يوم الخميس الماضي خرج فخامة رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني على تقاليد أسلافه من الرؤساء، وأشرف على تخرج دفعة جديدة من المدرسة الوطنية للإدارة والقضاء، هي الأكبر في تاريخها منذ تأسيسها.
رئيس الجمهورية، في خطاب مبسط، اختار فيه -كعادته- القرب من المواطن والوقوف في صفه، هنأ الخريجين الجدد وتمنى له مسارا وظيفيا لامعا ومظفرا، وتمنى عليهم أن يكونوا جميعا في المقدمة وألا يتركوا أحدا منهم ليفوته قطار المساهمة في بناء الوطن.
وثنى فخامته بالحديث عن مظاهر الاختلال في الإدارة الموريتانية القائمة، والتي يشكل الخريجون الجدد أكبر إضافة عددية ونوعية لها في سنة واحدة منذ تأسيس البلاد يوم 28 نوفمبر 1960.
شملت الإضافة مختلف القطاعات الحكومية، من قطاع المالية، للعدل، والداخلية، والخارجية، وغيرها..
انتقد رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بنبرة متطلعة للأفضل ونظرة ثاقبة متفحصة، واقع الإدارة الوطنية، على مختلف الصعد.
فمستوى تعاطي الإدارات الإقليمية مع المواطنين، وتفاعلها مع مشاكله، لا يرقى للمستوى المطلوب، فـ”ليس الهدف أن نظهر عدم وجود مشاكل لدى المواطنين، وإنما استقبال هذه المشاكل ومعالجتها بغية وصولها لحل نهائي” يقول رئيس الجمهورية مؤكدا أن شغل الإدارة الإقليمية الشاغل منصب على غير المطلوب من إظهار المشاكل وكأنها غير موجودة، على حساب المطلوب وهو الاعتراف بوجود المشاكل وحلحلتها.
كيف أثمر هذا النقد؟
لقد حضض رئيس الجمهورية بشدة، ومن بعده وزير الداخلية واللامركزية رؤساء الإدارة الإقليمية في اجتماعات مكثفة وهادفة، على خدمة المواطن وأداء واجباتهم تجاهه، بل إن الرئيس والوزير الوصي على الإدارة الإقليمية “شمَّروا” -بتفخيم الميم- في الولاة يقول مواطن مقيم في إحدى القرى المرتمية في عمق الداخل.
إنه أثر إيجابي أحسه المواطن وشعر به، وهو الغاية والهدف من كل برامج الحكومة والإدارة والاستشهاد هنا من خطاب رئيس الجمهورية التاريخي يوم الخميس الماضي.
الحالة المدنية..
رئيس الجمهورية انتقد في خطابه بشدة واقع الحالة المدنية، مؤكدا أن الوضعية غير مقبولة حيث يضيع وقت المواطن -يقول رئيس الجمهورية- وجهده من أجل الحصول على مستخرج، وهذا ليس إلا مجرد مثال على الاختلالات والمشاكل التي يعانيها المواطن. انتهى الاستشهاد.
ما الجديد في الحالة المدنية؟
يعد مركز استقبال المواطنين بتفرغ زينة الواقع بالقرب من العيادة المجمعة، واحدا من أكبر مراكز الحالة المدنية في البلاد من حيث عدد الزوار، لدرجة تجعل مرتاده ملزما بقضاء جزء من ليلته أمام المركز من أجل الحصول على وثيقة مستخرج..
كان هذا هو الواقع في السابق نظرا لوجوده في مركز المدينة وأحد أكثر نقاطها ازدحاما على الإطلاق، أما اليوم فيمكنك أن تزور المركز ولا تحتاج سوى دقائق لتسحب الوثيقة التي تريد في جو يطبعه النظام وانسيابية الإجراءات وتبسيطها، وهو ما أكده مثقفون وحقوقيون ومربو أجيال في تدوينهم على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
شركة الماء..
نالت شركة الماء قسطا لا بأس به من خطاب رئيس الجمهورية، نظرا لتصرفاتها غير الودية مع المواطنين، حيث تقطع عنهم المياه مع نهاية عطل الأسبوع، وتترك الديون تتراكم عليهم حتى يكونوا عاجزين عن تسديدها..
الجديد بعد أقل من أسبوع من الخطاب؟
وزير المياه والصرف الصحي يجتمع بعمال القطاع، ويؤكد لهم أن خدمة المواطنين هي مبرر وجودهم في وظائفهم، ويدعوهم إلى جعلها نصب أعينهم.
وعدى أن ذلك واجب وطني، إلا أنه أيضا واجب ينسجم مع شريعة الإسلام التي تأمر بالعدل والإحسان وأداء الأمانات وطاعة ولي الأمر، وقطعا أن طاعة ولي أمرنا السيد محمد ولد الشيخ الغزواني هي في القرب من المواطن وخدمته ومعاملته برفق.
وكانت شركة المياه نفسها قد أعلنت قبل ذلك عن حظر قطع المياه عن المواطنين يوم الجمعة وأيام عطلة نهاية الأسبوع، وأكدت أنها ستمهل أي مواطن أسبوعا كاملا لسداد مستحقاتها عليه قبل أن تتخذ في حقه إجراء قطع المياه وسحب العداد.
شركة الكهرباء..
كان حظ شركة الكهرباء من نقد فخامة رئيس الجمهورية أقل، لكنها استوعبت روح خطاب رئيس الجمهورية، واتخذت إجراءات مشابهة لما اتخذته عديلتها شركة الماء.
الصحة..
وزارة الصحة نفسها سارعت إلى عقد اجتماع مهم تحت رئاسة أمينتها العامة، تطرق إلى محاور خطاب صاحب الفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
وتوج الاجتماع بتحديد عناوين جميع المسؤولين عن حل كل المشاكل التي قد تطرح لمواطن في مجال الصحة، في المستشفى، في المنزل، في الشارع العام، أو عند الصيدلية، بل إن الوزارة نشرت هذه العناوين للعموم في غضون أقل من 48 ساعة على الخطاب الرئاسي التاريخي.
التعليم..
صباح اليوم الاثنين تجمهر عدد من المعلمين أمام مباني وزارة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي، رافعين عدة مطالب، من بينها ما يتعلق بتأخر مستحقات مالية لفترة بلغت نصف سنة كامل، ومنها مطالب تربوية.
تزامن التجمهر، مع وجود معالي الوزير السيد محمد ماء العينين ولد أييه خارج مباني الوزارة، وذلك في نشاط ضمن جهوده الكبيرة ومساعيه الحثيثة لإصلاح القطاع.
فور وصول الوزير، رحب بالمدرسين، وطلب منهم ستة ممثلين ليبحث معهم المشاكل، ويتعاور معهم الأفكار من أجل حلها، ليخرجوا بعد ذلك راضين عما قاله بخصوص متأخراتهم المالية، مقتنعين بردوده على المشاكل التربوية المطروحة بالنسبة لهم.
بل ذهب الوزير أبعد من ذلك متعهدا، بالاتصال بوزير المالية شخصيا من أجل صرف هذه المستحقات المتأخرة وتسريع إجراءاتها وفصلها عن نظام الرشاد السبب المباشر في تأخرها.
إن هذا التعاطي بالجملة إنما يصف لنا كم هو مختلف رئيسنا عن كل من سبقوه، وكم هو فعال نهجه المؤسس على رسم معالم طريق غير صدامية مع أحد لكنها تفضي إلى الإصلاح في النهاية..
وسن رئيس الجمهورية في الإصلاح ما سن..
لقد اتخذ مصارحة الشعب منهجا، فقد علم من سبقوه كم هو قصير حبل الكذب، فنكب ذلك الحبل، وسلك طريق المكاشفة الذي أذاب معارضيه كما يذوب الملح في الماء، ليس بالهراوات كما كان يحدث في السابق، وإنما بالحق والمكاشفة.
إن ذلك النهج هو ديدن فخامة رئيس الجمهورية، في لقاءاته مع المواطنين في المناسبات السياسية والتنموية وفي المشافي والمدارس، ومع المقيمين في الخارج كما حدث في إسبانيا، ومع المسيرين كما حدث في المركز الدولي للمؤتمرات قبل أيام، وهاهو ذا الشعب يقطف الثمر.