تضمن خطاب رئيس الجمهورية يوم أمس الكثير من الصراحة والمكاشفة، ولعلي ألفت إلى أن من المضامين العديدة والمهمة التي تضمنها هذا الخطاب تلك العبارات التي أكدت على ضرورة تقريب الإدارة من المواطن ، فهل هي بعيدة عنه فعلا وما هي مظاهر هذا البعد وأسبابه ؟ ،
لا يمكن الحديث عن بعد الإدارة من المواطن الا اذا كانت تتعالى عليه فتوصد أبوابها في وجهه او تتقاعس عن القيام بمصالحه نحوها او تتباطأ في ذلك ، او كانت تلزمه بدفع مقابل غير مشروع للخدمات التي تقدمها له ، سواء كان ذلك في شكل رشوة مقابل الخدمة او وساطة للحصول عليها ، او كانت اي هذه الإدارة تخاطبه بلغة لا يفهمها ، كما هو حاصل في الكثيرة من المرافق العامة ، بما فيها مرافق الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء وغيرها.
ولا شك أن الكثير من هذه المظاهر معاش في واقعنا اليومي ، بل إنه من المؤكد أن السبب الأول في تخلفنا وتردي واقعنا في مختلف مناحي الحياة هو عجز الإدارة عن الاطلاع بدورها التنموي وغياب روح المواطنة وضعف القدرة على الأداء الجيد ونقص الخبرة والكفاءة في معظم منتسبيها .
ولعل من الأسباب المباشرة التي ادت إلى هذا الوضع المزري في واقع الإدارة الوطنية هو ما يلي :
- القطيعة القسرية التي حصلت بين الاجيال الادارية بعد الخضوع المهين لوصفات مؤسسات النقد الدولية ، في مجال منع استمرار رفد الإدارة العامة بالكوادر المدربة .
- حيث كان البديل ولعقود هو تسلل أصحاب الوساطات والمحسوبيات إلى اروغة هذه الإدارة دون حصولهم على المعارف اللازمة لأداء العمل ، وكانت النتيجة هي تراكم اعداد هائلة من هؤلاء مشكلين عبء ثقيلا على الموارد وعائقا قويا في وجه اي انجاز.
- تدجين الإدارة وجعلها اداة سياسية بيد الأنظمة المتعاقبة ، وملاذا دافئا لمختلف صور الممارسات الزبونية السياسية، إذ المهم في تقلد المناصب الادارية العليا هو الولاء السياسي ولا مكان لاصحاب الكفاءات ، لهذا تجد إلى اليوم العديد من المدراء والمسؤولين في مناصب إدارية لا يفقهون شيئا في كنهها ولا علاقة لهم بمجالاتها ، فهل يمكن أن ننتظر من هؤلاء وهم الاغلبية أداء جيدا لصالح التنمية والمواطن .
أن نتيجة هذا الواقع المتردي هو ما دفع برئيس الجمهورية في خطابه يوم أمس إلى التأكيد على امر خطير وهو غياب الثقة لدى المواطنين في هذه الإدارة ولجوئه بشكل لافت إلى الرئاسة في رفع مظالمه وتظلماته ، وهي عادة درج عليها الكثيرون خلال العقد الماضي، وكلنا نذكر تلك المجاميع اليومية امام القصر الرئاسي من أصحاب هذه المطالب ، بل ان الامر وصل حد تندر البعض على بعض مستشاري الرئيس حينها بوصفه " بمستشار الصدراية" في إشارة إلى تكليف احد مستشاري الرئيس وقتها بملف أصحاب المظالم .