ذكرت هذ القصة في تدوينة على صفحتي الخاصة ، و هي أنه أيام كنت أستاذا في ثانوية أنواذيبو ، أنشأنا ناديا ثقافيا ، و كان هناك صراع خفي بين الزملاء أساتذة اللغة العربية ، فاقترحت ندوة حول الحداثة في الأدب ، و كان الهدف هو خلق صدام بين الحداثيين و أصحاب الثقافية التقليدية ، و مما أثار موجة عارمة من الضحك ، مداخلة أحد الإخوة مستعرضا ما سماه "مظاهر الحداثة في شعر زهير بن أبي سلمى"
ذكرتني القصة رؤيتي لوزراء يراد منهم الإصلاح من أمثال المهندس يحيى ولد الوقف، و رئيس وزير المياه السابق و اللاحق، و جماعتهما السياسية ، و اللوبي القومي من أيتام الناصرية و اللجان الثورية ، و الجيل الثاني من أبناء الوزراء السابقين و الأبناء بالتبني للوزراء الخارجين من الحكومة ..
لا تكفي نية الإصلاح من أجل الإصلاح ، و لا ينبغي الاستسلام لأفكار السياسيين في تنظيرهم و تخطيطهم للاستحواذ على السلطة ، بالترويج لما يرونه ضامنا لمأمورية ثانية ، و ضامنا لأغلبية برلمانية .
الواقع أن ما كان يتوقعه الموريتانيون من حكومة ما بعد خطاب تخرج دفعة الإداريين هو أن تكون حكومة جديدة تماما و نظيفة تماما ، و لا علاقة لها بركام التاريخ من سياسيي الإيدولوجيا ، و متلوني كل العهود.
انتظرنا خبراء في الاقتصاد و الزراعة و المعادن و الطب و التربية و علم الاجتماع ، و أوجه لا تتصف بانتماء لحساسيات أو أحلاف أو طوائف.
انتظرنا وزراء لم يتم اختيارهم على أساس توازنات قبلية أو عرقية أو طائفية أو إيدولوجية ..
لقد أخرجت لنا في الحكومة أوجه عتيقة معلومة التكوين و التاريخ ، و موميات أنهكت تاريخ البلد بالفضائح المالية و السياسية ، و أشخاص متلونين خبرتهم دهاليز السياسيين ، بمساحيقهم التي تغير ألوانهم مع كل حاكم جديد، و قد خبرهم الناس و خبروا ممارساتهم و نحس حضورهم في الواجهة السياسية للبلد ، و ليست تجربة المرحوم سيدي ولد الشيخ عبد الله ببعيدة .
هناك أوجه جديدة صحيح ، لكنها ظهرت كبدائل لأوجه خرجت لم ترض محركي الأحداث الحاليين في السيتسة الوطنية ، و لقد خرج الشباب لأنه بنشاطه و عنفوانه يهدد مصالح الشيب ، و استبعدت الكفاءات لأنها ستعمل على استبعاد العقبات من الأوجه الممجوجة .
الجميع كان يتوقع حكومة مقنعة ،لأن الخطاب أشار إلى ذلك ، لتظهر اللائحة و تصيب المواطنين بخيبة أمل كبيرة ، و لعل أكبر خيبات الأمل هو هذا البون الشاسع بين المؤمل و ما توحي به خطابات الرئيس و لغته المطئنة الحازمة ، و بين الممارسة الفعلية و أدوات الممارسة التي تقدم للرأي العام .
إنها أول مرة نسمع فيها أن الوزير فلان رفض هذه الوزارة أو تلك ، و أن الوزير علان يأبى عن "تآزر" ، و عن آخر يرفض الخروج من التشكيلة ، و وزير يستجدي عدم تعيين غريمه من مجتمعه ، و عن وزيرة ترفض تنزيل العمل ، و لست أفهم هذه التدرجة من الطيبة التي يعامل بها الرئيس محيطه من المقربين ..
و لا أفهم لماذا يكون الناس مقتنعين بإرادة الإصلاح عند الرئيس ، و يؤمنون بإخلاصه في ذلك ، و كلما حدثت إجراءات تحدث انتكاسة، و يصدم الناس في تجليات ممارسة السلطة ..
لا تخفى خيبة الأمل من الحكومة ، و لا يخفى مستوى الاحتقان الشديد و السخط من مستوى التحكم الذي وصلت إليه جماعة اللوبي القومي التقليدي ، و مستوى تأثيرها على القرارات و حضورها في النظام ، رغم قناعة الناس بحسن نية الرئيس .
و يخشى المواطنون من تحكم هؤلاء أن يعيد تجربة الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله ، و ما شهدته من شد و جذب و صراعات سياسية أدت إلى تغيير النظام .
و الأمر المستغرب لدى الرأي العام أن الأوجه نفسها صاحبة التسريبات المعروفة حول التحقيقات البرلمانية و محالة إفراغها من محتواها ، و هي صاحب التسريبات الأخرى التي عبرت بأعلى ثوت عن تخطيطها للتحكم في الأحداث ، هي نفسها الأوجه التي دفع بها إلى المقدمة كأدوات إصلاح ، و أدوات تغيير ..
يعتقد جميع الموريتانيين أن الحكومة الحالية لن تدوم لأنها لا تلبي الرغبات ، و يرون أنها مجرد حلقة من حلقات عملية تشذيب النظام الهادئة التي يقوم بها ولد الغزواني ، تمهيدا لمسح الطاولة بكل العقبات التي تقف في وجه الإصلاح ، رغم أن هذا الإعتقاد السائد لما يدعم بمعطيات واقعية في الميدان ، و لعل غموض الرجل هو ما يجعلهم يحتفظون بجرعات كبيرة من الأمل الذي لا يزالون ينتظرون تحقيقه..