القصة : خلال فترة المحظرة، أيام أحذنا للقرآن الكريم، كان "مُرابطنا" -رحمه الله- يُسمي الجملة التي تعاد كتابتها مرتين على وجه الخطأ، ويتم تطليس الأخيرة ب "الخرجة" بترقيق الراء.
المقال : بدون مقدمات، تصبح الجمل غزيرة ومتعددة وطيعة، حينما نريد التعبير عن إخفاق رئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد الطالب أعمر، في إدارة هذه المرحلة من مراحل الذراع السياسية للحكم، كما أجزم أن الرجل أضاع فرصة نادرة منحه إياها رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، لم يكن ليحلم بربعها، أو حتى بعشر معشارها.
فالرجل القادم من برزخ PRDS ، والمتحمل وزر وزارة في فترة حكم الحزب الأسوء سمعة في تاريخ البلاد وفق الكثيرين، هو نفس الرجل الذي عبَر عبْر نافذة "عادل" دون أن يترك بصمة تذكر في سيرته الذاتية، وهو نفس المرشح المهزوم في معقل ربعه، ومسقط رأسه، حين حاول تمثيلهم في البرلمان.
حقا لم يكن ولد الطالب أعمر على مقاس المرحلة، ولم يكن يحمل الكاريزما التي تخوله مقدمة أبرز حزب في البلاد، رغم أن قيادة البلد منحته الفرصة الكافية لبناء مجده، لكن يبدو أن اللقمة كانت أضخم من حنَكه، فلم يستطع ازدرادها، أحرى أن تصل لمرحة الإبتلاع والغُصّة.
**
يكاد يجمع المؤرخون على أن المستعصم بالله -قتيل التتار- كان من أفضل خلفاء العباسيين خلال حقبته، لكن الرجال المحيطين به شكلوا عوامل هزيمة ولعنة لاحقته حتى طمرته في ثرى رمسه.
**
ومن وجهة نظري الخاصة، فلا شك أن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني يعد من أفضل من دخلوا القصر الرئاسي، لكن بعض -وأكرر بعض- من أعتمد عليهم في تنفيذ "تعهداته" والتسويق لها، يشكلون حاجزا فلاذيا دون تحقيقها والوفاء بها.
فياترى كيف ننتظر النتائج المبهرة ممن يعتبر لقاء مع سفير دولة تمتد جذور علاقاتها ببلادنا لسابع أرض، إنجازا يحسبه ضمن إنجازاته..؟!
وكيف ننتظر النتائج المرجوة ممن يعتبر تنظيم ورشة، أو حضور استقبال رسمي، أو نشر بيان على موقع مهجور، أو لقاء أطر محلين ضمن إنجازاته..؟!
وياترى كيف ننتظر الثقة في من يصرح في تظاهرة يحضرها المئاة، أن متابعي صفحة حزبه على الفيسبوك يعدون بالملايين، أمام وابل من ضحكات السخرية الصادرة من مناضلي حزبه قبل غيرهم، وفي نفس الوقت الذي يتيح الموقع أخبارا تبين عدم صحة دعوى سيادته للجميع..؟!
**
عشية الإعلان عن ثالث مذبحة في صفوف مواطنينا، بسيوف الغدر المالية، -وفي لحظة غير موفقة- أطل علينا مساء أمس، ولد الطالب أعمر، عبر نافذة إذاعة موريتانيا، فتعاطف مع الجناة، وربَتَ على أكتافهم، ونسي الفرق بين وظيفتي وزير الخارجية ورئيس الحزب الحاكم.
فمن ناحية التوقيت لم تكن "الخرجة" موفقة بالمرة، فالبلاد إن لم تكن في حالة إحداد، فهي في حالة تقصي حقائق عن مصير العشرات من مواطنيها، والجهات المكلفة لم تعلن للرأي العام نتيجة تقصيها رغم حالة الاستياء..!
ومن ناحية أخرى لم يكن المتلقي مهيأ لسماع الرأي السياسي، فقد كان همه الأول ماسيفصح الناطق باسم الحكومة أو مدير الأمن الخارجي أو من يقوم مقامهما، نظرا للوضعية الراهنة، وما يجري فيها من تقلبات وأحداث تشغل المواطن عن غيرها.
ثم إن الرجل لم يكن طويل عهد بالمنابر فقد نظم مؤتمرا صحفيا قبل أيام، كما تحدث في خطابين مطولين قبل نحو أسبوع، لم يعلن فيهما ولا في المؤتمر الصحفي المذكور عن أي جديد، بل شكلا أنموذجا حيا لم يسمى عند المجتمع الأهلي ب "رد الفايتات"..!
أما من ناحية المضمون فلم تتضمن "الخرجة" أي جديد، شأنها شأن تربيها السابقين، اللهم إلا إذا تعلق الأمر بإعلان تعاطف -في غير محله- مع دولة مالي فرج الله كربهم، وأجار بلادنا من شرورهم، فيما غاب عنها أي تعاطف مع المواطنين المفقودين.
**
كان مروان بن محمد "الحمار" من أرجح حكام بني أمية عقلا، لكن الباحثين أخذو عليه عدم معرفته بمعادن الرجال، فخلال صراعه من العباسيين ظل يعتمد على رجال إما مكتوفي الأيدي، أو متعددي الولاءات، ولعل هذا ماعجل بزوال حكمه.
**
لقد كان من الأفضل في نظري لولد الطالب أعمر أن يبحث عن حلول لحالة الغليان والاستياء داخل حزبه الذي تعددت فيه الاستقالات، وغابت فيه الرؤى الواضحة، وأصبح عالة على فترة من حكم موريتانيا لها مابعدها، بدل "خرجة" إعلامية لم تأتي بجديد سوى مزيد من الغليان والاستياء.
ولاشك أن المرحلة القادمة هي مرحلة سياسية بامتياز، وأن الذراع السياسية للحكم لابد أن تكون هي عماد تلك المرحلة، والرجل الذي لم يستطع إثبات نفسه في حالة السلم، لن يثبتها مطلقا في حالة الحرب، ومهما كان النمو الديموغرافي في بلادنا محدودا، فإن موريتانيا تظل ولّادة، والخيارات فيها تبقى مفتوحة، ومهما كان فضل فلان، فإن الأفضل موجود، ولاشك أن رئيس البلاد قد أحصى رجاله وعدهم عدا.
للعبرة : بعد كتابة المقال، وقبل نشره بلغني خبر استقالة أحد مستشاري رئيس الحزب.