شكل خطاب، السيد رئيس الحمهورية الاخير تجسيدا لمضمون خطبه السابقة في وادان وعيد الاستقلال والشامي التي تؤكد شعورا عميقا بضرورة ارساء دولة القانون والمواطنة التي هي امل كل مواطن. دولة يشعر فيها المواطن بانتمائه الى هذا الوطن من خلال تامين حقوقه كمواطن له حقوق وعليه واجبات، و تضمن كرامته وتحفظ حربته.
كان هذا الخطاب في جوهره تشخيصا شاملا لوضعية المواطن، وما يلاقيه من سوء معاملة في دوائر الدولة، كما كان تشخيصا عميقا لما تعانيه ادارتنا من خلل ومشاكل بنيوية ناتجة عن تراكمات اللامبالاة، الفساد، المحسوبية، الجهوية والانتقائية التي استشرت في هذه الادارة. وابعدتها عن الهدف الذي اسست من اجله، وهو خدمة المواطن طبقا للقولة الادارية الشهيرة “الادارة في خدمة المواطن”.
شكلت هذه الادارة استثناء غريبا، في التعامل مع مشاكل المواطنين طابعه المماطلة في حل المشاكل، والاهمال واللامبالاة وعدم المسؤولية. اجراءات روتونية، تعطل العمل الاداري الذي تفترض فيه السرعة والفعالية، اذ يتعلق بحقوق مواطنين منهم من ياتي من بعيد وله شواغله الخاصة، مما يتطلب فتوى عاجلا لمشكلته التي لا تقبل التأجيل.
لقد شخص السيد الرئيس في خطابه الأخير مختلف جوانب الخلل في ادارتنا المركزية والاقليمية؛ لاشك ان التشخيص هو الاساس لتحديد المشكلة، لكنه ليس هو العلاج او الحل النهائي لها، الا أنه يمكن من تحديد الخطوة الموالية التي تجيب على السؤال:
كيف نقيم الخلل المذكور؟ وما هي الحلول الجذرية لمعالجة الأوضاع المزرية التي تم تشخيصها في الخطاب؟ لم تعد الخطب كافية لمواجهة هذه الامراض المتأصلة في ادارتنا وفي عقلياتنا، بل لابد من اجراءات صارمة وصادمة تجسد الاقوال على ارض الواقع.
السيف اصدق انباء من الكتب في حده الحد ببن الجد واللعب.
ان هذه الوضعية الحرجة تتطلب اجراءات استعجالية نذكر منها على سببل المثال لا الحصر :
– تغيير حكومي يعزز هذه التوجهات، ويعطي دما جديدا للتعامل مع مشاكل المواطن والمصلحة الوطنية من باب تحمل المسؤولية والشعور بالواجب.
– تحديد الية الكترونية للدفع بحل مشاكل المواطنين بالسرعة المطلوبة وبالتقدير اللازم، بحيث يمكن للمواطن متابعة ملفه منذ تسجيله عند الادارة المعنية عن طريق الرقم الذي اعطي له ومتابعة تنقل الملف عن طريق الانترنت.
– حملة شاملة في مختلف الدوائر الادارية والمجتمعية لمحاربة الفساد والقبلية والجهوية لترسيخ قيم المواطنة والعدل والمساواة.
– العمل بمبدا المكافاة والعقوبة
ومع انه يصعب التنبؤ بمقاصد هذا الخطاب ومآلاته، الا انه يشكل انذارا فعليا للقائمين على الشأن العام، يبين مكامن الخلل ومستوى النقص الملاحظ. فهل هو الانذار الذي يسبق العاصفة؟