يطلق الإحياء أو البعث على الحركة الشعرية التي عرفها الأدب العربي مع مطلع القرن العشرين .
حيث كان شعراء هذه المدرسة يعودون إلى أمهات القصائد أيام ازدهار الشعر في العصرين الأموي والعباسي وحتى الجاهلي متجاوزين عهد الانحطاط، فيعارضونها بقصائد باذخة أعادت للأدب ألقه، فبعثته وأحيته ثم نهضت به، وهذا أمر جميل ومحمود.
وإن المتتبع لسياسة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني منذ توليه السلطة قبل زهاء ثلاث سنوات يلاحظ مما لا مراء فيه ميوله إلى هذه المدرسة؛ وذلك بغوصه في تاريخ البلد، في عملية إحياء سياسي يرتكز فيها على العهد الطائعي أساسا، وهو العهد الذي يكاد يجمع النقاد (المحللون السياسيون) على تصنيفه ضمن عهد الانحطاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي .
كان حري بالرئيس عند اللجوء إلى فلسفة البعث والإحياء أن يأخذ من "عهد النماء"..! وينتقي أحسن الكفاءات لعلها تنهض بموريتانيا في القرن الواحد والعشرين .
لكنه اختار ذلك العهد، والترقيع في حكومتيه الأولى والثانية ب "الأسماء الكبيرة" والحرص على الظهور بمظهر الطيب الخلوق غير المبالي ب"سفاسف الأمور" وبالجزئيات الدقيقة في الاقتصاد.
وقد حاول مع هذا أن يخرج عن المألوف بعدم التدخل في صلاحيات الوزراء، علما أن البلد لم يبلغ سن الفطام في الديمقراطية؛ مما انعكس سلبا على حياة المواطن ومصلحة الوطن ...
فالحاكم في العالم الثالث هو القلب النابض الذي بصلاحه تصلح الأمة، وبعينه الساهرة وقوة قبضته من غير استبداد يمكن أن يحقق التنمية.
لم تتمكن الحكومة الأولى من تلبية الحاجيات لافتقادها للكاريزما المطلوبة التي تمكن الوزير الأول من ضبط إيقاع الجوق الوزاري المتشعب وغير المنسجم بسبب تضارب الأفكار والمصالح، و ما يحوم حول البعض من شبهات الفساد التي سلط عليها التحقيق البرلماني الضوء .
تم تغيير الحكومة قبل أكثر من عام، وكأن الرئيس حريص دائما على الدفع بوزير أول من غير ذوي الكاريزما ليظل ممسكا بخيوط التجربة وإن بأطراف أصابعه.
فكان الوزير الأول محمد ولد بلال وديعا، يحسن الاستقبال والتوديع، إلى أن انفجر الرئيس في وجه الجميع حكومة وشعبا، منتقدا ما آلت إليه الأوضاع من ترد وسوء خدمات وانتشار للفقر.
ترقب الجميع النتيجة الأولى لهذه الصحوة المشحونة بجلد الذات والشعور بالمرارة والتقصير والأسى، لعلها تكون بداية انطلاق قاطرة التنمية من دون عراقيل.
كانت الاستجابة سريعة حيث تمت إعادة الثقة في الوزير الأول المستقيل محمد ولد بلال.
وفي الأثناء تم تعيين الوزير الأول السابق في عهد الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله السيد يحيى ولد أحمد الواقف وزيرا أمينا عاما لرئاسة الجمهورية، وهو الرجل الذي يوصف بالقوة والحنكة السياسية؛ مما يجعله يتصدر المشهد السياسي من جديد، ولن يقبل باستقلالية المؤسسات التابعة له، بل سيسعى للوصول إلى صلاحيات الرئيس الطيب الخلوق والوزير الأول الوديع الصامت.
وهنا سيحصل التغول الوظيفي، و التغول في وضعنا هذا ذو حدين:
١-حد إيجابي : وفيه يدفع الوزير ولد الواقف بالعمل إلى ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، فيرهب الوزراء ويشعرهم بقدرته على الإبقاء والإقصاء، وحتى المتابعة وهو لا يعدم آلياتها؛ فالمفتشية العامة للدولة تتبع له، فيحصل الانسجام والتعاطي مع تطلعات الرئيس والشعب.
٢-حد سلبي : وفيه تتعارض المصالح، ويرفض وزير ما أو ضابط ما إملاءات الوزير ولد الواقف فينعكس ذلك سلبا على المصالح، وتتعطل المؤسسات الحيوية والمشاريع التنموية، ويحصل ما حصل أيام رئاسته للحكومة في عهد الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، حيث الصراع بين الكتيبة البرلمانية من جهة والجنرالات من جهة أخرى؛ ذلك الصراع العقيم الذي انتهى بانتصار إرادة السيف على فلسفة القانون.
وفي المحصلة فإن الوزير الأول محمد ولد بلال في وضعية لا يحسد عليها، فقد أضحى بين مطرقة تغول الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية السيد يحيى ولد الواقف وسندان بعث وزراء من العيار الثقيل شاركوا في جل الأنظمة السابقة ..!
ولكن :
-هل أحاط الرئيس بحساسية الموقف، وجاء تعيين ولد الواقف لتكملة ما هو ملاحظ من نقص في كاريزما القيادة ؟
-أم جاء نتيجة اعتبارات سياسية أخرى لم تتضح معالمها بعد ؟