رُوي عن جلال الدين الرومي، ت 672ه/1273م قوله: "لاتفقد الأمل أبدا ياقلبي؛ فالمعجزات تسكن في الخفاء"؛ تماما كما تستمد الشعوب قابليتها للتعايش والتطور من ذلك الأمل الذي يسكن في دهاليز السلطة وتحيط به في نظر العامة سرية مطلقة؛ شكلت على مر التاريخ قوة خارقة جعلت الشعوب؛ بحكم منطق اللاوعي؛ تعول على دولها في حلول مشاكلها المستعصية.
من هنا كانت السرية والدهاء ميزتين مهمتين في رجال الدول الذين يستطيعون زرع الأمل في تضاريس اليأس القاحلة.
لقد أحدث لقاء فخامة الرئيس الأخير بجاليتنا في إسبانيا ضجة وتذمراً في أوساط الفئات الأكثر هشاشة؛ فحديثه بصراحة عن الفقر في البلد خلق موجة من اليأس ستضاف حتما لواقع تحدثت تقارير استخباراتية عن قابليته للانفجار؛ نتيجة لارتفاع الأسعار الذي سيزداد حدة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية .
والحق أن التقيد بالبروتوكولات المعهودة يتطلب من فخامته دعوة هؤلاء المواطنين للمساهمة في تطوير موريتانيا؛ كل حسب خبرته. أما أن يكون موضوع اللقاء عن مشاكل هي التي هجرت غالبية أفراد جاليتنا في الخارج؛ فاعتقد أن الأنسب ترك الحديث في مجال هكذا لوزير الخارجية أو للناطق باسم الحكومة.
وهنا لابد من التوقف عند ارتدادات ذات أبعاد ثلاثية لهذا التصريح:
- يتعلق أولها بنظرة المواطن العادي للدولة الموريتانية؛ الذي كان يرى فيها معجزة الخلاص في كل المآزق التي ألمت به؛ نتيجة لتجارب في أزمات سابقة؛ لعل أبرزها جفاف السبعينيات من القرن الماضي؛ حين تدخلت الدولة رغم قلة مواردها؛ لخلق بدائل للأنشطة الرئيسية للساكنة؛ والأمر ذاته ينطبق على بارقة الأمل في العام 1989؛ أوماعُرف تاريخيا بأحداث السنغال؛ عندما قامت الدولة بإحصاء للمتلكات المسفرين لتعويضها لهم؛ ولم تكن هذه الخطوة سوى جرعة من الأمل للتخفيف من وطأة اليأس الذي يعانيه عشرات آلاف التجار الموريتانيين في جارتنا الجنوبية؛ الذين وجدوا أنفسهم فجأة بدون مصدر دخل .
- أما ثانيهما فيحاول البحث في مآلات هذا التصريح الذي اعتبره الرأي العام بمثابة تبرئة وضوء أخضر لبعض الموظفين السامين؛ الذين نهبوا ثروات الدولة وجزء ليس باليسير من مساعدات شركائها في التنمية؛ ومع ذلك فقد شجعهم لقاء مدريد؛ عن حسن نية؛ على الاستمرار في نهجهم الذي يُعد بحسب الكثيرين العامل الرئيسي وراء مظاهر الفقر والتخلف التي تعيشها موريتانيا اليوم.
وهنا يُطرح السؤال الأكثر إلحاحا؛ لماذا لا تتم معالجة الأسباب المتمثلة في الفساد وتبديد المال العام؛ قبل الحديث عن نتائجهما كواقع معاش؟ .
- يبدو البعد الثالث أكثر تعقيداً؛ لكونه يشكل عنصر طرد للشركات الأجنبية التي تبحث عن أسواق خارج بلدانها؛ فبلد يعطي رئيسه أرقاما مخيفة عن التسول فيه؛ لن يكون وجهة مفضلة لرؤوس الأموال الباحثة بطبعها عن الأمل والأمان.
وإذا تتبعنا صدى تصريح رئيسنا في إعلام الدول المجاورة سندرك دون عناء أنه رسم صورة قاتمة عن عجزنا عن استغلال مواردنا الهائلة؛ في رسالة تجاوزت حدود اللباقة؛ لكونها عكست في أحد جوانبها سعيا لم يعد خافيا للوصاية على ثرواتنا الضخمة التي يتم تبديدها بصورة أقرب للعبثية بحسبهم .
صحيح أن فخامة الرئيس كان واقعيا في أسلوبه؛ وصريحا مع مواطنيه؛ وهذه مسألة قل نظيرها في عالمنا اليوم؛ مع أن الواقعية والصراحة في أوقات الأزمات تتطلبان خطوات تدريجية؛ تبدأ بالتقشف فمحاسبة المفسدين؛ ثم تحديد الأهداف؛ حينها سيفهم المواطن العادي وغيره؛ أن الفقر والتخلف ليسا سوى محطات متجاوزة؛ لكن تجاوزها رهين بامتلاك ناصية الأمل الذي يجب أن يكون حاضرا في كل خرجات رئيس الجمهورية؛ التي يجب أن تكون نافذة لآفاق واعدة تعيد الثقة بين الدولة ومواطنيها من جهة؛ ومحيطها الإقليمي من جهة؛ وهو أمر سيتحقق بسهولة حين يدرك مستشارو الرئيس أن الأمل أولولية في كل حكامة رشيدة.