يصنف البنك الدولي موريتانيا من ضمن 39 دولة، يعتبرها دولا فقيرة ومثقلة بالديون، وهي دول يقع معظمها في إفريقيا جنوب الصحراء. من ضمنها السنغال و"كوت دفار" وغانا.
وحسب نفس المؤسسة فقد دفعت جائحة كورونا ب48 ألف شخص إلى الفقر المدقع في موريتانيا سنة 2020.
كما يعتبر صندوق النقد الدولي أن نسبة 31 % من الموريتانيين يعيشون تحت خط الفقر.
وبلغت مديونية بلادنا الخارجية سنة 2020، حسب التقرير السنوي للبنك المركزي الموريتاني: 4,34 مليار دولار ( 1,6 تريليون أوقية قديمة) ، فيما ناهزت خدمة الدين السنوية 300 مليون دولار أي 111 مليار أوقية قديمة.
وبسبب جائحة كوفيد 19 تقلص الناتج الإجمالي الحقيقي لاقتصادنا الوطني بنحو 2,2 % وبلغت قيمته الإجمالية 307 مليار أوقية جديدة.
هذه حقائق عنيدة، يحاول بعضنا للأسف أن يقفز عليها، وهي التي أشار إليها رئيس الجمهورية في كلمته أمام مجموعة من جاليتنا في اسبانيا، ربما، من باب أن "الاعتراف بالمشكل هو البداية الصحيحة لعلاجه" .
إن من استمع لكلام رئيس الجمهورية والسياق الذي ورد فيه، سيدرك أنه لم يكن بهدف نشر الإحباط بين الموريتانيين ولا بقصد تهرب الدولة من مسؤولياتها، وإنما بغرض تصحيح صورة نمطية عن مقدرات الدولة، لدى كثير من المواطنين، صورة أقرب للمثل: (آباؤكم قادرون). لقد كان رئيس الجمهورية يعتقد أن أفراد جاليتنا في الخارج، بحكم وعيهم واطلاعهم على كثير من الحقائق في البلدان التي عاشوا فيها، لن تنطلي عليهم الصور النمطية.
وهنا أود أن أسجل ملاحظة على مقولة شائعة لدى كثير منا وهي: موريتانيا دولة غنية لديها، السمك، الحديد، النفط، الغاز، الزراعة، التربة النادرة، النحاس ...الخ، فأصحاب هذا الكلام يتناسون الحقائق التالية:
ـ السمك، موجود فعلا لكنه في البحر وقليل منا، للأسف، من هو مستعد لركوب الموج، فجرا، لاصطياده؛
ـ الحديد، يتجاهل البعض أن شركة اسنيم مثقلة بالديون وتحتاج أن تنفق مئات ملايين الدولارات على تحديث وسائل الإنتاج، كما أن 22 % من أسهمها مملوكة لشركاء عرب ونصيب الدولة الموريتانية من أرباحها لا يغطي، في أحسن الأحوال، تكاليف خدمة الدين المستحق سنويا على الدولة؛
ـ النفط: الحقل النفطي الوحيد الذي تم استغلاله كان حقل شنقيط وقد توقف فيه الإنتاج وأغلق سنة 2017 حيث لم تعد له أية جدوائية اقتصادية، بعد أن ظل إنتاجه لعدة سنوات في حدود 6000 برميل يوميا؛
ـ الغاز، لم تكتشف احتياطاته الكبيرة إلا في السنوات الأخيرة وهو يوجد على عمق يتراوح مابين 3000 و 5000 متر تحت قاع المحيط، على بعد عشرات الكيلومترات من اليابسة، ويحتاج استخراجه لوسائل تقنية ومادية هائلة ولا يتوقع أن يتم تصديره أول شحنة مسالة منه قبل نهاية 2023 ؛
ـ التربة النادرة، لا يعرف الكثيرون أن آخر مستثمر اهتم بها كان سنة 1973؛
ـ النحاس، يكاد احتياط أم إكرين (قرب أكجوجت) ينفذ من هذا المعدن، و كل ما قيم به من عمليات تنقيب عنه خلال العقدين الأخيرين لم يتوصل لأية نتيجة؛
ـ الزراعة، مثل الصيد تماما، كثيرون ممن يتحدثون عن المقدرات الزراعية للبلد وأهمية استغلالها لتحقيق الأمن الغذائي يعزفون عن العمل في المجال والخدمات المرتبطة به، وهو ما يفسر كون معظم من يعمل في القطاع اليوم (لا من يستثمر)، سواء في الحقول أو في مصانع التقشير وحتى في تشغيل آليات الاستصلاح والحرث والحصاد،أجانب.
ورغم جائحة كورونا فقد قامت موريتانيا خلال السنتين الأخيرتين، بجود كبيرة، باعتراف من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهيئات الأمم المتحدة، جهود مكنت من استدامة المالية العامة وعملت على تحسين الخدمات في القطاعات الاجتماعية الرئيسية.
فقد تضاعفت المبالغ المخصصة للتحويلات الاجتماعية وتحسنت أنظمة المعاشات وتمت معالجة الإختلالات التي كانت تشوبها، كما قيم بإجراءات للحد من تبعات التضخم وتمت زيادة الإنفاق على التعليم سواء فيما يتعلق بالمصادر البشرية أو البنية التحتية.
وسعت الحكومة على جعل الدين العام في حدود يمكن تحملها حيث انخفض من 69 % إلى 54 % من الناتج الوطني المحلي الإجمالي بفضل الاتفاق التاريخي الذي تم توقيعه مع دولة الكويت.
وإن توفير التأمين الصحي لأكثر 600 ألف مواطن (16 % من الموريتانيين) دفعة واحدة لهو إنجاز غير مسبوق يستحق التثمين والإشادة.
كما أن تخصيص 200 مليار أوقية قديمة لبرامج تآزر الاجتماعية هو كذلك انجاز كبير لصالح الفقراء والمهمشين ينضاف له كهربة 167 قرية ومدينة.
وتبرهن العناية الكبيرة التي يوليها هذا النظام للشباب على أنه يستثمر في المستقيل حيث قرر تخصيص 20 مليار أوقية قديمة في الميزانية السنوية لتكوين الشباب وتأطير مهاراتهم مع ضخ 14 مليار أوقية أخرى لتكوين 60 ألف شاب ممن لم يحصلوا على مستوى تعليمي أو تكوين مهني.
والخلاصة هي أن موريتانيا الجديدة المتصالحة مع ذاتها والتي لا غبن فيها ولا تهميش، تسير اليوم بخطى ثابتة وتبني منطلقاتها على أسس صحيحة لأنها تنتظر نتائج كبيرة، كما قال رئيس الجمهورية في كلمته لجاليتنا في مدريد يوم أمس الأول، وحتى مع كونها ماتزال دولة فقيرة فإنها تنهض وتسير في الاتجاه الصحيح.