مشكلة الديون الكويتية المستحقة على موريتانيا: احتمالات الانفراج / سيد أحمد ابوه

تطرح الديون الكويتية المستحقة على موريتانيا إشكاليات متعددة الأوجه فهي ليست ديون تقليدية يتفق البلدان  على قيمتها بل هي حالة نادرة في تاريخ التداين الدولي وقد شهد الملف محاولات عديدة لتحريكه ولكن دون جدوى لحد الآن، محاولات مباشرة بين البلدين ومحاولة مهمة قادها صندوق النقد الدولي.

أصل الدين الكويتي على موريتانيا:

دعمت الكويت موريتانيا في فبراير 1974 بقرض بقيمة 44 مليون دولار وبفائدة نسبتها 13% وذلك لتعويض المساهمين الأجانب في شركة ميفيرما ضمن خطة تأميمها من قبل الدولة الموريتانية، ثم اقترضت موريتانيا مبلغ 4,5 مليون دولار من الكويت لتغطية مساهمة اسنيم في رأس مال شركة ساميا لتصدير الجبس وإضافة لهذين القرضين أودعت الكويت بالبنك المركزي الموريتاني ثلاث ودائع بقيمة 36 مليون دولار في الفترة ما بين 1973 و 1978 وهي ودائع ساعدت في تغطية إصدار الأوقية الموريتانية كعملة جديدة إبان انسحاب البلاد من منطقة الفرنك لغرب افريقيا ودعم ميزان المدفوعات ومنح خطوط تمويل لشركة سونيمكس الرائدة وقتها في استيراد الحاجات الأساسية وتصدير الصمغ العربي.

في الجزء الموالي سنحلل كيف تدحرجت ديون قيمتها الإسمية الأصلية 85 مليون دولار إلى أن وصلت مليار دولار حسب أحد الأطراف وأربعة مليارات دولار حسب الطرف الآخر وملياري دولار حسب طرف مستقل؟

 

تأصيل الإشكال المالي للدين الكويتي:

التداين بين الدول أو بين الدول والمؤسسات المالية تحكمه قواعد وضوابط لا تختلف كثيرا عن ضوابط التداين الذي تعرفونه بل تعيشونه يوميا بين الأفراد والمصارف ولتقريب الصورة فإن أيا منا توجه غدا للاقتراض من أحد مصارف انواكشوط وحين يكون الملف مقبولا ستتم موافاته وجوبا من طرف المصرف بجدول اهتلاك القرض كملحق لاتفاقية القرض ويوضح ذلك الجدول في خانتين اهتلاك الأصل أي القسط الشهري واجب السداد من أصل الدين وتوضح الخانة الثانية اهتلاك الفوائد وهي إيجار رأس المال المقترض أي هو العائد الحقيقي للمصرف من العملية وبالجمع بين القسطين (قسط الأصل وقسط الفائدة المستحقة عليه) نحسب عندها القسط الشهري واجب السداد أو السنوي (أو نصف السنوي) في حالة التداين العمومي كالدين الكويتي.

الآلية الفنية والمحاسبية المعتمدة والمقبولة عالميا هي رسملة الأصل والفوائد متبقية التسديد. مشكلة موريتانيا مع الدين الكويتي هي من جزأين، الجزء  الأول هو ما ظهر لاحقا أنه مجازفة من المفاوضين وقتها على هذه القروض (والأكيد  أنه عن حسن نية وليس عن عدم خبرة بل عن عدم توفيق في توقع مسار الليبور) وتجلى ذلك حين قبلوا تضمين عبارة [LIBOR +13%] والليبور حتى لا نسقط كثيرا في فخ التقنية هو معدل الفائدة للتداين بين المصارف وكان في فترة الاقتراض من الكويت عند مستويات جد عالية قاربت 20% وذلك عائد إلى الأزمة العالمية التي سببها وقف طيب الذكر المرحوم فيصل بن عبدالعزيز ضخ النفط إلى السوق العالمي احتجاجا على مواقف الغرب العدوانية إبان حرب اكتوبر بين العرب وإسرائيل.

للتقريب أكثر كان الليبور سنة 1978 وصل 17 %؜في حين أنه وصل 1% سنة 2020 واليومهوفقط 0,5 % عن ثمان أشهر وظل الكويتيون على هذا الفهم في احتساب مستحقاتهم من قروض لم تعد تسدد أقساطها عند نهاية فترة السماح وذلك بسبب المآزق التي دخلتها البلاد بسبب حرب الصحراء ومسلسل الانقلابات الذي بدأت حلقاته الكارثية تتوالى منذ سنة 1978 في حين أن الجانب الموريتاني بعد أن كان يقبل بذلك أصبح فجأة  يفهم أن نسبة الفائدة هي الليبور أو 13%.

الجزء الثاني من مشاكل موريتانيا مع هذا التداين هو الفشل في رفع اللبس الذي حصل عند الأشقاء عند تعريفهم “للدين الكويتي” ففي سنة 2002 وفِي إطار استفادة موريتانيا من مبادرة تخفيف الدين عن “البلدان الفقيرة والأكثر مديونية” شطبت الكويت ديونها المستحقة على موريتانيا والعائدة للصندوق الكويتي للانماء الاقتصادي العربي (FKDEA) وأبقت على الديون العائدة لهيئة الاستثمار الكويتي (KIA) وهي أكبر صندوق سيادي في العالم ويرأس وزير المالية  الكويتي مجلس إدارته وهو المختص بتسيير أصول الدولة الاستثمارية، هنا نتحدث عن الديون الموضحة في التدوينة (١) كما أبقت على متأخرات الفوائد من قروض الصندوق الملغاة (أي أنها ألغت الأصل فقط) وهي قروض ساهمت في استثمارات امبوريه وطريق الأمل.

وبالعودة لآلية احتساب الدين المذكورة أعلاه فحين نحسب عبر الرسملة اهتلاك 85 مليون دولار بفائدة 13 % (الفهم الموريتاني) على مدى 47 سنة (564 شهر) سنجد أن المبلغ لا يزيد على 500 مليون دولار  ولكن هذا المبلغ يصل إلى مليار وثلاثمائة مليون بمقاربة فهم الكويتيين للاتفاقية وحين نضيف متأخرات فوائد الديون الملغاة للصندوق ودائما حسب المقاربة الكويتية سنصل إلى 3,2 مليار دولار.

قبل ثمان سنوات حاول صندوق النقد الدولي وللمرة الثانية تقريب وجهات النظر وكانت نقطة ضعفنا الأساسية أننا تزحلقنا إراديا بين مقاربتين، فقد احتسبنا المعدل المبوب عليه والمطابق للفهم الكويتي حتى سنة 2005 ثم فجأة صرخنا قائلين: لا إما الليبور وإما 13% واعترفنا وفق ذلك أن المبلغ لا يزيد على مليار دولار وساعتها لم يقبل الكويتيون ولكنهم قبلوا بتصنيف الدين كدين متعثر أي أنهم مستعدين لبادرة حسن نية في معالجة متأخرات الفوائد في حين تجاوب صندوق النقد الدولي جزئيا بعد أن ضبط خبراؤه مبلغ الدين ب 1,6 مليار دولار مع رسملة كل المتأخرات .

 

مسار طويل من الفرص الضائعة:

الكويت بلد شقيق لم يتخلف يوما عن مد يد العون لموريتانيا وشواهد ذلك كثيرة عبر تاريخ المشاريع الكبرى بالبلد كما أن أهلها طيبون وجُبلوا على محبة موريتانيا وثقافتها البدوية وأعرف شخصيا وزملائي السابقين بوزارتي الاقتصاد والمالية وبالبنك المركزي ما يكنه مسؤولون كويتيون كبار كالسيد عبداللطيف الحمد وزير المالية الكويتي السابق والمدير العام ورئيس مجلس إدارة الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي من حب وتقدير لبلادنا واستعداد دائم لمساعدتها وما كان ينبغي أن ندخل معها في إشكال وجدال حول هذا الموضوع منذ بداياته طالما أن سُبل المعالجة الهادئة كانت متاحة فهل تعلمون أن الكويت تملك منذ تأميم ميفيرما وإلى اليوم 7,7 % من رأس مال اسنيم وأنها كانت وراء دخول الهيئة العربية للتعدين ومقرها الأردن في رأس مال اسنيم بنسبة 5,66 %  ولحد اليوم، وهو إضافة لقرض تعويض المساهمين الأجانب في ميفرما كان وفّر سيولة مهمة جدا لشركة اسنيم إبان ميلادها تحت العلم الوطني.

كان دور الكويت أساسيًا فلم يكن أمام حكومة المرحوم المختار ولد داداه طيّب الله ثراه من خيار إلا الاقتراض من الكويت ذلك أنه من ضرب الوهم تصور فرنسا تقرضنا لإخراجها من بقرة ميفرما الحلوب والشيء بالشيء يُذكر فلم يكن أيضا متصورا إقراض فرنسا لنا ونحن نتمرد بالخروج من عبودية الفرنك لغرب إفريقيا.

لكن كيف أننا منذ ذلك الوقت أهدرنا عديد الفرص؟ طبعا لا جديد في هذا  فمن غيرنا يمكنه مجاراتنا في رياضتنا المفضلة، رياضة تفويت الفرص. أرى أن موريتانيا فوتت خمس فرص ذهبية لتسوية هذا الملف في حقب ثلاثة من رؤساء البلاد السابقين أطال الله في أعمارهم وأضاعت المرحوم سيدي ولد الشيخ عبدالله وأي فتى أضاعت حين لم يتمكن من ممارسة  الحكم إلا سنة وشهرين من مأمورية عمرها النظري خمس سنوات، لو صبرنا عليه لكان حل هذا المشكل وغيره فللرجل رحمة الله عليه مكانة وسمعة طيبتين لدى الأشقاء الكويتيين ولدى غيرهم من الشركاء.

 

الفرص المهدورة:

كانت بداية عهد الرئيس محمد خونه ولد هيداله تتسم بتقبل كبير من أشقائنا العرب وخاصة من العراق مسموع الكلمة وقتها حيث كان العراق حليفا وثيقا للكويت ولبقية دول الخليج التي كانت ترى فيه السد المنيع ضد أطماع وطيش الثورة الوليدة في إيران وموّل العراق وقتها كهربة مقاطعات من انواكشوط وأهدانا التلفزيون الوطني وشيّد المستشفى العسكري وثانوية كيفة وموّل استثمارات زراعية بالضفة وكان بإمكانه بكل تأكيد حل مشكل هذا الديْن الزهيد وقتها. ضاعت الفرصة وتقوقع النظام بعد ذلك على نفسه واختار سبيل العزلة والشعبوية.

 

كان الرئيس معاوية ولد سيدأحمد الطايع على موعد مع فرصتين في هذا الملف، الأولى حين اختار طريق التفاوض مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حول برنامج الاصلاح الاقتصادي والمالي (1985-1988) بدعم من فرنسا وبمواكبة من بلدان الخليج وأولها الكويت في مجلس محافظي الهيئتين الدوليتين وكانت مديونية الكويت وقتها ليست بالشيء الكبير قيمة لكنه لم يفعل شيئا في هذا الموضوع وبعد ذلك أدارت له فرنسا ظهرها على خلفية أحداث 1989 المؤلمة ولم تجد البلاد ظهيرا إلا عند العراقيين، للأسف اجتاح العراق الكويت مطلع التسعينيات وكان الموقف الموريتاني سلبيا اتجاه الكويت (هل كان للرجل من خيار آخر وقتها؟)، الفرصة الثانية التي وجدها الرئيس معاوية في هذا الملف ولم يستثمرها كانت حين خنقته فرنسا فقرر في لعبة “سياسية” شهيرة قلب الطاولة عليها والتوجه للتطبيع المشؤوم مع الكيان الصهيوني، فكان العرّاب الأمريكي لهذا التطبيع قادرا باتصال واحد على حل موضوع الدين الكويتي نهائيا لأنه كان وراء ولوج موريتانيا ضمن أول بلدين في العالم لمبادرة تخفيف الديون عن البلدان الفقيرة والأكثر مديونية (PPTE ) والتي جنينا فيها أكثر من نصف مليار دولار من محو ديون وتعبئة موارد جديدة، لكن ضاعت الفرصة وأدى التطبيع، مضافا لأمور أخرى إلى تعجيل نهاية حكمه.

 

كان الرئيس محمد ولد عبد العزيز على موعد مع فرص عديدة لحل هذا الموضوع خاصة بعد أن أرسى نظامه بعد تسويق ناجح في الغرب ومؤسساته لتسلمه للسلطة كحصن واقي من انتشار التنظيمات المتطرفة وهو عزف على وتر حساس في الغرب فلم يستثمر فرصة عودة البلاد إلى المحافل الدولية بعد أن كانت طردت منها بسبب انقلاب 06 أغشت 2008 على نظام المرحوم سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله.

بعد ذلك حاول اقتناص فرصة كانت سيئة التحضير في نهاية ابريل 2019 حين زار الكويت ووقعت موريتانيا مذكرة بالأحرف الأولى على معالجة إشكالية الدين عبر طريق الاستثمارات لكن إعلامنا الرسمي قدّم الأمر في ثوب إعفاء من الكويت لديونها على البلاد وبدأ ينشر خطابا دعائيا عن نصر غير موجود ما أحرج الكويتيين ودفعهم لنشر توضيح وتكذيب على صفحة وزارة المالية الكويتية باتويتر بتاريخ 25 ابريل 2019 فبسبب تعويضات العراق الملزمة له دوليا للكويت بعد الاجتياح أصبح أي حديث عن إعفاء للديون يكتسي حساسية مفرطة في الكويت ثم إن هذا البلد الشقيق يتمتع بنظام سياسي نيابي مبني على ديمقراطية عريقة في المنطقة  وتتسم بالحيوية وتعدد إسقاط الحكومات بملتمسات الرقابة وحجب الثقة وللأسباب المذكورة أعلاه لم يعد من اختصاص الحكومات إعفاء الديون إلا بتزكية من البرلمان وهو غالبا برلمان متشعب التخندقات، مرة أخرى كنا في موقف من يُحرج صديقه ثم إن هذه المبادرة لم تكن لتنجح أبدا  لأنها جاءت في الوقت بديل الضائع على لغة أهل كرة القدم إذ يخشى المستثمرون والشركاء والدائنون غالبا  من تبعات تغير نظام الحكم في البلدان الإفريقية وقطعا كان ينبغي أن تحصل معجزة لتشطب الكويت ديونها عن بلد لا يزال لنظام الحكم فيه أقل من شهرين من مأموريته الثانية.

 

احتمالات التسوية والفرص العملية المالية والاقتصادية والشراكات التي يمكن أن تكون مطروحة على طاولة المفاوضين لحل هذا الإشكال نهائيا: 

 

لننطلق في هذا الجزء الأخير من سلسلة التدوينات حول هذا الموضوع من نقاط مرجعية تؤسس لما بعدها.

لفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني فرصة حقيقية الآن لحل هذا المعضل بشكل نهائي فمحدثيه في الموضوع (الدائنين) يعلمون أن نظامه لمّا يصل بعد لمنتصف مأموريته الأولى وهذا في حد ذاته مطمئن بالنسبة لمصداقية التعهدات التي ستقطع في هذا الملف، ثم إن الكل يتوسم فيه إلمامًا بالموضوع وآثاره على تنمية ومصداقية البلد ومن الوارد جدا أنه لو لم تكن جائحة كورونا لتكفلت السلطات بإثارة الملف جديا منذ بداية المأمورية.

اليوم تدفع موريتانيا بكفاءتين من أبرز كفاءاتها لمعالجة هذا الإشكال فوزير المالية إضافة إلى كفاءته المشهودة ملم أيضا بشكل جيد بإشكال المديونية بشكل عام وبتفاصيل هذا الملف على وجه الخصوص كما أن وزير الخارجية وهو المفاوض الصبور والديبلوماسي المحنك يتمتع بشبكة علاقات واسعة في المنطقة لن يتردد في توظيفها للخروج من هذا الإشكال.

لكل مدين الحق حين يواجه ظروفا صعبة في التوجه لمطالبيه ملتمسا أخذ تلك الظروف في الاعتبار والتصرف على ذلك الأساس كما أن لغالبية الدائنين الاستعداد للتفاعل إيجابيا مع طلبات المدين والقيام بما يسمى بادرة حسن نية في الموضوع.

 

الحلول الممكنة:

 

نقطة البداية لا يمكن أن تكون إلا بتوثيق مناخ الانفتاح والمرونة حول تعاطي الطرفين مع الموضوع وما سينتج عن ذلك من ضبط لمبلغ الدين بطريقة توافقية لن يتخلف دائنونا عن مواكبتنا فيها بالاستعداد لشطب بعض المتأخرات من الفوائد ورفع اللبس عن مفهوم المشمول في أصل الدين واعتماد جدولة لسداد ما تم الاتفاق عليه شريطة الدخول في مسار التسوية وحين يتم حل هذا البند فما سيبقى لن يكون إلا تفاصيل عملية ستتكفل بها الهندسة المالية-الاقتصادية كما سيرد أدناه لطي الموضوع كمشكل وإدخاله في دورة الدين التقليدية كأي دين آخر.

الاستثمار كخيار لا مناص منه:

تحويل الديون إلى استثمارات وأصول إنتاجية ليس بالأمر الجديد في المالية خاصة ما يتعلق منها بمديونية البلدان وإليكم ما بتقديري أنها سُبُلٌ ممكنة وضامنة للفائدة للبلد ارتباطا بهذا الموضوع:

 

قطاع الاتصالات: من شبه المتفق عليه في موريتانيا هو انطباع الجميع عن رداءة خدمات الاتصال وغلائها واستنزافها المستمر لجيوب المواطنين وللاقتصاد الوطني، طبعا لذلك أسباب منها عدم شفافية منح الرخص للفاعلين الثلاثة الحاليين وغياب شبه تام لسلطة التنظيم وعجزها عن وقف الفوضى في هذا القطاع ولكن تلك الأسباب ليست موضوعنا الآن، بل الموضوع هو الدين الكويتي. شركة زين (Zain) الكويتية للاتصالات هي شركة دولية حاضرة في بلدان الشرق الأوسط وشرق ووسط إفريقيا وهي رابع شركة اتصالات في العالم من حيث فروع البلدان وسيكون مربحا لموريتانيا منحها رخصة استغلال وتشغيل في قطاع الاتصالات (الهاتف والانترنت) في إطار هندسة الحل، سيضفي ذلك منافسة على السوق المحلي لفائدة المواطن والاقتصاد، إتاوة الرخصة لن تقل عند المنح عن 150 مليون دولار مع الآثار الأخرى الإيجابية على التشغيل. لا ينبغي هنا التحجج بأن شركة زين هي شركة مساهمة ومستقلة عن الدولة الكويتية ففي الكويت سوق للأوراق المالية ويسهل عندئذ تحويل ديون الدولة وأصولها لسندات وأصول للغير.

 

قطاع النفط والغاز: موريتانيا حديثة العهد بهذا القطاع وتنقصها الخبرات والكفاءات في التفاوض والرقابة والإشراف والاستغلال والتسويق في حين أن الكويت التي يساهم هذا القطاع ب 90% من مداخيلها تملك عملاقين على المستوى العالمي ، شركة نفط الكويت (Kuwait OilCompany) التابعة لمؤسسة البترول الكويتية (Kuwait Petroleum Corporation) والتي تأسست سنة 1934 أي ربع قرن قبل تأسيس الكويت المستقلة وتشتغل في الاستكشاف والإنتاج وتصفية ونقل البترول، هنا لبلادنا مصلحة أكيدة وقابلة للتنفيذ إما بالتخلي عن جزء يسير من حصتنا في حقل السلحفاة والهدف مزدوج سنسعى من خلاله إلى عدم انفراد عمالقة النفط بخبرائنا الذين، مع احترامي لمؤهلاتهم ولوطنيتهم، لا تزال تنقصهم الخبرة في القطاع وهو أمر طبيعي لغياب تاريخ للقطاع بالبلد ومن ناحية أخرى تحرير رأس مال سيساعدنا في تسوية بعض مستحقات الدين المعضلة وتعبئة مساهمة بلادنا في المرحلتين الثانية والثالثة من حقل السلحفاة-آحميم بدل قبول عرض BPبتسبيقة بشروط مجحفة بعنوان تعبئة مساهمة البلد يتم اقتطاعها من حصتنا ومن إيرادات الانتاج. يمكننا أيضا عرض مصفاة انواذيبو للتكرير على الإخوة الكويتيين الذين في حالة قبولهم سيستثمرون لإعادة تهيئتها واستخدامها نقطة ارتكاز لتسويق منتجاتهم نحو إفريقيا.

 

قطاع الزراعة والتنمية الحيوانية والصيد: تمتد دولة الكويت على مساحة 17818 كيلومتر مربع أي تقريبا ثلث مساحة أصغر ولايات موريتانيا (اينشيري 47000 كيلومتر مربع) وهذا الواقع إضافة لتطور الصناعة الاستخراجية جعل من البلاد مستوردا صافيا لكل الحاجيات من مواد غذائية سواء منتجات الزراعة أو اللحوم الحمراء (المستوردة من استراليا وتونس). بالإمكان هنا منح أراضي كافية بالضفة لمستثمرين كويتيين عموميين أو خصوصيين لتطوير مشروعات زراعية واعدة تستفيد منها بلادنا ودولة الكويت وتشغل الآلاف من العمال وتعين على ضمان الاكتفاء الذاتي لموريتانيا ومكننة الزراعة بوسائل انتاج وتقنيات حديثة لكن لابد قبل التفكير في هذا المعطى من حل جذري للإشكالية العقارية بالبلد وقد حان الوقت لذلك. وفي جانب تصدير اللحوم للكويت فلبلادنا مزايا تفضيلية كونها تحوي ثروة حيوانية هائلة وغير مستغلة بما فيه الكفاية وقطعا موريتانيا أقرب جغرافيا بحوالي نصف المسافة للكويت من استراليا. وفي قطاع الصيد لماذا لا نفكر في استقدام الكويتيين عبر شراكات مثمرة ورخص للولوج للثروة كنا منحناها للصينيين وللأوربيين في استنزاف غير مسؤول لثروتنا مقابل فتات تمويلات سنوية لا تسمن ولا تغني من جوع.

 

قطاع النقل البحري: لا يمكننا تطوير انواذيبو ومن خلاله الاقتصاد الموريتاني إلا ببناء ميناء بالمياه العميقة وهو مشروع انتهت دراساته الممولة من البنك الدولي سنة 2016 حيث كان صاحب هذه الصفحة من مركزه الوظيفي وقتها منسقا لتلك الدراسات مع المكاتب الدولية التي اشتغلت عليها، قد تكون الفرصة هنا مواتية مع الأشقاء الكويتيين لمنحهم فترة استغلال محدودة تعود أرباحها للبلد مقابل تكفلهم بمصاريف بناء المنصة المينائية والتي ستبقى ملكا لموريتانيا بعد انتهاء فترة الاستغلال ذلك أن الحل الذي تمت دراسته مع الصينيين قبل أربع سنوات يحمل مخاطر مالية وتقنية أسوأ من تلك التي حملها الدين الكويتي موضوع النقاش حاليا.

 

خلاصة هذه الورقة أن حل هذا الإشكال ممكن بتوافر حسن النوايا والاستعداد لعدم تكرار مثل هذه الهفوات علما أنني لا أخفيكم تخوفي الكبير من كارثة قادمة عنوانها قروض بنكي الصين والهند للصادرات والواردات وهي قروض اقترضتها موريتانيا منذ 2012 وبشروط كانت دائما الليبور + 2% أو 2,5 % وفي بعض الأحيان + 1,75% فكيف سيكون حالنا حين يعود الكساد والتأزيم للاقتصاد العالمي ويقفز الليبور إلى مستويات عالية وقتها سندرك حجم المعضلة الحقيقية  وسنفهم وغيرنا من إخوتنا الأفارقة أن الأشقاء الكويتيين ليسوا كالصينيين والهنود. لا يمكنني هنا أن أختم قبل أن أسجل استغرابي لعدم وجود ناطق واحد باللغة العربية في سلسلة قيادة الاقتصاد وترقية الاستثمار بالبلد فماهي الرسالة التي سعينا توصيلها من خلال هذا القرار للأشقاء العرب. شخصيا لست ممن يعيرون اهتماما للجدل حول اللغة في بلادنا فكل المواطنين الموريتانيين يستحقون التوظيف في بلادهم حسب كفاءاتهم ولكن هناك عقلانية مطلوبة في طبخ بعض القرارات وللعلم فإن مساهمة كل مؤسسة تمويلية إسلامية أو عربية في تنمية موريتانيا منذ استقلالها تفوق المساهمات المجتمعة للمؤسسات الغربية وقطعا ليس من اللائق اللجوء للترجمة في التعاطي مع رؤساء وفنيي مؤسسات التمويل العربية والإسلامية.

 

أملي أن يعود مفاوضونا باتفاق وليس بمذكرة تفاهم فهذه الأخيرة لا تؤسس حقا ولا يمكن المحاججة بها أمام أي جهة تحكيم.

13. يونيو 2021 - 22:57

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا