رغم ما يكابده الشعب، من سغب العيش والغلاء، والأوبئة والبطالة، يظل الكلام عن محاربة الفساد، يلاقي استحسانا لدى الشعب؛ بل يفتح آماله المقيدة في عمق المعاناة السرمدية، في أن يصحو على يوم تكون فيه إرادة الحرب على الفساد قوية وصادقة لتقتلع ذلك الغول المستشري في مفاصل الدولة وفي مجمل مناحي الحياة العامة في موريتانيا
الفساد عموما، قصة طويلة بقدر عمر الدولة، ضاربة في الأعماق، دبت كالوباء في الإدارة والسياسة والمجتمع، وأطبقت على الأفق ، وكم هو عظيم يوم يحتفل الشعب بالانتصار على الفساد
لنفهم مدى صعوبة الحرب على الفساد، وأهميتها وضرورتها ايضا، سنحاول على قصر الحول، سبر أغوار الواقع الفاسد في كل تجلياتها وعبر كل شعابه وصعابه..
يعتبر الكثيرون أن الفساد ظاهر وسهل، وهو فساد الإدارة وصعوبة الخدمات الادارية لمرتاديها من المواطنين، وبالمحصلة فساد المسئولين، فهل الإدارة أفسدت المسئول أم المسئول أفسد الإدارة؟!
جدلية حيرتنا، لأسباب عدم وجود دراسة واضحة ومعايير شفاف للإحاطة بواقع الفساد، فليس من المنطقي أن يحارب الفساد دون معرفته ومعرفة أسبابه مجتمعة
الفساد يا من تحاربون الفساد، هو وليدة الانتهازية السياسية والزبونية المجتمعية والأطماع المادية، لذلك هو حالة وبائية كبيرة ومتعددة الجذور، ولا بد من محاربتها على كافة المستويات، وخصوصا في العقليات، حتى ينتشر الوعي بها وبضرورة محاربتها، قبل ذلك لن تكون حروب الفساد إلا حروبا خاسرة ولو بنسب متفاوتة.
أولى مسببات الفساد، هو الانتهازية السياسية، والزبونية والعصبية الاجتماعية، حيث تجد مجموعات من الانتهازيين والنفعيين، التغلغل والتسلق في المسؤوليات وبناء شبكات من السماسرة وباعة الخدمات العمومية في كل إدارة، هكذا تشكل أطر الفساد ومن هناك تبدأ محاربته.. الانتهازية السياسية اكثر فسادا من العصبية الاجتماعية، وهما العدوان لهيبة الدولة والمشكلتان للوبيات الدولة العميقة أو الموازية التي تؤثر بقوة على قدرة السلطة القائمة في التحكم وتسيير الشأن العام.
الانتهازية السياسية، تصنع جماعات لصالح حضورها، وتغطي على مجموعات رغم كل المفاسد، حتى تحافظ على وجود ولاءاتها داخل مفاصل الدولة والإدارة، واذا استمرت في الوجود تكون لديها ميلشيات وعصابات وتجار وشركات فتكون كيانات يصعب على السلطة تكييفها..
وكذلك العصبية الاجتماعية تدعم وتحيط بمسئول منها أو مسئولين لتحقيق مآربها الخاصة، وتخلق المحاصصات والجهويات والطائفيات في الإدارة وفي الخطاب العام، وهو ما يتعارض مع هيبة ووحدة وسيادة الدولة
الخلاصة، في هذه الدردشة، انه على الدولة والنظام أن يبادر في الإصلاح من أعماق مسببات الفساد، ونشر وعي شعبي ونخبوي بالفساد ومسبباته وسبل القضاء عليه وعلى حواضنه بكل تجلياتها ومفاهيمها الخاطئة، حينها سيتحقق الحلم، وتصلح الإدارة والمسؤولين، وتكبح قوة الدولة وإرادة السلطة جماح الفساد، وتقوم الانتهازية السياسية التي تفسد لتخلق لنفسها مواقع، وتلك التي تعتبر الدولة مشاع للنفعية لكل فرصة الاستفادة منها على مقاسه..