جميل أن نقرأ لرموز السياسة، والثقافة في بلادنا، تلك المشاركات التي إن دلت على شيء، فهو السعي الحثيث لتلك الرموز المحترمة بهذه الانعطافة المقدرة لهم في طرق مجالات التفاعل الإيجابي الناشئ على صفحات المواقع الافتراضية التي ساعدت، وتساعد بدورها على تفعيل الاحتكاك الثقافي خلال التواصل ـ أخذا، وردا ـ بين الاجيال، لأن التراكم المعرفي، هو الذي ينتج نهضة فكرية مأمولة في بلادنا،، وعساهم أن يؤطروا الفكر السياسي، ويوجهوه بتيارت الحركة الفكرية، والمؤمل، أن يؤثروا ايجابيا على أداء النظام السياسي، اسهاما في تنوير الوعي لدى جمهور أحزاب الحراك الاجتماعي، و توجيه الرأي العام، وميول الأفراد في سبيل تنمية الوعي بالحقوق المدنية، والسياسية، وتحسين الأداء السياسي لنظام الحكم بقيادته المتنورة..
إن المؤشرات على الحضور الثقافي تجاوزت جدران المؤسسات الثقافية، لتعبر من فوق اسوارها بتلك الكتابات النيرة فى المواقع الافتراضية، وذلك بدافع التفاعل مع الاحداث الوطنية، والعربية، والافريقية، والعالمية،، ومن الامثلة الأخيرة على هذا التجاوب في تلك القراءات المختلفة لخطاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الأخير في اسبانيا عن موضوع " الفقر العام، ومظاهره"..
وهناك من يبرر المصارحة، كقيمة مميزة للقيادة السياسية، واخلاقيتها، وصراحتها المطلوبة منها، غير أن من الكتاب من وظف الخطاب، ليوجه سهامه الى صدر النظام، ومطالبته بالعمل على تجاوز هذه الأوضاع الاجتماعية الشائنة، وكأنها نتاج العمل السياسي الراهن، في حين أن البعض ارجع الظاهرة ـ الفقر العام ـ الى التسيير السياسي منذ اكثر من ستين عاما منذ نشأة النظام السياسي بولادة قيصرية، وإن اسعفت المولود، غير أن افتقاده لعناصر البيئة الداخلية، الوعي الاجتماعي عام، اكسبت المولود/ النظام السياسي، هذا الضعف المنعكس على مظاهر الحياة العامة، وأثرت كثيرا حتى تجاوز مرحلة الشباب، ودخل في مرحلة الشيخوخة ما بعد الستين عاما..
وهناك الذباب الالكتروني مجازيا، وهو المدافع عن النظام السياسي، وقيادته، وكتابه يمثلون في تقديرهم " الفرقة الناجية "، أو الفئة الواعية للحظة التاريخية التي يستعيدونها من حين لآخر خلال مشايعتهم لكل الانظمة السابقة ، كما هو حالهم ـ مشكوين ـ مع النظام الحالي المتميز عن غيره الى حد الآن، بينما يراهم الرأي العام، كأصحاب وعي انغلاقي، قطعي" دوغمائي"، ولعل من ضمنهم في المواقع الافتراضية، بعضا من زملائنا، ذوي الاقلام السيالة بالنصائح الوعظية، ولم يكونوا من فئة المعلقين فحسب، كما في المواقع الافتراضية العربية العامة الأخرى، ك " رأي اليوم"،، ومن الانصاف ان نشخص مواقفهم في الكتابات الدعائية على أساس أنهم ينظرون الى الاحداث، والظواهر من" المخرزة" الضيقة، أكثر مما حاولوا أن يفقأوا عيون المواطنين بالوعي الاستباقي المناهض لوعي الرأي العام الذي تتراءى له المشاهد المفجعة في حياته اليومية..
وقد بلغ التفاعل شأوه في الكتابات المثاقفة التي يميل أصحابها الى إحالة القراء الى الظواهر في الفكر السياسي، ومن ذلك المقال الرائع للشاعر، والكاتب، والأديب، والمستشار الرئاسي السابق الخليل النحوي في مقال بعنوان " نحو قراءة هادئة في تصريحات الرئيس"، وهو منشور في موقع " اقلام حرة" بتاريخ الإثنين 21/03/ 2022م.
وكانت قراءته لخطاب الرئيس محمد ولد الشيخ غزواني، متميزة نظرا لتفسيره لظاهر الخطاب بناء على المناسبة، وهي تذكير الجالية المهاجرة بالواقع في بلادهم، وهو ما اقتضى عرض المشاهد التي لا تغيب عن المراقب في شوارع مدننا،، والتأويل كان منصفا، ولا غرو، فالكاتب له باع واسع في مخاطبة الرؤساء، ومجالستهم خلال عمله في فترات مكنته من تقديم رسالته للرؤساء أكثر من غيره من الكتاب الذين انفعل بعضهم من الخطاب الرئاسي خارج البلاد مما اعتبروه تعريضا، اكثر منه توصيفا واقعيا، وقد شكل " كي الوعي" لهذه الفئة اكثر من الرأي الوطني الموريتاني..
فما هو مضمون المقال ـ الرسالة ـ الرائع الذي ارسله الشيخ الخليل النحوي إلى الرئيس غزواني؟
هناك ملحوقات، كالتي أشير إليها ضمنيا، وإن بلغة صريحة، كدوره ـ الكاتب ـ في مجال الاستشارة الرئاسية الناجحة، لأن الاستشارة النصوحة، تقي من الأخطاء التي أشير اليها بلغة ايحائية، ولو لم تكن في خطاب الرئيس الذي دافع عنه الكاتب، لما عرض الاستشارة غير المبررة موضوعيا،، وسند الاستشارة تاريخيا، كونها مرجعية موصى بها في الفكر السياسي الاسلامي في كتابات " الماوردي"( 364/464 هجرية)، وما أدراكم ما هو، ودور استشارته في تثبيت الخليفة العباسي " القادر بالله" (381/ 422 هجرية)، وابنه الضعيف "القائم بأمر الله" (422/467 هجرية) اثناء الصراعات السياسية في آخر عهد الدولة العباسية.. والسؤال القياسي، هو ما هي أوجه الشبه بين الرئيس ولد غزواني، كرئيس منتخب لنظام حكم فصل السلطات الثلاث، وبين الخليفة العباسي، وابنه اللذين استعانا بالفقيه السياسي "الماوري"، كقدوة نموذجية للشيخ الخليل النحوي في إعانة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؟!
أما السؤال الاستيضاحي، هو: هل المشاكل التي عانى منها نظام حكم العباسيين في مجتمع "مركب" من ثلاث أمم متصارعة، يصح إسقاط تلك الظروف الاستثنائية على المشاكل التي في مجتمعنا "البسيط " الذي يعاني نسبيا من سوء التسيير، ومحدودية الموارد الاقتصادية ؟
أما المقاربة الثانية للاستشارة المطلوبة للرئيس، هي تلك التي لعبت دورا في تخيير المرحوم سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بين الاخلاق، والسياسة، واختار الاخلاق رحمه الله، كما كتب عنه الشيخ الخليل النحوي في المقال باعتباره مستشاره حينها، لكن السؤال الذي يطرح موضوعيا، هو:
من خير المرحوم بين الاخلاق، والسياسة؟ وهل كان له دور في تسريح بعض الموظفين من الوظيفة العمومية في وزارة الشؤون الاسلامية وغيرها، أو تفرد بهذا السياسة الخرقاء، من اختاروا السياسة، وتركوا الاخلاق للرئيس رحمه الله؟
إن قراءة التجارب السياسية في التاريخ، لا تنطلق ضرورة من مفهوم " الناقمين على" ـ كما جاء في مقال الشيخ الخليل النحوي ـ الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمه تعالى الذي ارتحل الى دار الحق، وواجب كل مسلم في حقه هو الدعوة له بالرحمة والغفران، لوجوب الامساك عن اخطاء الميت، إن كانت له اخطاء، بينما يجوز الحديث العام عن الحكم السياسي، ومسيريه الآخرين من جهة الاعتداء على قيادة الجيش بتسريحها بقرار خارج أوقات العمل، وبدون مبرر قانوني، يضفي على القرار شرعية اخلاقية، وحقوقا عامة، ومحاولة اسكات البرلمانيين بالرشى، والنكث بالوعود الانتخابية لقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، والاعتداء على المال العام بفتح صندوق مالي للسيدة الأولى..
وفي تقدير الكثير من الكتاب، والسياسيين غير الاستشاريين الذين يبحثون عن السدانة السياسية في محاريب القصر الرمادي،، أن الأخلاق علاقتها بالسياسة، مدغومة، بمعنى مشرعنة في الالتزامات القانونية، لحقوق المواطنين المدنية، والسياسية، وذلك لإحقاق العدالة الاجتماعية، والاستقلال السياسي، والتعبير عن السيادة الوطنية، وتجسيدها عمليا..
وفي إطار تتبع الاستشارة المطلوبة، فإن الاستشهاد بالأثر التالي: " إن الله يزع بالسلطان، ما لايزع بالقرآن"، هو دعوة صريحة الى العنف السياسي، وتكميم الأفواه، تحت ذريعة أن الوازع الديني ناقص لدى افراد المجتمع، والا كانوا استرشدوا بالقرآن الكريم لما فيه من موعظة حسنة، وأوامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا كان المطلوب في " الأثر" من السلطان حمل الناس على اتباع الشرع، وليس حملهم على قبول سياسة دنيوية مكانها في الشرع العام الأخذ منها، والرد فيها..!
إن حراكنا الاجتماعي السياسي في القرن الواحد والعشرين، والإجماع العام في التشريع السياسي، سمح بالاختلاف في الرأي حول المشاكل المثارة في الشأن العام،، واسقاط "الأثر" ولم يكن حديثا نبويا، وهو الذي ارجعه الباحثون إلى عهد "عثمان بن عفان" رضي الله عنه (35/ 47 هجرية)، وهو الخليفة المتسامح، ثم الاستشهاد بهذا الاأثر في هذه المناسبة، يعد اخراجا له عن سياقه التاريخي، والمقاصد الشرعية..
ونتمنى على الجميع ساسة، وعلماء دين، وقادة في تربية القلوب،،عدم اسقاط النصوص الدينية بهذه الرؤية ذات الفهم الأحادي.
فهلا فتحنا ابوابا أكثر للحوار الأخوي، والنقاش الحر لما فيهما من خير عميم، وأثر ثقافي حميد؟