إن هذا التعقيب على مقال الزميل الدكتور شماد ولد مليل نافع عن" الرؤية واحتمالية التوهم ودائرة الشهود" في موقع " اقلام الحرة"، إذ كان المقال مؤطرا بالكتابة الابداعية، كما عود الكاتب قراءه فيما كتب، ويكتب، وإن كان للقراء حقهم على الكاتب في مقاله، فلعله عن موضوع الاستغراق في التجريد ما جعل الحقيقة بقيت في بطن الكاتب هذه المرة سواء شعر بذلك، أم لم يشعر، وذلك في حديثه عن الحقيقتين" التجريبية، والمشهودة" على حد تعبيره، والوسيط الحسي بين العقل، والتعقل استلهاما بالبعد المكاني الذي حدد به " باركلي " لا ماديته، لتدحرج الرؤية من ثم في زوايا جدلية المحسوسات والمعقولات في المثالية الذاتية عند "إيمانويل كانط"، عند دكتورنا، ذلك أن الحقيقة التجريبية ليست معطى خارجيا، لأنها مشروطة بعامل التحكم فيها استحداثا، وتموضعا، الأمر الذي أحال المعرفة من المجال التجريبي الى المعطى الذاتي، وقد لا ترى الذات إلا محاسنها، أو ما تريد أن ترى، وتحجبه عن غيرها بتعلات تحتاج الى سند موضوعي نظرا لتوهم الحقائق ذاتيا، وفي ذلك منزلق، كان ينبغي تجنبه لو تم الاسترشاد بمحاذيرنبه إليها " فرانسيس بيكون" لكسب المعرفة التجريبية، اذا كنا نتوخى حقا المعرفة ـ في عصور الحداثة ـ بالمنهج التجريبي: الملاحظة، والتجربة المخبرية، أو في البحث الميداني الاستقصائي المشروط بالناقص، وذلك من ابعاد النسبية العلمية في ..المعرفة الانسانية
اما الحقيقة المشهودة، وهي في صيغة مفعولية، جراء ما يعترض شهودها الذين ربما يحتاجون يقينا الى استرجاع النسبية في أواليات الفكر بمنطق القائلين من قبل " فما تراه حقا، فهو حق بالنسبة لك، وما يراه غيرك حق، فهو حق بالنسبة له"، أما الزعم بأن وسائل التكنولوجيا مدعاة للمعرفة المتوهمة، انطلاقا من المسافة للبعد المكاني، فتلك نزعة ذاتية جاءت في صيغة اعتراضية على علم " الكوسمولوجيا" باللاعلمانية لموضوع، "حقيقتين" محمولهما مثقل بالألقاب العلمية، ولعل تلك مدعاة ـ حقا ـ لتوهم ذاتي للتعرف على مجهولين، يحتاج كل منهما الى تفكير، وتعقل قبل حصر الحقائق بمنهجي التجريبية بحاسة ما، والمعاينة الحسية بشاهد ل" مشهودة" أخرى..
وقد يتساءل القارئ بعد هذا المدخل التنظيري عن موضوعي الحقيقة التجريبية، وتلك المشهودة، هل يمكن معرفة الضمير المعطوف على المغيب عمدا لا انسرابا في جبة التنظير الأولي، لتمرين ناجح الى حد ملأ جرة القارئ..ربما؟!