تقديم:
على غرار بقية دول العالم وجدت موريتانيا نفسها أمام تحدي أزمة كورونا وما ستخلفه من خسائر بشرية واقتصادية واجتماعية يصعب في الوقت الحالي التنبؤ بحجمها. لن يكون الجانب الصحي محل تركيز في هذه الورقة فالسلطات العمومية وأهل الاختصاص يعملون بجد على هذا الصعيد لتأمين البلاد من مخاطر الانتشار الأفقي لفيروس كورونا وسنركز بالتالي على الجانبين الاقتصادي والمالي.
اختلفت ردود دول العالم في مواجهة الأثار الاقتصادية لهذا الوباء وما أدى إليه من شلل لقطاعات مفصلية في الدورة الاقتصادية العالمية.
عبأت الولايات المتحدة الأمريكية غلافا ضخما من ألفي مليار دولار ضمن برنامج فيدرالي لإنقاذ اقتصادها وذلك بعد قيام الاحتياطي الفيدرالي بتخفيضات تاريخية لمعدل الفائدة بمائة وخمسين نقطة أساس في ظرف أسبوعين.
في أوربا – البؤرة الجديدة لفيروس كورونا بعد تمكن الصين من احتوائه – أعلنت رئيسة البنك المركزي الأوربي كريستين لاغارد عن قرار البنك ضخ 750 مليار دولار في عملية شراء واسعة لسندات الديون العمومية والخصوصية كرد أولي لتجنب انهيار الثقة في المصارف الأوربية والمنذر بانهيار المنظومة المالية وما لذلك من تداعيات كارثية على الاقتصادات الأوربية.
الرد الموريتاني لمواجهة الأزمة:
أعلنت الدولة الموريتانية على لسان رئيس الجمهورية في خطابه ليوم 25 مارس 2020 عن حزمة قرارات وآليات لمواجهة آثار الأزمة خاصة على مستوى أضلاع المثلث الحساس (الضلع الصحي، الضلع الاجتماعي والضلع الاقتصادي) وهكذا تم إنشاء صندوق خاص للتضامن الاجتماعي ومكافحة فيروس كورونا عبأت الدولة فيه 70 مليون دولار كمنحة أولية مع فتح الباب لتبرعات الخواص ولمساهمات المانحين الدوليين وسيتم تمويل اقتناء الحاجيات من الأدوية والمعدات والتجهيزات الطبية العاجلة في علاقة بتطور الوضع الصحي لأزمة كورونا وهو وضع لا يستبعد بلوغه لمراحل متعقدة إضافة لتقديم إعانات مالية ل 30 ألف أسرة فقيرة والإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية علي السلع الأساسية وقد جاءت هذه القرارات تعضد ما قيم به حديثا من إنشاء للمندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الاقصاء بموازنة إجمالية تقدر ب 550 مليون دولار للسنوات الخمس القادمة كما قام البنك المركزي الموريتاني يوم 25 مارس 2020 بالإعلان عن سلسلة إجراءات لتوفير السيولة للمصارف قصد تجنب تعثر المنظومة المصرفية خلال هذه الأوضاع المضطربة وما قد ينتج عن ذلك من تبعات وخيمة على الدورة الاقتصادية وهكذا قام بتخفيض معدل الفائدة المديرية بمائة وخمسين نقطة أساس لتستقر عند 5 بالمائة بدل 6.5 بالمائة وتخفيض نسبة الاحتياط الاجباري للبنوك الوسيطة لدى البنك المركزي من 7 بالمائة إلى 5 بالمائة إضافة إلى تجميد العمل بالتغطية الإلزامية للاعتمادات المستندية لتوريد السلع الأساسية وعموما وبالنظر لخصوصية الوضع الاقتصادي والاجتماعي في موريتانيا فقد جاءت المقاربة موفقة في هذه المرحلة (الأولية) لتركيزها على حماية القدرة الشرائية لمن هم أكثر هشاشة. إن موريتانيا –شأنها شأن غيرها من بلدان العالم النامي-تقف اليوم في مواجهة تحدي غير مسبوق ولن يكون من الحكمة التقليل من شأن آثاره المحتملة على الدولة والمجتمع وهو ما قد يستوجب صياغة وبلورة خطة طوارئ متعددة القطاعات سنستعرض مقترحات بأهم بنودها في الفقرة الموالية.
مقترح خطة الطوارئ متعددة القطاعات في موريتانيا:
تعكف لجان حكومية موريتانية منذ أكثر من أسبوعين على متابعة وتسيير مختلف ملفات الأزمة الناشئة عن طرق فيروس كورونا أبواب البلاد وقد تمكنت السلطات العمومية لحد الآن من تأمين استجابة على مستوى التحدي في الجانب الوقائي لكن الواقعية تفرض تصور حلول ومقاربات استباقية مبنية على احتمال تطور الأمور نحو الأسوأ وهو احتمال تحقق حديثا في بلدان لم تكن تعوزها الإمكانات لا على مستوى منظوماتها الصحية المتطورة قبل أن تعصف بها كورونا ولا على مستوى صلابة أسسها الاقتصادية والمالية والصناعية. ومن هذا المنظور تقترح هذه الورقة إعلان خطة طوارئ متعددة القطاعات، نقطة البداية فيها ينبغي أن تكون جردا شاملا للمخزونات من الأغذية والسلع الأساسية ووضع الدولة يدها عليها لمجابهة الاحتكار وذلك بإحكام ومتابعة الكميات الخارجة وتعزيز وضبط الرقابة الجمركية على الحدود لمنع تهريب غير مسؤول قد يجد فيه البعض فرصة للتربح.
نستعرض تفاصيل الخطة كما يلي:
خطة طوارئ قطاع الزراعة:
إن احتمال تعقد الأزمة في بلادنا وفي الجوار وطول فترتها الزمنية يجعل التفكير في حملات زراعية وجهود استثنائية موجهة لزراعة الخضروات لسد الحاجات الكبيرة الناتجة عن توقف أو اضطراب التموين من الجار الشمالي ضرورة قصوى. لا ينبغي أن نخسر الوقت فجهد كهذا ينبغي أن ينطلق ومنذ الآن وطبعا يتم التركيز على الضفة دون إهمال الإمكانيات في انواكشوط وفي بقية المدن ولكن بالانتباه لجانب الحكامة لتسيير هذه الخطة. من المهم أيضا إعادة الدعم لزراعة الأرز وتفعيل الدعم لزراعة القمح فالقادم لا يمكن التنبؤ بمآلاته وبالتالي سيكون من الحيطة إعطاء الأولوية لمسالك الاكتفاء الذاتي.
إن الأمر هنا يتعلق باستباق الاضطرابات الجسيمة التي قد تطال السوق العالمي وانسيابية التموين وما قد يلحقه ذلك من أضرار على سلسلة التموين.
خطة طوارئ قطاع الصيد البحري:
يهدف مقترح خطة الطوارئ على مستوى قطاع الصيد البحري إلى حظر تصدير الأسماك السطحية على الأقل لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد بحسب تطور الوضعية وحظر استخدامها في صناعة إنتاج دقيق السمك ولا معنى هنا لتحجج بعض الشركاء بالاتفاقيات التي أبرمت معهم فالظرف استثنائي بكل المقاسات والتعويض لهؤلاء يمكن أن يتم حال عودة الأمور لنصابها وذلك بتمديد مدة الاتفاقيات لفترة تساوي فترة الحظر هذا مع العمل على عدم توقف وسائل الصيد وذلك بقرار من الدولة بتسخير الوسائل العاملة حاليا بالقطاع سواءا كانت مملوكة لأجانب أو لخصوصيين موريتانيين ويسمح لها القانون بذلك فالظرف طارئ بكل المقاسات.
خطة طوارئ للكهرباء:
لا بد من استباق الاختلالات في ضمان الخدمة الكهربائية. كلفة التزود بالوقود لإنتاج الكهرباء مرشحة للارتفاع ومنشآت الشركة الموريتانية للكهرباء كما خدماتها لم تكن في أفضل حال، أيضا وضعها المالي يطبعه عدم التوازن. أمام هذا الوضع فلا مناص من الإسراع بتحمل الدولة كلفة الاستثمارات العاجلة لتوفير الخدمة والتركيز على جاهزية وسائل إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة (الشمس والرياح) وحصر حاجيات منصات الإنتاج هذه واقتنائها دون تأخير. ينبغي أن يرافق هذا الجهد تعليق لإجراء قطع الخدمة بسبب عدم سداد الفواتير وذلك لفترة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد.
خطة طوارئ للمالية العامة:
من الطبيعي أن تتلقى المالية العامة الحظ الأوفر من الضغوط الناتجة عن وضع غير مسبوق تعيشه البلاد ومفتوح على احتمالات قد لا تخلو من تعقيدات جسيمة وانطلاقا من هذا السياق فلم يعد مناسبا البتة الحديث عن تحقيق فائض في الموازنة نهاية هذه السنة بنسبة 1.1 % من الناتج الداخلي الخام لأن فرضية معدل نمو الناتج الداخلي الخام ب 6.3 % غدت في مهب الرياح، نعم سيكون النمو نهاية هذا العام سالبا أو صفريا في أحسن الحالات. هنا ينتظر من السلطات العمومية أن تكون على مستوى التحدي إذ يقتضي تنفيذ خطط الطوارئ الفرعية أعلاه إعادة النظر جذريا في تبويب نفقات الميزانية بخلق فضاءات ميزانوية للتكفل بالنفقات الطارئة وذلك بتعطيل موازنة الاستثمار إلا في المشاريع الخدمية الحساسة ووقف كل أوجه نفقات التسيير باستثناء:
• نفقات الصحة التي ينتظر أن يتم تدعيمها
• نفقات الرواتب للموظفين العموميين
• نفقات الإعانات والدعم لبعض المؤسسات العمومية المسدية للخدمات
• نفقات الكلفة الطارئة للتعبئة في صفوف الطواقم الصحية والأسلاك الأمنية والعسكرية.
• النفقات الاستثنائية لاقتناء التجهيزات الطبية والواردات من السلع والمستلزمات الأساسية.
سيكون من المهم جدا تسريع الآليات التشريعية بالتنسيق ما بين الحكومة والبرلمان لتمرير هذه التعديلات على قانون المالية فالأسس التي بنيت عليها توقعات القانون الأصلي تتعرض حاليا لهزات عميقة.
من جهة أخرى فمن الواقعية أن تعمل موريتانيا ضمن حزامها الساحلي في مجموعة الخمس على طرح مبادرة عاجلة لحشد التمويلات الضرورية لتنشيط الدورة الاقتصادية ببلدان الساحل وتهيئة عودتها للإنتاج وتخفيف العبء على موازنات الدول الخمس وتعليق سداد أقساط المديونية ولم لا الاستفادة من محو جزئي للديون المستحقة للبنك الدولي وللدول المصنعة.
خلاصة:
بقدر ما تبعث الإجراءات الحكومية المتخذة لاحتواء آثار أزمة كورونا على الثقة والتفاؤل بقدر ما يتوجب توخي أقصى درجات اليقظة والاستعداد لقادم قد لا تكون إمكانيات البلد قادرة على مواجهته. سيحدد مسار تطور أزمة كورونا نجاعة آليات التصدي الدولية وهي آليات لم ترتقي لحد الساعة لمستوى التحدي ومن المهم لموريتانيا قيادة جهود حشد التمويلات لدول الساحل توازيا مع مقاربتها الوطنية لمحاصرة آثار الأزمة على الاقتصاد والمجتمع.
حفظ الله موريتانيا من كل مكروه