تقوم الحقيقتان التجريبية والمشهودة على الملاحظة, يحصل العلم بهما لدى العقل عبر الحواس بشكل مباشر أو من خلال آلية إطالة أذرع الحواس عبر التكنولوجيا تقريبا للمسافات, وتكبيرا للأحجام, واستغلالا للمتلازمات من خلال فهم الظواهر. ولكنهما تختلفان, فالحقيقة التجريبية نحن من يحدد مكان حدوثها لأننا من ينظم التجربة فنختار مكان حدوثها لنهيئ لأنفسنا أحسن ظروف للملاحظة, أما الحقيقة المشهودة فلا نختار مكان حدوثها لأننا عليها مجرد شهود, فتزداد نسبة التوهم كلما كانت ملاحظة الحدث أكثر تعقيدا لمكانه, وظروف حدوثه, وقدرة منظومتنا البيولوجية على الاستمرار في المراقبة لفترة طويلة.
إن توهمية الحدث –مستوى إمكانية التوهم- عامل مهم يجب أن يأخذ في الحسبان عند التعامل مع الحقيقة المشهودة, وإنه فيما لا ترتبط به مصالح فردية قد تدفع إلى الكذب أهم من معايير كثيرة أخرى متعلقة بنوعية الشهود, لأنه في هذه الحالة تصبح إمكانية التوهم هي الخطر الأكبر على دقة الشهادة. وإن احتمالية التوهم في شهادة شاهد واحد في قرية تعداد سكانها لا يتجاوز الألف أقل بكثير من احتمالية التوهم في شهادة عشرين شاهدا في بلد تعداد سكانه ملايين جعله تطور وسائل التواصل قرية واحدة تصل شهادة جميع مراقبيه –المتوهم وغير المتوهم- إلى هيئة تقرير الثبوت.
في هذه الظروف التي يكون فيها الخطر الأكبر على دقة المعلومة هو احتمالية التوهم يصبح من المشروع التساؤل هل يمكن أن تظل المستفيضة عددا ثابتا؟ أو يجب أن تتحول إلى نسبة من دائرة الشهود؟ التي أدت وسائل التواصل من خلال تسهيلها لوصول شهادة البعيد, إلى أن تأخذ إبعادا لا علاقة لها بأبعادها الابتدائية قبل توفر هذه الوسائل. ولأن عدد المتوهمين نسبة من عدد المراقبين, كلما اتسعت دائرة المراقبين ازداد عدد المتوهمين وأصبح من الضروري أن نحصل على عدد أكبر من الشهود لنتأكد من حدوث الحدث. إن تنميط العملية بوضع معادلة تأخذ في الحسبان احتمالية التوهم قد يكون أصبح ضروريا كأداة للمساعدة على اتخاذ القرار الصائب, إذا أردنا الاستمرار في الاعتماد حصرا على المشاهدة بالعين المجردة وكان توخي الحقيقة المشهودة هو هدفنا.