لتحقيق الانتقال السليم بمجتمعهم الصغير من حالة التنافر والشك والفرقة والتشرذم والطبقية المقيتة إلى وضع أكثر عدلا وإنصافا وأشد اتزانا واستقرارا وأوفر ثقة واطمئنانا .
إن الأغلبية المطلقة من مجتمعنا الصغير بجميع أطيافه ومكوناته مسالمون بطبيعتهم مسامحون بفطرتهم طيبة سرائرهم مرضية علانياتهم ولا ينقصهم سوى توجيهكم وتأطيركم الجاد وعملكم بمقتضى ما علمتم لا بمقتضى ما وجدتم عليه آباءكم في قرانا وفي أريافنا وكصورنا وآدوابتنا على وجه الخصوص حيث لا يزال التمييز والحرمان والتفاوت على أشده بين كل فئات مجتمعنا وفي مقدمتهم ضحايا الاسترقاق من أبناء شريحة لحراطين ، إنها مسئوليتكم فأنتم النخبة وغيركم تبع لكم فإن أحسنتم أحسنوا وإن أسأتم أساءوا وإن سكتم فذلك تزكية منكم لواقع مرير أنتم قادرون على الرقي إلى واقع أفضل منه وذلك لعمري هو عين العجز الذي لا عجز بعده :
و لم أر فى عيوب الناس عيبا @ كعجز القادرين على التمام.