تعتبر رابطه النكاح رابطة عظيمة ونعمة جليلة من الله تبارك وتعالى بها على عباده ليقضوا عن طريقها رغباتهم
بأسلوب يتواءم مع تكريم الله لهم إضافة لمافيه من حفظ الأنساب والأحساب وتقوية أواصر المحبة والشفقة بين الازواج والأبناء والأصهار لذلك جعله الله ميثاقا غليظا قوامه الشفقة والمودة والألفة والرحمة
وقد كانت شريعتنا الإسلامية السمحاء سباقة لتنظيمه تنظيما محكما لاحيف فيه يأخذ بعين الاعتبار الحلقة الأضعف في جانب العقد (المرأة)ويؤمن لها حقوقها دون أن يكون ذلك على حساب حق الطرف الآخر
فحددت أركانه من صداق ومحل (الزوجان)وصغة ومهر وشروط صحة.
و في حالة تخلف ركن من هذه الأركان والتي من ضمنها ولي المرأة يبطل العقد واشتراط الولي منصوص في قوله صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل) ، وقوله الله صلى الله عليه وسلم ( لا نكاح إلا بولي)
وقد نظمت القوانين العربية الحديثة هذه الرابطة تنظيما مستمدا من الشريعة الاسلامية باعتبارها مصادرا له ، ومن بينها مشرعنا الموريتاني الذي نص في مدونة الأحوال الشخصية المادة9(لا يجوز تزويج المرأة بدون رضاها ولا تزويجها بدون وليها) ، بيد أن الإشكال الذي يطرح نفسه في مسألة الولي اعتبار الكفاءة شرطا في النكاح تجب على الولي مراعاته في من يطلب يد من تحت ولايته أم لا ؟وهل الكفاءة في الزواج شرط صحة أم لا؟
وسنقسم الإجابة على هذا الإشكال إلى محورين المحول الأول موقف الشريعة الإسلامية من اشتراط الكفاءة في النكاح (فقرة أولى) وموقف المشرع الموريتاني من اشتراط الكفاءة في النكاح (فقرة ثانية)
الفقرة الأول: موقف الشريعة الاسلامية من اشتراط الكفاءة:
وستناول في هذه الفقرة مفهوم الكفاءة لغة واطصلاحا(أولا)ثم حكمه في الشريعة الإسلامية
أولا مفهوم الكفاءة في النكاح:
1الكفاءة لغة:
الكفاءة لغة: المماثلة والمساواة، يقال: فلان كفء لفلان أي مساو له. ومنه قوله صلّى الله عليه وسلم: (المسلمون تتكافأ دماؤهم)أي تتساوى، فيكون دم الوضيع منهم كدم الرفيع.
ومنه قوله تعالى: {ولم يكن له كُفُواً أحد} الإخلاص: أي لا مثيل له.
2اصطلاحا:
وفي اصطلاح الفقهاء: المماثلة بين الزوجين دفعاً للعار في أمور مخصوصة، وهي عند المالكية: الدين، والحال (أي السلامة من العيوب التي توجب لها الخيار). وعند الجمهور: الدين، والنسب، والحرية، والحرفة (أو الصناع)، وزاد الحنفية والحنابلة: اليسار (أو المال)
ثانيا:حكم اشتراط الكفاءة في النكاح
اختلف عماؤنا رحمهما الله في اشتراط الكفاءة في النكاح على قولين قول باشتراطها في النكاح وهو قول الجمهور وقول بعدم اشتراطها وسنضرب عنه صفحا لأن قول الجمهور أرجح منه ودليل الجمهور على اشتراط الكفاءة في النكاح من السنة :
: حديث علي أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال له: «ثلاث لا تؤخر: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفئاً» (
وحديث جابر: «لا تنُكحوا النساء إلا الأكفاء، ولا يزوجوهن إلا الأولياء، ولا مهردون عشرة دراهم»
وحديث عائشة: «تخيروا لنطفكم، وأنكحوا الأكفاء»
وحديث ابن عمر: «العرب بعضهم أكفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، ورجل برجل، والموالي بعضهم أكفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، ورجل برجل إلا حائك أو حجام» وحديث عائشة وعمر: «لأمنعن تزوّج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء»
وحديث أبي حاتم المزني: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه، فأنكحوه، إلا تفعلوه، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» وفيه دليل على اعتبار الكفاءة.
وحديث بريدة الذي جعل فيه النبي صلّى الله عليه وسلم الخيار لفتاة زوجها أبوها ابن أخيه ليرفع بها خسيسته
وحديث «العلماء ورثة الأنبياء» وحديث «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقُهوا
وقد اختلف العلماء هل الكفاءة شرط لزوم ام شرط صحة والراجح عندهم أنها شرط لزوم وإذا تزوجت المرأة غير كفء كان العقد صحيحا ولأوليائها حق الاعتراض عليه وطلب الفسخ دفعا لرفع ضرر العار عن أنفسهم إلا أن يسقطوا حقهم في الاعتراض فيلزم لو كانت الكفاءة شرط صحة لما صح لأن شرط الصحة لا يسقط إلا بالإسقاط
وقد نص خليل على اشتراط الكفاءة في مختصره بقوله (والكفاءة الدين والحال ولها وللولي تركها وليس لولي رضي فطلق امتناع ..)قال الدسوقي في الحاشية:
قوله: (والمعتبر إلخ) الحاصل أن الأوصاف التي اعتبروها في الكفاءة ستة أشار لها بعض بقوله:
نسب ودين صنعة حرية فقد العيوب وفي اليسار تردد فإن ساواها الرجل في الستة فلا خلاف في كفاءته وإلا فلا، واقتصر المصنف على ما ذكر لقول القاضي عبد الوهاب إنها المماثلة في الدين والحال، ولا يشترط فيها المماثلة في غير ذلك من باقي الأوصاف، فمتى ساواها الرجل فيهما فقط كان كفؤا. قوله: (الحسب) هو ما يعد من مفاخر الآباء كالكرم والعلم والصلاح. وقوله النسب أي بأن يكون كل منهما معلوم الأب لا كون أحدهما لقيطا أو مولى إذا لا نسب له معلوم. قوله: (وإنما تندب) أي المماثلة فيهما فقط. قوله: (أي لهما معا) أي فإن تركتها المرأة بأن رضيت بغير كف ء ولم يرض الولي بتركها فللأولياء الفسخ ما لم يدخل فإن دخل فلا فسخ. والحاصل أن المرأة إن تركتها فحق الولي باق والعكس. قوله: (من فاسق) أي وذلك لأن الحق لهما في الكفاءة فإذا أسقطا حقهما منها وزوجها من فاسق كان النكاح صحيحا على المعتمد.
وحاصل ما في المسألة أن ظاهر ما نقله ح وغيره واستظهره الشيخ ابن رحال منع تزويجها من الفاسق ابتداء وإن كان يؤمن عليها منه وأنه ليس لها ولا للولي الرضا به وهو ظاهر، لأن مخالطة الفاسق ممنوعة وهجره واجب شرعا فكيف بخلطة النكاح؟ فإذا وقع ونزل وتزوجها ففي العقد ثلاثة أقوال: لزوم فسخه لفساده وهو ظاهر اللخمي وابن بشير وابن فرحون وابن سلمون. الثاني أنه صحيح وشهره الفاكهاني. الثالث لأصبغ إن كان لا يؤمن منه رده الامام وإن رضيت به، وظاهر ابن غازي أن القول الأول وهو الراجح، وعليه فيتعين عود ضمير تركها للحال فقط لأنه أقرب مذكور اه بن. والذي قرره شيخنا أن المعتمد القول بالصحة كما شهره الفاكهاني. قوله: (حفظا) أي لوجوب حفظ النفوس. قوله: (وليس لولي إلخ) يعني أن الولي إذا رضي بغير كف ء وزوجها
قال محمد مولود
والكفء من سلم من@@فسق ومن عيب به قمن
ولو دنيا لذوات الشرف@@لاالعبد للحرة فيما قد قفي
وليس للمرأة دون الأوليا@@قبول ذي عيب كما قد ابيا
قبول كل فاسق واختلفا@@في الفسخ إنكحها من سلفا
حسب مقتضى كلام العلامة محمد مولود فإن الكفاءة تكون بعدم الفسق وعدم العيب وأن ذوات الشرف يجوز أن يتزوجهم دنيئ النسب لكنه في البيت الثالث فرع إلى مسألة في غاية الأهمية وقد أشار إليها الدسوقي في الكلام اعلاه أنه لا يجوز لها قبول ذي عيب دون رضى ولييها ولا صاحب فسق وإذا تزوجها صاحب فسق فإن حكمها فيه التفصليل المذكور اعلاه
فالولي مؤتمن على من في ولا يته وشريكها في المسئولية لذلك من تتبع بالإستقراء شروط الولاية يتبين له دقة حسن اختيار الشريعة للأولياء بدأ بالألبوة والبنوة والأخوة ... وانتهاء بالعمومة
ومن شدة حرصها على الولاية كماهو منصوص في كتب المذهب أن الدنيئة يشرط في من يولها أن يكون ساكنها فترة تحصل بيها الألفة والشفقة والرحمة
فالولي قد لا يوافق المرأة في في زواجها بمن يرى انه ليس كفئا لها لأنه وكله الله على مصلحتها فالله أدرى بمصالح عباده ولو كانت في ولاية المرأة لنفسها دون وليها مصلحة لأقرها الشارع بالمنطوق .
فالشريعة لم تطلق العنان للولي في ولاية المرأة بل وضعت له ضوابط محددة عنونها الفقهاء بالكفاءة فمن لم تتوفر فيه اباحوا للولي عدم مصاهرته وإذا توفرت واعترض على زواجها فإن الشريعة كلفت القاضي بإرغامه على ذلك أو تزوجيها
الفقرة الثانية موقف المشرع الموريتاني من اشتراط الكفاءة في الزواج:
حسب مقتضيات المادة 9 من مدونة الأحوال الشخصية فإن المرأة لا يجوز ان تتزوج بدون رضاها ولا يجوز تزويجها بدون وليها والإشكال هنا بين من اخلال اشتراط رضاها ووجود ولييها إذا حضر وخالفها الرأي في الزواج هل مخالفته لها تأثير أم لا؟
طبعا بالرجوع إلى نص المادة 13مدونة الأحوال الشخصية التي جاء فيها (إذا امتنع الولي من تزويج من هي في ولايته بدون مبرر فإن القاضي يأمره بتزويجها فإن أصر تولى القاضي تزويجها) فإن مفهوم مخالفة هذه المادة يقضي بأنه يجوز للولي ان لا يوافق على الزواج إكان لديه مبرر يمنعه من ذلك لكن عبارة مبرر عبارة غامضة لأنها نكرة والنكرة تفيد الإطلاق وعليه من خلال نص المادة311 من مدونة الأحوال الشخصية(يرجع في تفسير مدلولات هذه المدونة عند الإشكال إلي مشهور مذهب مالك.... )
فإن مبرر إعتراض الوكيل على زواج من في ولايته مقيد بعدم الكفاءة والكفاءة كما تقدم في المذهب اختلف فيها على قولين ألاول منهما انها(الدين والحال)والثاني انها الدين والنسب والحرية والسلامة من العيوب والحرفة وفي اليسار تردد والقول الأخير هو القول المشهور
فكما هو منصوص في المذهب يجوز للمرأة ان تطلب الطلاقه ممن ليس كفئا لها إن زوجها الولي له لرفع العار عنها والعكس صحيح
فالولاية آمانة قد نظمتها الشريعة الاسلامية تنظيما دقيقا لا إفراط ولاتفريط مبني على قواعد العدل المطلق والانصاف السليم
ومن أدلة ذاك تكريم النساء وتبجيلهم واحترامهم والإيصاء عليهم كما قال صلى الله عليه وسلم استوصوا خيرا بالنساء