تقترب مأمورية رئيس الجمهورية من إكمال السنة الثالثة وذلك في شهر سبتمبر المقبل، وقد بدا جليا أن رئيس الجمهورية محبط وغاضب من أداء أعضاء حكومته والإدارة عموما حيث لم تنجز سوى الشعارات والعناوين الكبيرة والوعود البراقة، فيما يعاني المواطن من الجوع والفقر والمرض والإحباط وهو يشاهد أبناء النافذين والشركات الأجنبية يتقاسمون ثرواته في حين تتم تهدئة الاستياء العام بتقديم مبالغ هزيلة لأسر متعففة لا تكفيها لشراء مؤونة أسبوع من المواد الغذائية الأساسية بفعل ارتفاع الأسعار، وفي المقابل يستمع المواطن بكل غضب وحسرة مساء كل أربعاء لإطلالات بعض الوزراء عقب اجتماعات الحكومة يحدثونه بأرقام وإنجازات تجعله يتساءل هل يتحدثون عن بلدنا أم عن بلد آخر؟!.
أغلب الوزراء حولوا القطاعات التابعة لهم إلى إقطاعيات يتصرفون فيها كتصرف المالك في ملكه يعطون من يشاءون ما يشاءون ويحرمون من يشاءون ما يشاءون، ويوظفون الأهل والأقارب دون مسابقات وذلك على حساب الشفافية والنزاهة والإنصاف!، حيث أكثرت "الحكومة" وأفرطت في الحديث عن العدالة والإنصاف في كل مؤتمر صحفي أسبوعي في الوقت الذي لا يتجاوز هذا "الإنصاف الرائع" كونه شعارا زائفا يردده الناطق باسم الحكومة وضيوفه من الوزراء في خرجاتهم الأسبوعية بينما الواقع شيء آخر مختلف تماما.
الانفلات الأمني، بفعل السطو والحرابة واختطاف الفتيات والجرائم المختلفة المتكررة بشكل شبه يومي، رغم الجهود الكبيرة لعناصر الأمن، إضافة إلى تردي مختلف الخدمات العمومية جعلت المواطن يعاني اليأس والإحباط ويتساءل أين وعود رئيس الجمهورية خلال الحملة الانتخابية الرئاسية وماذا تحقق من تلك الوعود؟ ولماذا يصر رئيس الجمهورية على تدوير رموز الفساد ورموز الأنظمة السابقة رغم وجود كفاءات وطنية نظيفة تتشرف بخدمة وطنها وشعبها؟!.
من يقرأ أسماء أغلب أعضاء الحكومة المستقيلة ويتابع جزء يسيرا من تاريخها القريب يدرك أنها ليست حكومة مشروع إقلاع كبير تعهد به رئيس الجمهورية في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية والصحية والثقافية والإعلامية ...إلخ، بل كانت حكومة سير ذاتية منفوخة وتجارب فاشلة، لذلك يتوقع المراقبون، بعد انتهاء المهلة وانكشاف حقيقة الأداء المخيب للآمال، والاستياء العارم في الأوساط الشعبية أن يكون التغيير القادم جذريا وحقيقيا يأتي بحكومة تكنوقراط خادمة تلبي تطلعات وطموحات المواطنين في الاستفادة من الحد الأدنى من موارد بلدهم وليست حكومة سير ذاتية "سيفيهات" يقدمها نافذون ونافذات بأسماء الأقارب والأهل حيث يتم التحكم فيهم وفي أدائهم مستقبلا، مع العلم أن بنك المعلومات المتوفر لدى صناع القرار يكفي لانتقاء حكومة كفاءات حقيقية بعيدا عن الاعتبارات التقليدية والمحاصصة القبلية والعرقية والشرائحية والروحية، فحكومة كاملة من أسرة واحدة أو شريحة واحدة أو إثنية واحدة أو جنس واحد تتمتع بالكفاءة المطلوبة هي ضالة المواطن، الذي لا يهمه إلا أن تكون هذه الحكومة هي كوكبة من خيرة أبناء بلدهم تتطلع لتحقيق طموحات المواطنين المشروعة في إرساء أسس العدل والإنصاف والنفاذ المشرف للخدمات الأساسية.
ولا شك أن رئيس الجمهورية، وهو الغاضب المحبط من أداء أكثر الشخصيات التي منحها كامل الثقة وكامل الصلاحيات والموارد، يدرك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن الجمهورية الإسلامية الموريتانية يجب أن تكون بالفعل دولة قانون ومؤسسات وليست دولة لوبيات ونفاق وتملق وتدليس وكذب على المواطن وخديعة للحاكم على طريقة بعض الأنظمة السابقة، لذلك فإن الرئيس لم يكن في معرض تمثيل للرجل الغاضب، بل كان غاضبا بالفعل وما يزال، وأتوقع شخصيا تغييرات جذرية وغير مسبوقة، بل ومحاكمات للمفسدين من أعضاء الحكومة الحالية وكبار المسؤولين الذين نهبوا ثروات الوطن وحولوا قطاعاتهم إلى إقطاعيات خاصة، بفعل ثقة رئيس الجمهورية فيهم ومنحهم كامل الصلاحية في الإدارة والتسيير، وهي مسؤولية سيجد الرئيس نفسه ملزما بتحمل تبعاتها عبر محاكمة هؤلاء بتهم الفساد والتبديد وهو ما ستشهده الأيام والأسابيع القادمة، إن كانت غضبة الحليم ما تزال على حالها وكان الرئيس جادا بالفعل في بناء دولة قانون ومؤسسات حقيقية.
أحمد ولد مولاي امحمد / إعلامي