عرفت موريتانيا منذ تأسيسها للدولة المركزية تحولات سياسية واقتصادية كبيرة بل وحتى اجتماعية، فرضها واقع التشكل الجمهوري ونمو مفاصل الدولة، وخلال فترات عدة استطاع أبناء البلد شحذ هممهم لقيادة الدولة المستقلة ذات الوحدة الترابية الآمنة من أطماع الآخرين، بفضل الله ويقظة جنودها البواسل.
و كانت البلاد قد وضعت نفسها على المحك لاختبار قدرات أبنائها في تسيير وقيادة دفة الإدارة وتوطيد عرى المواطنة، وهنالك الكثير من الأطر الذين تكونوا ورفعوا سقف الأداء الإداري، رغم ما عانته البلاد خلال عقودها المتوسطة بين الاستقلال واللحظة من محاولات إخضاعها للمديونية الثقيلة على كاهل الخزينة الوطنية، والمجحفة بحق الأجيال القادمة، وذلك من خلال استشراء الترهل الإداري وانتشار الفساد والمسلكيات التي جعلت موريتانيا تعود أدراجها شيئا فشيئا على سلم التنمية.
ومنذ أستلم فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وعد بوضع البلاد على السكة من جديد، وبمحاربة صارمة للفساد وجميع أنماط التسيير المخل بأهداف الجمهورية والمقوض لتحقق دولة القانون والمؤسسات والحكم الرشيد، ومكن ذلك من وضع مقاربات وسياسات حكيمة أعطت أكلها وما تزال تضيف يوما بعد يوم إلى صرح موريتانيا الناهضة بحكمة وثبات.
ولقد مكن مبدأ حياد الجهاز التنفيذي عن سير القانون لدى دوائر القضاء من استبعاد مختلف أطر الدولة والمسؤولين ممن شملتهم التقارير في ما يعرف بملف فساد العشرية من وظائفهم ومناصبهم، وذلك لإعطاء القضاء حريته، ولإيجاد الفرصة لإظهار برائتهم، وكل من لم تثبت في حقه تهم من قبل القضاء لا شك أنه يعود كسائر أبناء الوطن الذين تعول عليهم الدولة في وقت الحاجة إليهم.
من غير المعقول أن نضرب صفحا عن جميع أطر الدولة وأبنائها ممن ساهموا في بناء أركانها فقط لأنهم عملوا في السابق أو خلال العشرية في مؤسسات الدولة، لأنهم أساس متين لا غنى عنه في استمرار روح النهوض، وداع أصيل للتأكيد على أن تحقيق التنمية محتاج أكثر إلى تراكم التجارب واستغلال الخبرات الوطنية، عوض الرجوع من نقطة البدء مع كل نظام يحكم البلاد.
إن تعيين الوزير الأسبق للتهذيب الوطني السيد با عثمان رئيسا للمجلس الوطني للتهذيب مدعاة للاعتراف بأنه اختيار موفق بكل المقاييس لما يتمتع به الرجل من خبرة في مجال التعليم ومعرفة بمشاكل القطاع الذي نحن في أمس الحاجة للرفع منه ومستواه في إطار بنائنا لمشروع المدرسة الجمهورية.
إنه من الغريب أن يرى أي مكابر عيبا واحدا في اختيار أحد أبناء الوطن ممن لم يجد القضاء في حقه أي وجه للمتابعة في ملفات فساد العشرية، وهو ما يجعله كغيره من الأطر الأكفاء الذين يحتاجهم الوطن لخدمته.
وفي حالة تعيين الرئيس الجديد للمجلس الوطني للتهذيب السيد با عثمان فإن لنا أن ننظر إليه باعتباره إطارا ذا خبرة وأحد أبرز داعمي برنامج رئيس الجمهورية، بالإضافة لكونه قياديا بحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، مما يجعله متمتعا بالأهية المهنية والفكرية من ناحية الانتساب لتوجه الدولة ورؤيتها في ظل قيادة رئيس الجمهورية الذي قوامه الجد والإخلاص لتطوير بلادنا وتغيير واقع المواطنين إلى الأفضل.
إن الاعتراض على تعيين الأطر الذين لا تتم متابعتهم قضائيا، أمر مستغرب، وجل من ينادون بذلك لا شك ذوو أجندات خاصة لا تخدم الصالح العام ولا الإنصاف الذي ينص عليه توجه الدولة العام، حيث أن لا وجه لحرمان أي مواطن مهما كان من أن يحصل على حقوقه، ومن أن يقدم واجبه الوطني المنوط به تحت ظل دولة القانون الوارف، وبرعاية احترام وسير العدالة الاجتماعية والمؤسسات الجمهورية.