فلسفة غزواني ( 4) : بنية الخطاب والأداء السياسيين / محمد افو

هناك من يواجه المجتمع وهناك من يماهيه وكلاهما لا يحدث اثرا في بنيته. 
فالأول يتم عزله والثاني يتم نسيانه. 
والقيادة تقتضي الثبات في منطقة السائس الذي يحذر دون نسيان مهمته ويقدم دون نسيان سلامته. 
أولا : فضل غزواني أن يبدأ مشواره بالوقوف في حيز الحياد من الصراعات، سواء تلك التي عهدت بين موالاة الأنظمة ومعارضتها، أو تلك التي بين أجنحة النظام الواحد، بمختلف دوافعها وتعقيداتها ( الجهوية والقبلية والطبقية... الخ). 
وهذا الحيز يسمح للرئيس برؤية أكثر وضوحا وشمولية لقضايا تبدو معهودة وطبيعية لكنها تعيق نمو الدولة و النظام الديمقراطي وتؤدي لفشل الإدارة العامة الموبوءة بصراع وحسابات تلك التشكيلات. 
ولهذا الموقف ثمن يدفعه نظام الرئيس من امتعاض الموالين الذين دعموه منتظرين ثمن دعمهم حظوة وتقريبا. 
وهذا التوجه جديد على منظومتي  السياسية والمجتمع في بلادنا. 

ثانيا : تهذيب خطاب الموالاة 

فمنذ اللحظة الأولى عبر النظام عن امتعاضه من أساليب التمجيد المبتذلة وتوجهت مؤسساته الاعلامية نحو خطاب تحليلي متزن يعتمد على التسلح بالأرقام والمنجزات دون تملق أو تقرب بالأساليب الانشائية المعهودة. 

ثالثا : إعادة تشكيل الحياة السياسية 

فقد كانت المعارضات معتمدة في تسويق خطابها على مادة النقد وكشف الملابسات، مما حط من قيمة الاعتماد على البرامج وصناعة الوعي السياسي المنوط بها كضامن للرقابة والتوعية. 
لكن الرئيس وأعضاء حكوماته ظلوا ملتزمين بالاعتراف بالخلل بجرأة غير معهودة. 
( فشل الادارة، فقر الدولة، صعوبة الأوضاع، وتقارير المسؤولين المعلنة عن الحالة العامة وعن بعض المرافق التابعة لهم وإعلان حيثيات ملفات الفساد... الخ). 
وتراوح هذا الأداء بين السبق في كشف الملفات والاعتراف بالأخطاء ونسبية الوعود التي بدأها الرئيس في حملته بقوله أنه يدرك أن برنامجه الانتخابي لن يكون الأقوى بين برامج المرشحين نظرا لمعرفته الدقيقة بإمكانيات الدولة) 

إلى جانب حرق أوراق الخطاب التقليدي الممجد للموالاة التي التزمت مواقعها خشية إحراج نفسها بالدفاع عن نظام يفضل العمل في صمت وهدوء، وويفضل أن تدافع عنه إنجازاته لا حناجر وأقلام المتقربين زلفى. 

ونتيجة لتلك السياسيات، لم يعد أمام المعارضة والموالاة إلا طريق واحدة لبناء خطابها، وهي ترقية الخطاب وبناء البرامج والدعم السياسي المبني على التقارب المبدئي. 
فلم يعد الدعم السياسي سوقا للتوظيف أوالثراء ولم  يعد  للمعارضة أن تسوق نفسها من خلال النقد إلا وهي خلف اعترافات الرئيس ووزرائه عن الأوضاع والملفات . 
وبهذا يكون الرئيس غزواني قد كشف عن بعض جوانب شخصيته ، وبدأت معالم استراتيجيته في الحكم كرجل يبدو متقدما على الكثير من التوقعات التقليدية . 

18. مارس 2022 - 16:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا