أعتقد أنني فهمت ما قلتموه جيدا.. وما زال في مقدوركم تحقيق المزيد من النجاح..
بعد كامل التحية والقدير..
لا منافحة في أنكم -فخامة رئيس الجمهورية- تدركون جيدا وبعمق، دلالات ومواقع ومدى تأثير كل ما يصدر عنكم من خطابات وألفاظ، فأنتم الخبير المتعلم صاحب الحكمة والخبرة، وليس بمقدورنا نحن -كداعمين معجبين- سوى أن نتفهمه في إطار ما نعلمه ونلمسه فيكم من جدية وإيمان وإرادة في سبيل بناء الوطن والنهوض به.
وفي رأيي سابقا -وما زلت مقتنعا- بما كنتُ قد وصفتكم به في لقائنا، وأنا مصحوب بمسؤولي تجمعات وقرى حاضنتي الاجتماعية، أثناء الحملة الرئاسية الأخيرة، من أنكم تتمثلون بصفات رأس المدينة الفاضلة، كما حددها المفكر العربي العظيم، محمد أبو نصر (الفارابي).
وما زلت إلى الآن مقتنعا، أن باستطاعتكم الخروج ببلادنا من الواقع المرير الذي وصفتموها به أثناء لقائكم بجاليتنا في اسبانيا، إلى الواقع الجميل الذي تحلمون بجعلها فيه، ولأؤكد جانبا من فهمي لما تطرقتم له -فخامة رئيس الجمهورية- أسرد لكم القصة التالية.
(في سنة 2013، كنتُ في أعلى درجة من الحماس، وأنا أستعد للترشح لبلدية النباغية، بل وحتى بعد تنصيبي بفترة، كنت في نفس المستوى من الحماس، كانت رؤيتي واضحة، وهي أن أنقل تلك البلدية الريفية المعزولة، من واقع البؤس والعزلة والجفاف والتصحر والفقر، إلى واقع أفضل، متسلحا في رؤيتي تلك، بمستوى لا بأس به من الأفكار البناءة، والإرادة الجادة، وقوة العزيمة، بالإضافة إلى ما خصني الله به من شفافية واحترام للمال العام، ذلك فضلا عن مطالعتي لمذكرات بعض الزعماء والقادة، ممن حققوا نجاحات كبرى لشعوبهم وأممهم، ومنهم، رئيسنا المؤسس المختار ولد داداه، صدام حسين، لي كوان يو، قائد نهضة سنغافورة، رحمهم الله ، وغيرها من مذكرات الزعماء..
ولبلورة أفكاري وتنفيذها، قمت بفتح مقر عمل، في وسط العاصمة انواكشوط، لأتمكن من التواصل بشكل مباشر مع القطاعات والجهات المعنية بالتنمية، كما قمت بتجهيزه بمختلف الوسائل والحاجيات المطلوبة للعمل، من مكاتب ومقاعد وتجهيزات معلوماتية مختلفة... وغيرها، كما قمت بفتح مكاتب فرعية في مختلف قرى البلدية، كل ذلك على حسابي الخاص، بل وقمت كذلك بعملية تشاور مع كافة الفاعلين والسياسيين في البلدية لإعداد خطة إستراتيجية تحمل كافة النواقص التي نحتاجها للنهوض ببلديتنا تنمويا واقتصاديا، كما قمت بتوزيع طاقمي الاستشاري وجميع ممثلي القرى غير الممثلة في المجلس البلدي -طبقا لاختصاص كل منهم- على لجان مكلفة بمختلف المجالات من تعليم وصحة وتنمية ريفية واستثمار ومكافحة للفقر... وغيرها.
كانت رؤيتي تتمثل في أننا سنمثل جسرا واصلا، بين مواطني البلدية ومسؤولي القطاعات، التي تملك الموارد المالية، فيتحقق التكامل بين الجهتين، ولعل قليلا من الموارد كان يكفي لإنجاز الكثير، فالمنطقة غنية بالتربة الخصبة والمياه الجوفية والثروة الحيوانية، وأهلها على كامل الاستعداد للإنتاج والاستثمار.
كانت مرحلة في غاية الصعوبة، لم أدخر فيها جهدا، ليلا ولا نهارا، وأنا أقوم -صحبة مساعديٌ- بتنظيم وترتيب ووضع الخطط لانطلاقة العمل، ومع نهاية تلك المرحلة، قمت بمكاتبة كافة القطاعات الخدمية التي تعنى بالتنمية في بلادنا.
غير أننا وبعد فترة لا بأس بها من العمل والتحضير، ارتطمنا بجدار واقع، صلب ومرير، تمثل في ما يلي:
انعدام موارد للبلدية، فكل ميزانية البلدية آنذاك وقبل أن تتراجع في سنة موالية إلى النصف وفي أحسن حالاتها وبعد اقتطاع الزوائد من ضرائب وما شابهها، تبلغ -صافيا- أقل من 7 ملايين أوقية (قديمة طبعا) وهي ميزانية سنوية، موزعة بين التسيير والتجهيز، وهو مبلغ لا يمكن لإنسان مهما بلغ من الشفافية والترشيد، أن يحقق به نهضة في قرية واحدة أحرى في بلدية تترامى فيها 25 قرية، موزعة على مساحة تفوق 600 كلم2
رفض جميع مسؤولي القطاعات الخدمية في بلادنا للتعاون مع البلديات، بشكل مباشر، ولعل ذلك يعود إلى الصراع الدائر حول تحويل الصلاحيات بين البلديات والقطاعات المركزية، ولا يفوتني هنا أن أتقدم بالشكر الجزيل لشخصين من كافة أطر بلادنا تجاوبا مع بعض مطالبنا في تلك المرحلة، وهما –حمدي ولد المحجوب مدير وكالة التضامن آنذاك، ومحمد محمود ولد جعفر مدير شركة إسكان، فقد وافقا على بناء منشأتين إحداهما تعليمية والأخرى صحية، كان الخط الشرقي للبلدية في أمس الحاجة لهما تمثلا، في (إعدادية ونقطة صحية)
الرفض -شبه المطلق- من طرف البعض من أبناء البلدية للعمل التطوعي، بما في ذلك المستشارين البلديين، وذلك تحت طائلة إكراهات الحياة، التي تمنع الإنسان أن يهدر وقته في جهد لا تعود منه مردودية إليه.
رفض السلطة -آنذاك- تسهيل آلية البحث عن التمويلات الخارجية ومحاصرة البلديات، فقد خططت رفقة أثنين من نوابي للمشاركة في عدة تظاهرات دولية لهيئات مماثلة –نأمل من ورائها الحصول على شراكات أو فائدة للمجتمع والبلدية- ولم نوفق للمشاركة فيها، أحيانا بسبب تأخر إصدار الجوازات، وأحيانا بسبب عوامل أخرى.
مع انتصاف مأموريتي تلك، انتابني شعور شديد بالإحباط واليأس، وصار كل تفكيري منحصرا في آلية الخروج من هذا المأزق، دون أن تتأثر مصداقيتي بين جماعتي ومناصري، فعمدت إلى شرح الواقع والوضعية للساكنة وللمهتمين، الذين كانوا يشاركونني الشعور والإحساس في مختلف المراحل من بدايتها التفاؤلية إلى نهايتها مع اليأس والإحباط) انتهى الاستشهاد.
والآن وبعد انتصاف مأموريتكم -فخامة رئيس الجمهورية- فإنكم تقدمون الرؤية الحقيقة للواقع الذي عليه الدولة والمجتمع، وأنتم تبحثون عن آلية جادة لتغييره نحو الأفضل.
ولأن الدولة مختلفة –ربما- عن بلدية معزولة محدودة الموارد والإمكانيات، ولإداركي أن رؤيتكم الثاقبة، تفوق رؤيتي المتواضعة، وأنكم لا تقولون مثل ذلك الرأي، بدافع الإحباط واليأس كما وقع معي، فإنني أتقدم إليكم ببعض الملاحظات، المتمخضة عن قراءتي ومتابعتي لمختلف مراحل انتصاف مأموريتكم الميمونة، آملا أن تساعد في ما تقومون به من جهد في سبيل تحقيق الهدف الذي تسعون إليه:
دعوة المجتمع، خاصة الشباب والمرأة إلى التخلي عن ظواهر الخمول والاتكالية والترفع عن العمل، والمشاركة بشكل جاد في مجهود البناء الوطني.
دعوة المجتمع ككل وخاصة الرجل، إلى فرض تغيير العقليات والتخلي عن ظاهرتي التبذير والفساد، التين تنخران ضمن عوامل أخرى، في جسم اقتصاد البلد وثرواته الوطنية.
رفع كتلة الأجور من رواتب ومعاشات، على حساب التسيير والاستثمار، باعتبارها الضمان الوحيد لوقف الفساد والرشوة، والمُساعد الأوحد على اكتمال الدورة الاقتصادية.
الرفع الفعلي لرواتب ومعاشات المنشغلين بالعملية التربوية لضمان إصلاح الأجيال المقبلة.
دعوة رجال الأعمال الوطنيين والأجانب إلى الاستثمار في الإعمار، خاصة في المدن الكبرى، وإيقاف ظاهرة التمدد الأفقي للمدن من خلال بناء العمائر والتجمعات السكنية، مع وضع حد للتقري العشوائي في الأرياف.
مناشدة ومطالبة رجال الأعمال الوطنيين باعتماد معيار الجودة لكافة الواردات، بما يضمن ترشيد الثروة الوطنية، مع تحديد آليات عقابية لمخالفة ذلك.
التركيز على دعم الصناعة والزراعة والسياحة، باعتبارها العوامل الأهم في خلق فرص العمل واستجلاب الاستثمار.
تكليف النخبة الثقافية والسياسية، بالانصهار في هَبّة وطنية من أجل التحسيس بمواقع الخلل وانصهار الجميع في العمل برفع مستوى الواقع في البلاد.
فتح باب التشاور مع كافة أصحاب التجارب والخبرة وأخذ الآراء المفيدة في تغيير الواقع.
الإيمان بأنه إذا كان هنالك من بين معاونيكم من لا يمتلكون أفكارا وإرادة للإسهام في عملية البناء التي تحلمون بها، فهناك غيرهم ممن يقاسمونكم نفس الأفكار وباستطاعتهم مساعدتكم فيما ترغبون في تحقيقه.
فخامة رئيس الجمهورية،
إن تجرئي على كتابة هذه السطور –مع كامل الاعتذار- يأتي بدافع إيماني برغبتكم في الانتقال بشعبنا من واقعه المرير إلى واقع أفضل، وكما استطاع أخرون النهوض بأممهم تستطيعون أنتم النهوض بأمتكم، وفقكم الله وسدد خطاكم، وجعل النجاح طريقكم.
مع كامل الود: عبد الباقي ولد محمد