منذ أقدم العصور و العلاقات قائمة بين سكان شمال غرب إفريقيا و شبه الجزيرة الإيبيرية ضمن ديناميكية تتميز بالتأثير و التأثر بين ضفتي غرب الأبيض المتوسط. تؤكد المعطيات العلمية حدوث هجرات عديدة لسكان هذه المنطقة إلى إسبانيا و البرتغال الحاليتيتن و امتزاجهم مع الشعوب الأصلية من إيبيريين و سلتيين (Ibéro-celtes) و ذلك منذ آلاف السنين. أدى أيضا توسع القرطاجيين في القرن الثالث قبل الميلاد إلى بناء مراكز تجارية لهم على السواحل الإسبانية لا يزال بعضها قائما إلى اليوم : قرطاجنة Cartagena، قاديش Cadiz ، إلخ.
بفتح الأندلس سنة 711 م في زمن الخلافة الأموية، أصبح جنوب إسبانيا و مناطق أخرى تحت الحكم الإسلامي الذي استمر حتى سقوط غرناطة سنة 1492. خلال هذه الفترة لم يكن حضور العرب و المسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية بشكل عام و إسبانيا بشكل خاص حضورا دينيا و سياسيا فقط، بل كان وجودا حضاريا و ثقافيا و علميا لا تزال شواهده ماثلة في أغلب مدن الأندلس: طليطلة، إشبيلية، قرطبة، غرناطة، إلخ.
و مع أن الحضور الإسلامي في إسبانيا، و الذي استمر زهاء ثمانية قرون، هو تاريخ مشترك بين كل العرب و المسلمين و سكان إسبانيا، إلا أن للشعب الموريتاني خصوصية تتعلق بهذه الفترة و هي أن المرابطين الذين انطلقوا من هذه البلاد قد حكموا، ضمن المجال الجغرافي لدولتهم، جنوب إسبانيا و أقاليم عديدة أخرى من شبه الجزيرة الإيبيرية على مدى حوالي ستة عقود من الزمن (من 1086 م إلى 1147 م) و ذلك منذ عهد الأمير يوسف بن تاشفين ليتواصل ذلك مع خلفائه من أمراء المرابطين الذين حكموا من بعده (ابنه الأمير علي ثم خليفة هذا الأخير تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين، إلخ.).
في هذا الإطار، و كمثال حي على مدى وعي الإسبان بأهمية هذه الفترة، أصر ملك إسبانيا السابق، خوان كارلوس الأول، والد جلالة الملك الحالي فَيلِيبَّ السادس، أثناء زيارة أداها لموريتانيا نهاية شهر مايو 1994، على التنقل إلى موقع أزوݣي التاريخي قرب أطار، عاصمة ولاية آدرار، حيث أدلى من هناك بتصريح قال فيه ما مجمله: " إن فترة وجود المرابطين في إسبانيا تعتبر تاريخا مشتركا بين الشعبين الموريتاني و الإسباني".
منذ حصول موريتانيا على استقلالها ظلت المملكة الإسبانية، و بحكم الجوار الجغرافي و عوامل عديدة أخرى، شريكا سياسيا أصبح مع الوقت شريكا اقتصاديا هاما، و بالأخص منذ ثمانينيات القرن الماضي و حتى الآن، حيث تم توقيع العديد من اتفاقيات التعاون في مجالات متعددة من بينها الصيد البحري و مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، كما تقدم وكالة التعاون الدولي الإسباني دعما لبعض مشاريع و أنشطة التعاونيات الأهلية في موريتانيا.
في مجال التعليم العالي، يتم تدريس اللغة الإسبانية كتخصص في كلية الآداب و العلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط العصرية منذ زهاء ثلاثة عقود، كما يتابع العديد من الطلاب الموريتانيين تكوينهم في الجامعات و المعاهد و المدارس المتخصصة الإسبانية.
في هذا الإطار، يعمل قطاع التعليم العالي على التنسيق مع الجهات الإسبانية المختصة بغية تطوير وتيرة التعاون في هذا المجال.
و كتتويج لإرادة السلطات العليا في البلدين للدفع بالعلاقات الثنائية إلى آفاق أرحب و أشمل، تأتي الزيارة التي يقوم بها حاليا فخامة رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ الغزواني، إلى المملكة الإسبانية على رأس وفد هام للرفع من مستوى التعاون بين الدولتين في شتى المجالات، خصوصا أن موريتانيا برهنت منذ بداية المأمورية الأولى لفخامته أنها الدولة الأهم و الأكثر استقرارا في منطقة الساحل و الطرف الذي يعول عليه لبناء شراكة مستدامة و متعددة الأوجه.