ظل صدي هذا السؤال يتردد في ذهني لفترة طويلة من الزمن ولم أجد إجابة شافية لعقدين من على الأقل، وذلك بسبب وجود تيارين متعاكسين، أحدهما مصدره الداخل يتفنن في عرض خريطة المعادن كالحديد والذهب والنحاس الفوسفات والموارد البحرية والثروة الحيوانية والأراضي الزراعية الخصبة، بينما يقدم التيار الثاني والذي مصدره خارجي رواية معاكسة، فمؤشرات البلد الاقتصادية حمراء وتصنيفاته كلها تقريبا تضعه في خانة أفقر دول العالم.
لا شك ان اول ما قد يتبادر للذهن للوهلة الاولي بان لا تناقض بين التيارين، فنحن بلد غني بالموارد، لكننا نعاني من الفساد وسوء التسيير وضعف الحكامة، وبالتالي فمن الطبيعي ان تكون المؤشرات حمراء فالتنمية الاقتصادية تراوح مكانها والفقر يضرب اطنابه في كل مكان.
كنوز ام مجرد فرص
المعادن
من الأخطاء الجسيمة التي اقترفت حسب اعتقادي هي التركيز على الصناعات الاستخراجية باعتبارها موارد يعتمد عليها لتحقيق التنمية الاقتصادية والنظر اليها ككنوز تسيل لعاب المجتمع ، فمثلا استخراج غرامات من الذهب قد يحتاج لمعاملة أطنان من الركاز وامتار مكعبة من الماء واستخدام مواد كيميائية سامة، وخبرة فنية عالية وراس مال كثيف ويد عاملة قليلة وتكون بالتالي الريوع المتحصل عليها من الاستخراج ضعيفة، وتكون ضعيفة جدا اذا ما اخذنا بالحسبان تذبذب الأسعار ونضوب المعدن والاشكاليات البيئية للاستخراج ،هذا بالنسبة للتعدين الصناعي ،اما التعدين الأهلي فلن يكون اكثر حظا لارتفاع تكلفة الإنتاج والفاتورة البيئية .
يجب ان لا نغتر بحالات خاصة حققت فيها المعادن طفرات، فيشترط لذلك وجود معدن ثمين بكمية كبيرة وكلفة انتاج قليلة في بلد صغير ومع ذلك فغالبا ما تكون الطفرة مؤقتة.
الثروة الحيوانية
تملك البلاد ثروة كبيرة من الماشية إذا ما اخذنا بالحسبان عدد سكان، لكن تلك الثروة وصلت لأعداد تتجاوز قدرة المراعي الطبيعية على التحمل، مما خلق ميزانا رعويا سالبا، تضطر البلاد لمعادلته بشراء القمح والمركزات العلفية الثمينة، مما ينذر بعواقب وخيمة تتعلق باضطرابات لفيزيولوجيا الهضم قد تصبح فيها الحيوانات شبه مجترات فقط.
ان سيادة أنماط الإنتاج الغير كثيفة يحول دون تطوير السلسلة القيمية لإنتاج القطاع وبالتالي فلن تتحقق الآمال المعقودة عليه وسيظل عبئا على الاقتصاد الوطني ما لم تتخذ استراتيجيات ناجعة لإدارته.
الصيد
يعد قطاع الصيد البحري من القطاعات الهامة التي يمكن ان تكون رافعة للتنمية بشرط زيادة التركيز على الصناعات التحويلية لزيادة سلسلة قيم الإنتاج، والاهتمام بالاستدامة، وهذا قد يعني الفرق بين الغني والفقر، ولا شك ان اللجوء لطحن الأسماك واعتبارها مجرد نفايات من المؤشرات المقلقة على صحة والقطاع واستدامة موارده.
الزراعة
تملك البلاد مقدرات زراعية تعتمد بالأساس علي توفر مياه النهر والأراضي الزراعية، خصوصا في المناطق المتأثرة بمناخ الواجهة البحرية، ويمكن عند استغلالها بالشكل الأمثل ان توفر فرص عمل كبيرة وتحقيق الاكتفاء الذاتي في عديد المحاصيل، لكن بالمقابل لا يمكن الحديث عن كنز او فرص هائلة على غرار الدول التي تزرع ملايين الهكتارات في الزراعة المطرية القليلة التكاليف.
أسباب الفقر
لا شك ان ضعف الحكامة وسوء توزيع الثروة من الأسباب الرئيسية لمعضلتنا التنموية، ويعود ذلك للطبيعة الزبونية للمشاركة السياسية، فالنظام السياسي ، يستند على وسطاء يتحكمون في أصوات جل ساكنة الريف، وبالتالي يملكون موجه دفة كل استحقاق، وتعيق مكافاتهم حسن تدبير الشأن العام وتزيد بالتالي من الفقر .،لكن أسباب الفقر تتجاوز ذلك، فنحن بلد يعتمد على القطاعات الإنتاجية الأولية سواء كانت مستدامة او ناضبة ويتجاهل أهمية الموارد البشرية، مما ساهم في الاختلالات الهيكلية التي تعصف باقتصاد البلد، ومن الأسباب العرضية لذلك تحول العامل الديموغرافي لعبأ بدل ان يكون سبب قوة.
لعل السبب الرئيسي للفقر في بلادنا يعود لضعف الاهتمام بالموارد البشرية من حيث التكوين والاستغلال ففهي اما غير موجودة او في المكان الخطأ او مهملة او مٌغيبة، فالبلاد تفتقر لاستراتيجية للنهوض بالموارد البشرية وعلى العموم فهي استثمار طويل الأمد ولا يتناسب مع الخطط الآنية والمستعجلة.
تملك بلادنا فرصا كثيرة عند الاستغلال الأمثل لها سنغادر خانة البلدان الفقيرة، لكننا سنحتاج حتما لمعجزة كي نصبح من الدول الغنية وتحقيق تلك المعجزة مناط بوعي المجتمع لإمكاناتنا الحقيقية والتوق الي مراتب عليا بين الأمم المتقدمة.