مبادرة مسعود... هل سبق السيف العذل؟ / الولي ولد سيدي هيبه

لإن كان، و هذه شهادة للأمانة التاريخية و إرضاء الضمير، رئيس الجمعية الوطنية، رئيس حزب التحالف الشعبي و المناضل الحقوقي من الطراز الأول السيد مسعود ولد بولخير، قد تقدم في وقت دقيق يتميز باتساع الهوة بين أحزاب منسقية المعارضة و أحزاب الموالاة، بمبادرة رفيعة المستوى و سامية المقاصد

 و المحتوى، تطبعها جرأة بادية في الطرح و دقة في استشراف المستقبل، فإن آذان الأطراف تكاد تكون بما تظهر من توان عنها في صمم لما لم تصب في مرضاتها و كأن كلا منها يريدها مفصلة على مقٍاسه و مطرزة على مزاجه، الأمر الذي ليست المبادرة فيه بأقل من الطرفين المستهدفين. و تشف هذه صفة الذاتية المشتركة لدى كل الأطراف التي تقع على عاتقها مع كل ذلك مسؤولية الخروج بالبلد من مرحلة التخلف السياسي المزمن الذي ما زال يغط في سباته العميق، إلى مسرح التعاطي المتمدن و الرفيع للعمل السياسي البناء بعيدا عن قيود النرجسية المتجاوزة و الأحادية و الإملائية المنفصمة عن حال الانفتاح المتنور وتبادل الرأي و المشورة المقيدة بالمصلحة العليا للأمة و الحفاظ على حيزها الترابي و استغلال مقدراتها البشرية و المادية بالشكل الأمثل... حالة لا يمكن السكوت عليها لما تسببه من تقاعس عن ركب الأمم في مسار التنمية و ما تكرسه من احتقان لا تحمد عقباه إن لم يتدارك.

و لكن بعيدا عن هذه اللوحة القاتمة و التي هي من صنيع الطبقة السياسية و نتيجة تأخر الوعي المدني لدى المواطنين، فإن مبادرة رئيس الجمعية الوطنية السيد مسعود ولد بلخير، اتسمت على الأقل في مجمل نقاطها و أهدافها المعلنة بخروج صريح على الجمود الحاصل المطبوع باحتقان شديد ما كان له إلا أن فتح بذلك الباب واسعا أمام تيارات جديدة و ممارسات مبتكرة بشأن التعاطي مع المعضلات و القضايا الكبرى التي ظلت على الدوام تنشد بإلحاح حلولا لم تحظ أبدا بحيز من الأداء الجاد المركز لتؤتي أكلها و تسهم في إرساء قواعد الانطلاق إلى رحاب العمل التنموي و إرساء العدالة الاجتماعية، ذلك الشرط الأساس لإدراك أي نجاح.

و قد تفهم انحسارية مبادرة رئيس المعية الوطنية في أوجه دون أخرى من منطلق وضع صاحبها المعقد و المقيد في آن. فالرجل الذي له باع طويل في الميدان الحقوقي، زعيم لحزب سياسي بارز يحظى بوزن معتبر في الساحة السياسية يحتضن بين جنباته تيارات مختلفة، و هو أيضا رئيس الجمعية الوطنية بما تعنيه من التمثيل السياسي المتنوع، كما أن تشكيلته السياسية "التحالف الشعبي من أجل الديمقراطية" التي كانت تدعى ذات يوم "العمل من أجل التغيير" شاركت بقوة في الحوار الوطني، الذي التأم منتصف سبتمبر وحتى منتصف شهر اكتوبر 2012، إلي جانب أحزاب معارضة أخرى منها حزب الوئام بقيادة بيجل ولد هميد و حزب الصواب برئاسة عبد السلام ولد حرمه... وضع مزدوج يحمل من السيئات ما يحمل من الحسنات. فبقدر ما لاقت هذه المبادرة التي انطلقت برحاب قصر المؤتمرات، من التأييد الكبير وضل حد إعلان البعض عن تبنيه إياها إطارا يلبي متطلبات ملحة لضمان الاستقرار في ظل وضع سياسي صعب تطبعه تجاذبات حادة، فإنها كانت في موازاة ذلك موضع انتقاد في الجوهر و في الزمان و رفض و استهجان من أطراف سياسية أخرى و إن اعترفت كلها بقدر صاحب المبادرة و مكانته السياسية و الاجتماعية العالية، معتبرة أن المبادرة في هذه الظروف ضرب من الخروج على المنطق القائم و بلغة تجاوزت عمق الأزمة و خطورتها. 

و مهما يكن حجم التباين حول تقييم المبادرة و مسعاها و حظوظ نجاحها، فإنها قد شكلت دون أدنى شك تحريكا حقيقيا لوضع جامد أشبه ما يكون بسوس التفاحة القابع بداخلها. و هي بوسائلها و لغتها و فلسفتها قد أشارت بكل قوة إلى مكامن خطر التنافر و الجفاء و ضرورة معالجة الوضع القائم بواسطة:

ـ النقاش المستفيض بعيدا عن التعصب حول كل نقاط الخلاف و السعي لإيجاد مناطق تماس و تلاقي،

ـ القدرة على تقديم التنازلات المتبادلة لردم الهوة السحيقة الحاصلة و لإقامة جسور للتبادل الإيجابي سبيلا إلى الحفاظ على البلد و سعيا إلى تجنيبه نتائج الاحتقان و ارتهان الوطن و الأمة في كف و بين أصابع عفريت السياسة المذبذبة.

و لكن ستظل الآمال جد ضعيفة في قيام حوار هادئ ـ يجد فيه كل الفرقاء السياسيين ضالتهم و يقف الوطن شامخا تحت سقفه في أمن و أمان ـ في ظل افتقاد أدبيات و مسلكيات السياسة الواعية و الغياب الملحوظ لثقافة المبادرات و التحركات الكبرى أفقيا و عموديا ـ و التي يعقد عليها الفاعلون السياسيون المحنكون و المخضرمون على العادة دقائق خيوط مساعيهم فينتشلوا الدول من براثين الأزمات و يعيدوا للوجه السياسي نصاعته و قدرته على الحفاظ على توازن الوطن و أمن المواطن.      

 

22. فبراير 2013 - 11:48

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا