السؤال الأول: هل موريتانيا بحاجة لبرلمان من 157 نائبا وما يعنيه ذلك من فاتورة باهظة على ميزانية البلد؟
للعلم فإن متوسط التمثيل النيابي في بلدان تفوقنا موارد وأعرق منا في التجربة الديمقراطية هو كما يلي:
السينغال: نائب عن كل 97 ألف مواطن
كوت ديفوار: نائب عن كل 102 ألف مواطن
المغرب: نائب عن كل 91 ألف مواطن
الجزائر : نائب عن كل 105 ألف مواطن
تونس: نائب عن كل 55 ألف مواطن
فرنسا؛ نائب عن كل 114 ألف مواطن
مصر: نائب عن كل 167 ألف مواطن
موريتانيا: نائب عن كل 26 ألف مواطن (أي هدر!!!!)
السوال الثاني: ألم يحن الوقت لدسترة شروط الترشح للبرلمان (المستوى التعليمي، الخلو من سوابق فساد، الولاء للوطن وللوطن وحده) فلا يعقل أن تكون هناك أصوات لاغية في بعض الاقتراعات التي حصلت داخل مؤسسة البرلمان ما يعني أن أصحابها لا يقرؤون ولا يكتبون ومع هذا عهد إليهم الشعب بدور تشريعي ورقابي وائتمنهم عليه؟ كما لا يعقل أن أكثر من ثلثي البرلمان الحالي طالبوا بمأمورية ثالثة أي أنهم خانوا الأمانة بالمطالبة بالدوس على الدستور وأيضا لا يعقل أن يكون بعض النواب صوتوا على اتفاقيات وبعد ذلك أصبحوا أعضاء في لجنة تحقيق برلمانية للتحقيق حول نفس الملفات (المثل الحساني الشهير : يصرگ امع الصراگ وايگص امع الگصاصه).
السؤال الثالث: هل نحن ملزمون بمواصلة اعتماد المقاطعة كدائرة انتخابية بالنسبة للانتخابات التشريعية ولماذا لا نفكر في اعتماد الولاية دائرة انتخابية لهذه الانتخابات ؟ وهو ما سيوجه ضربة قاسية لسطوة القبيلة وسيادة منطق التوازنات القبلية.
القبيلة والدولة نقيضان.
عن الحكامة:
تصرف موريتانيا 2% من موارد ميزانيتها للإنفاق على هيئات الحكامة إنها نسبة عالية تصل مخصصاتها في ميزانية 2021 إلى 14 مليار أوقية. الأمر يتعلق هنا بصنفين من هيئات الحكامة وهما هيئات الحكامة الإدارية والاقتصادية والمالية وهيئات الحكامة السياسية والمؤسسية. سأتناول فقط في هذه التدوينة واقع هيئات الحكامة الإدارية والاقتصادية والمالية والتي تشمل على سبيل الذكر لا الحصر محكمة الحسابات والمفتشية العامة للدولة والمفتشية العامة للمالية والمفتشيات الوزارية والرقابة المالية وسلطة تنظيم الصفقات ولجنة رقابة الصفقات ولجان الصفقات ولجنة الشفافية المالية وإدارة الوصاية على المؤسسات العمومية على أن أخصص التدوينة القادمة لهيئات الحكامة السياسية والمؤسسية.
السؤال الأول: هل موريتانيا بحاجة لحوالي ثمانين هيئة رقابة وتفتيش إداري ومالي على النفقات العمومية بما فيها الصفقات وما يعنيه ذلك من فاتورة باهظة على ميزانية البلد ( 4 مليار أوقية سنويا دون احتساب المفتشيات بالأسلاك الأمنية والعسكرية)؟ وهل هذا العدد الهائل من المؤسسات ينعكس بأثر إيجابي على حالة تنفيذ الميزانيات في بلادنا ؟ وكيف نواصل التفرج وعدم الاستفادة من مزايا الرقمنة وثورة الاتصالات في الرقابة ؟
إن مما يثير الاستغراب في موريتانيا هو مآل بعض محاولات الإصلاح، على ندرتها، ففي يناير 2008 كنتُ عضوا ممثلا لإحدى هيئات الرقابة في لجنة تم تنصيبها برئاسة الجمهورية من طرف الوزير الأول وقتها الزين ولد زيدان والوزير الأمين العام للرئاسة يحي ولد الوقف عُهد إليها بتقديم تصور لعقلنة أداء وتنظيم هيئات الرقابة بالبلد وكانت بعضوية وزير الاقتصاد والمالية وقتها عبدالرحمن ولد حم فزاز ووزير الوظيفة العمومية وعصرنة الإدارة عزيز ولد الداهي ورئيس محكمة الحسابات صو آدما صمبا والمستشار بالرئاسة سيدي ولد التاه وبعد سلسلة اجتماعات أسبوعية ولمدة شهر ونصف وعدة أوراق بحثية توقف العمل فجأة وبعد ذلك بشهرين غادرتُ الإدارة العمومية وبعد ذلك بقليل غادر الوزير الأول الزين منصبه وخلفه الوزير الأمين العام للرئاسة يحي وغادر بعد ذلك وزير الاقتصاد والمالية ولد حم فزاز منصبه وخلفه المستشار ولد التاه ثم، ثم ماذا؟ غادر الرئيس ولد الشيخ عبدالله رحمة الله عليه منصبه وخلفه بانقلاب قائد كتيبة حراسته..... تغيرت الأولويات فتم تجميد محكمة الحسابات فعليا وتم تغيير نصوص المفتشية العامة للدولة بإلغاء تحديد أعضائها بعشرة مفتشين لتصبح منتجعا للتعيينات السياسية والزبونية وأداة لتصفية الحسابات وغيّرت المفتشية العامة للمالية من وضعيتها في النوم وطال ليل إدارة الوصاية على المؤسسات العمومية واستحدثت لجان وزارية للصفقات باسم إصلاح لمنظومة الصفقات العمومية ظهر فيما بعد أنه لم يكن سوى إحدى رقصات الفساد والرشوة.
السؤال الثاني: أليس من مصلحة البلاد تفعيل هيئات الرقابة بإصلاح أعلى هيئة دستورية رقابية مستقلة مختصة بالرقابة على المالية العامة وهي محكمة الحسابات؟ والتي تعاني اليوم من التهميش وانعدام الخبرات في طواقمها وتقادم آليات عملها وجرعة كبيرة من عدم الشفافية والقيام في نفس الوقت بمراجعة وعقلنة وتعزيز آليات عمل المفتشية العامة للدولة والمفتشية العامة للمالية وإدارة الوصاية على المؤسسات العمومية وإلزام هذه المؤسسات بإعداد خطط عمل سنوية تروم الفعالية وتتجنب التقاطع زمنيا ومكانيا مع مهام تفتيش بقية الأجهزة وينبغي أن يتم نشر خطط العمل على مواقعها الاليكترونية مع إمكانية القيام بمهام طارئة وإلغاء المفتشيات الوزارية عديمة الفائدة وكذا لجان الصفقات الوزارية؟
العديد من الإصلاحات المنشودة خاصة ما لا يدخل منها ضمن مجال القانون يمكن اعتمادها دون الحاجة إلى حوار -تشاور ويتطلب ذلك فقط إرادة وجرأة.
عن الحكامة السياسية والمؤسسية:
توجد في موريتانيا أكثر من عشر مؤسسات متعهدة بالحكامة السياسية والمؤسسية تبعا للنصوص المنشئة لها أو هكذا كان يفترض (سنرى ذلك لاحقا). تتحمل المجموعة الوطنية كلفة باهظة مترتبة على تسيير هذه الهيئات وقبل طرح السؤال الأول من المهم التذكير بقاعدة ذهبية في الحكامة وهي التناسب بين النتيجة والكلفة.
السؤال الأول: هل يحتاج البناء السياسي الموريتاني إلى العدد الكبير من "الزوائد الدودية" التي تنهش ديمومة كيانه من خلال استنزافها لموارد عمومية كانت ستكون أنفع للمجتمع لو تم توجيهها للصحة والتعليم والزراعة والبنية التحتية الانتاجية؟ بدل توجيهها للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (443 مليون أوقية) والمجلس الاقتصادي والاجتماعي (431 مليون أوقية) والمجلس الأعلى للإفتاء والمظالم (263 مليون أوقية) والمجلس الأعلى للشباب (21 مليون أوقية) واللجنة الوطنية للمسابقات (236 مليون أوقية) ومركز تنظيم منطقة انواذيبو الحرة (370 مليون أوقية) والسلطة العليا للصحافة (129 مليون أوقية) وسلطة تنظيم الصفقات (222 مليون أوقية) ومؤسسة المعارضة (99 مليون أوقية) والأحزاب السياسية (345 مليون أوقية).... حقائق مزعجة.
السؤال الثاني: أليس من العاجل إصلاح حوكمة بعض مؤسسات الحكامة الضرورية لأي بناء ديمقراطي وأعني هنا المجلس الدستوري والبرلمان و محكمة الحسابات؟
قد لا يكون من اللائق إخضاع هذه المؤسسات الثلاث لرقابة أجهزة الرقابة والتفتيش الوطنية وذلك اعتبارا لعلوية ورمزية مكانتها ولكن لعدة دول تجارب في هذا المجال كالرقابة من طرف النظراء ويمكننا الاستئناس بذلك لتحصين المال العام من العبث وهناك شواهد على تبديد المال العام في هذه المؤسسات التي كان يفترض منها الذود عن حياضه!!!
الشاهد الاول: أدى الإغلاق الذي ساد العالم بسبب جائحة كورونا إلى تعطل الرحلات الجوية وإلغاء الاجتماعات والندوات والتكوينات الحضورية والاستعاضة عنها بلقاءات افتراضية عن بعد وأدى هذا بالبرلمان الموريتاني ( 3,3 مليار أوقية) إلى إعادة تخصيص بند الأسفار والمهام الخارجية والتكوينات إلى زيادة في مرتبات وعلاوات النواب والهدف بائس جدا للأسف وهو كي لا يخسر البرلمان تلك المخصصات في ميزانية 2021 لأن القاعدة في إعداد الميزانية هي أن بواقي مخصصات التسيير يتم إلغاؤها وتغذي الفائض الميزانوي خلافا لميزانية الاستثمار حيث البواقي تعاد برمجتها. وقتها حصل لغط فدفعت وزارة المالية بالتأكيد أنه لم تحصل زيادة في ميزانية البرلمان وهذا صحيح مقارنة بالعام السابق ولكن حصل أسوأ من الزيادة وهو التلاعب بالموارد العمومية من طرف من انتخبهم الشعب للتشريع ولرقابة العمل الحكومي، تلاعب جعلنا نستحق الدخول لموسوعة غينيس للأرقام القياسية فلا بلد في العالم في عام الجائحة قامت طبقته السياسية بزيادة مخصصاتها إلا بلادنا المحروسة ومن المنتظر تلقائيا أن تزيد ميزانية البرلمان لسنة 2022 على أربعة مليارات أوقية!!!.
الشاهد الثاني: تعتبر مساعدة البرلمان من المهام الأكيدة لمحكمة الحسابات وحين شكّل البرلمان لجنة تحقيق برلمانية في بعض ملفات العشرية واستفادت اللجنة من مساعدة محكمة الحسابات اكتشفت في بدايات عملها النقص الكبير في كفاءة وخبرة هذه المساعدة ما أدى إلى اكتتاب مكاتب خبرة دولية لمساعدة اللجنة في عملها فما الذي حصل؟ كيف لمحكمة الحسابات (640 مليون أوقية) أن تعوزها الخبرة الضرورية ومعلوم ان انتداب مكونين دوليين ومنذ عدة سنوات كان يمكن تغطيته عبر الموارد الوافرة لهذه المؤسسة أم أن بعضهم كان لابد له من اكتتاب مكاتب خبرة دولية؟!!.
الشاهد الثالث: تتمتع اللجنة المستقلة للانتخابات بميزانية باهظة (443 مليون أوقية) في سنوات لا وجود لانتخابات فيها علما بأن الاحصاء الانتخابي لتحيين اللائحة لا يتم إلا في آجال يحددها القانون قبل الانتخابات تماما كإعادة تشكيل اللجنة وهذا ما يجعل من المستغرب صرف هذه الاموال دون مبرر وجيه هذا إضافة إلى أن هذه اللجنة في حد ذاتها إبداع إفريقي وعالمثالثي يدل على انهيار الثقة بين السياسة والإدارة فلا وجود لمثلها في ديمقراطيات العالم العريقة حيث الانتخابات من شأن قسم بوزارة الداخلية. علينا أن نُصلح الإدارة العمومية حتى يكون ولاء الموظف هو للجمهورية وللقانون وليس للأفراد ولا للامتثال للتعليمات المخالفة للقانون عندها لا حاجة لنا بلجنة الانتخابات.
الشاهد الرابع : يتميز حضور المجلس الدستوري بالضعف في المشهد السياسي فلا يكاد يسمع له من ذكر إلا من انتخابات لانتخابات والحال أنه يمكن أن يلعب دورا أكثر حضورا في المشهد وله من الاعتمادات المالية ما يكفيه لذلك (227 مليون أوقية).
الشاهد الخامس: صرفت موريتانيا منذ 2014 حوالي 3 مليار أوقية لمركز تنظيم المنطقة الحرة وهو مركز لم يكن إنشاؤه أصلا ذي معنى قبل إنشاء البنى التحتية الضرورية للاستثمار بالمنطقة الحرة والتي هي الاعلان الحقيقي لعمل سلطة المنطقة إضافة إلى أن مهامه يمكن أن يضطلع بها مركز التحكيم الموجود بمباني غرفة التجارة وبكلفة رمزية.
الشاهد السادس: لوزارة الصحة هيئة مركزية (إدارة عامة) بميزانية تبلغ 5,2 مليار أوقية وتعنى برقابة وتفتيش جودة العلاجات والأدوية!!!!!!!! فماذا تعرفون عن جودة العلاجات والأدوية؟ وكم هو حجم استنزاف اقتصادنا بسبب علاجات الموريتانيين بالخارج ؟؟
من حقنا تأسيسًا على النجاح المهم الذي تحقق في معالجة معضلة الدين الكويتي أن نطمح لنجاحات أخرى يصحح من خلالها النظام عددا كبيرا من هذه الاختلالات تماما كما من حقنا الضغط على المتحاورين للخروج بخارطة طريق جدية لإصلاحات سياسية و مؤسسية يحتاجها بلدنا.
لا ينبغي أن نُضيع فرصة التشاور-الحوار القادم.