الزحام بين الطاقات الأحفورية والطاقات النظيفة على أشده الان .. فظروف الحرب الحالية و أزمة الطاقة الحادة - التي لامثيل لها ربما منذو الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1973- تجعل الكفة تميل – تلقائيا ومنطقيا - الى البديل الأكثر ضمانا واستدامة و الأكثر تماشيا مع برامج وسياسات مكافحة التغير المناخي ..
فبمقاييس الكلفة ومنطق السوق فان هذا الصعود المتفاقم في أسعار النفط والغاز والرغبة الملحة من طرف الدول الصناعية الكبرى في التحرر من التبعية لروسيا في مجال الطاقة ،يجعل من خيار الطاقة النظيفة خيارا نضجت شروطه وتهيأت ظروفه.
ومع ذلك فإن هذه الصورة ليست محل إجماع فالبعض يرى احتمال حدوث العكس.. وبدل التوجه نحو الطاقات النظيفة فقد نشهد ارتدادا نحو الفحم ، الطاقة الأكثر تلويثا بين كل الطاقات الاحفورية ، فقد لا يكون هناك بديل جاهز للتعويض إذا تفاقمت تكلفة الحرب أو أقدمت روسيا على قطع إمداداتها سوى العودة بقوة إلى مناجم الفحم، التي تم إغلاق الكثير منها سابقا وبالتالي استئناف استغلالها من جديد لاحتواء الأسعار وتسديد تكاليف الحرب بأقل سعر.
فأوروبا تعتمد بنسبة 30% من حاجياتها من النفط و40% من حاجياتها من الغاز على روسيا ، وهذا أمر لا يمكن للطاقات المتجددة بوضعها التقني الحالي أن توفره في هذا العقد ..
والحقيقة أنه لا يمكن مع ذلك نفي الحظوظ الكبيرة لتحولات جذرية في نظم الطاقة لاعتبارات عدة فأغلب البيئيين يقرنون -في تحليلاتهم السياسية - بين الوقود الاحفوري والدكتاتورية، والحرب أيضا ، تماما كما كان بعض السياسيين يقرنون - في تحليلاتهم البيئية- بين الطاقة النظيفة وتراجع النمو، ولكنهم جميعا ينظرون الان إلى النفط الروسي بامتعاض مضاعف ، فهذا النفط لا يتسبب في تفاقم التغير المناخي فحسب ، بل إن عائداته تستخدم في قتل المدنيين والابرياء وتهدد الاستقرار والنمو في أوربا وفي العالم .. تقول عالمة مناخ أوكرانية ".. روسيا تبيع هذه الموارد وتستخدم الأموال في شراء وصناعة الأسلحة.. هذه حرب وقود أحفوري. من الواضح أننا لا نستطيع الاستمرار في العيش بهذه الطريقة التي ستدمر حضارتنا ".
إن هذا التلاقي بين السياسة والمصالح المناخية هو الان غير مسرحي كما كان من قبل ،وقد أعلنت ألمانيا وحدها عن تخصيص 200 مليار يورو للاستثمار في إنتاج الطاقة المتجددة من الآن وحتى عام 2026 ضمن استراتيجيتها للتقليل من الاعتماد على روسيا ، وهي نفس الإجراءات السياسة التي كانت "تعلن" أنها تريد اتخاذها لخفض الانبعاثات .
إن التحولات الكبيرة لا تحكمها الرغبة ولا الجنوح الأخلاقي نحو الفضيلة بالدوام ، بل إن الاكراهات المادية بما في ذلك الازمات قد تكون هي الرافعة الرئيسية لما هو مرتقب من تحول جذري في نسق الطاقة وربما النسق الاقتصادي بشكل أعم وربما نشهد تحولات كبرى مرافقة للتحول الطاقي..
ومع ذلك فإن طريق التحول ليس سهلا فمنتجوا الطاقة في العالم لاشك سيوفرون المزيد من الوقود الاحفوري تحت إغراء الارتفاعات الحادة في أثمان الطاقة ، وستواصل شركات الطاقة الحفر في كل مكان برا وابحرا بحثا عن احتياطات جديدة للاستفادة من الغنيمة .. وربما إذا اشتدت الحرب وتفاقمت كلفتها - وهو امر غير مستبعد - فإن الفحم الحجري سوف يكون أيضا خيارا مطروحا وواردا ..ومكمن الكارثة هو أن هذا الخيار هو الخيار الموحش من بين كل الخيارات .