في معرض كلمته اليوم أمام الفاعلين الاقتصاديين؛ من رجال أعمال وموردين؛ تحدث رئيس الجمهورية بمنتهى الصراحة، تلك الصراحة التي يبدو أنه اختارها نهجا ثابتا في خطاباته وكلماته، ورب كلمة بها كلام قد يؤم، تحدث الرئيس عن جملة من النقاط البارزة والمصيرية في حياة المواطن وديمومة الدولة المتدخلة لا الدولة الحارسة، وذكر أنه لن يقبل أي مضاربة في أسعار المواد الاستهلاكية وأقوات المواطنين تحت أي ظرف، وهذه النقطة بالذات يمكن القول أنها هي أكثر ما يؤرق المواطنين اليوم وزاد تأثيرها في شهر رمضان الكريم الذي يتضاعف فيه الاستهلاك، فكثير من الموردين والمباشرين لتوفير هذه المواد للأسواق المحلية يعتمدون الاحتكار منهجا، وزيادة الأسعار مسلكا للربح، والغريب أن شهر رمضان لا يزيدهم إلا إجهازا على المواطن دون رحمة في شهر الرحمة والتعاطف؛ وهو ما ينبغي مواجهته بحزم من الدولة؛ طبعا لا يخسر التاجر ولكن بالمقابل لا يقتل المواطن بتبديد قداراته بارتفاع الاسعار بشكل خيالي دون مراعاة ظروفه والإحساس بمعاناته، وأكد فخامة الرئيس أنه لا يريد خسارة رجال الأعمال ولا يطلب منهم ذلك؛ لكن عليهم أن يعوا أن هامش الربح ينبغي أن تراعى فيه الظرفية الخاصة التي تمر بها البلاد خصوصا والعالم عموما، وهي ظرفية تستدعي تحمل جزء من التكلفة عن المواطن لا التربح من خلاله.
تمنى رئيس الجمهورية رؤية مشاريع كبرى في الحملة الزراعية المقبلة؛ وهنا أرجو ان يتقبلها الفاعلون بدلالة الرجاء المغلف بالأمر المحتم النفاذ والمؤكد التحقيق؛ لا التوقف على الدلالة الأقرب للتمني والتي يقابلها الكسلان عادة باستحضار؛ ما كل ما يتمنى المرء يدركه.. وهنا يطيب لي بل ويسعدني التذكير بمقال كنت قد كتبته عن ضرورة تدخل فخامة الرئيس ومباشرة الحكومة لتوجيه رجال الأعمال خاصة إلى ولوج مجال الزراعة تحديدا، كان ذلك يوم 14إبريل 2020 تحت عنوان *لنعتبر فنستيقظ ونزرع* وهو موجود على هذا الرابط https://rimnow.net/w/?q=node/11725 أي أنه كتب قبل سنتين من الآن في أوج تأثير الجائحة وفي فترة إغلاق معبر الكركارات؛ أحد أهم روافد استجلاب الخضروات من خارج البلاد؛ وهاهي مقاصد المقال تتحقق بفضل الله وكرمه؛ وهو شيء يثلج الصدر حتى وإن بدا أنه صدفة.
أكد فخامة الرئيس أن الدولة جاهزة لدعم وحماية المستثمرين؛ وتلك رسالة طمأنة تشجع على التوسع في الاستثمار، وزاد التأكيد أن الدولة جاهزة لتنفيذ مشاريع بنى تحتية من شأنها تسهيل المبادرات التجارية والتمكين للاستثمارات بما يضمن لها النجاح، وأظهر فخامة الرئيس أمله الكبير في استمرار رجال الأعمال في تزويد البلاد بما تحتاجه وبأقل هامش للربح؛ وهو تأكيد على مقصد سابق ورد في خطاب الرئيس أو كلمته هذه أكد فيه أن إفلاس التجار مضر وليس بمقصد عنده وكذا خنق المواطنين بارتفاع الأسعار ليس بالأمر المقبول؛ وهنا لا بد من الحزم في المتابعة خاصة من الأجهزة الرقابية لحماية حقوق المستهلك وغيرها من الهيئات والتشكيلات.
فيما يخص الرقابة والتفتيش تحدث فخامة الرئيس عن تفعيل المفتشية العامة للدولة؛ من خلال مراجعة نصوصها وتزويدها بالكفاءات البشرية لتحسين الأداء، وأكد أن التعامل الفوري والمباشر مع تقاريرها سيكون هو العنوان البارز الذي يعلوها كهيئة رقابية؛ وهذا تأكيد جيد يضمن بتفعيله التوازن والاستقامة، ويشاهد في الجانب الآخر تذمر كبير يصل عند بعض مؤيدي الرئيس حد الانتكاسة الذهنية كلما تجددت الثقة في بعض الأسماء التي وردت في تقارير المفتشية والأجهزة الرقابية الأخرى، أما المعارضين للرئيس فيرون في إعادة الثقة لكل مذكور في تحقيق سابق؛ روح الحكم بالفشل على كل ما يذاع رسميا عن محاربة الفساد والقطيعة مع المفسدين.
وفي هذه السنة وبالرغم من تبعات الجائحة وتأثير الحرب الروسية الأكرانية وكذا التحديات الأمنية بمنطقة الساحل وبخصوص موضوع الأعلاف والأسمدة ذكر الرئيس أن الدولة اقتنت ما قيمته 36مليار أوقية قديمة نصفها تتحمله الدولة دون رجوع؛ وهو ما يستدعي التذكير بضرورة مراعاة الشفافية في التوزيع لأن كثيرا من المستهدفين سيحاول دائما مصاحبة هذا النوع من التدخلات بتحريك النفوذ لبسط هيمنته والاحتواء ما أمكن على حقوق الآخرين وحيازة نصيب الأسد بشتى الطرق الظاهرة والخفية.
وفي نقطة جد مهمة ذكر فخامته أن الدولة حافظت على ثبات أسعار المحروقات رغم ارتفاعها عالميا وقال إن تكلفة ذلك بلغت 73مليار أوقية قديمة؛ 46مليار منها لدعم المحروقات و27 مليار لدعم الغاز المنزلي.
وفي مواجهة كورونا وما ترتب على جائحته من تحديات صحية قال الرئيس إن الدولة أنفقت 12مليار أوقية في توفير الأدوية والتجهيزات الطبية وكذا التكفل بالمصابين، وأكد أن الحكومة تدخلت للحد من الأزمات بدرجة كبيرة منعت من استفحال التأثير السلبي لكل هذه الأزمات.
وفي البرامج الاجتماعية الطموحة ذكر الرئيس أن الدولة أطلقت برنامجا واسعا للتحويلات المالية شمل 396 ألف أسرة فقيرة بتكلفة 744مليون اوقية جديدة.
وكذا تحملت الدولة المياه والكهرباء لمدة شهرين بتكلفة 310 مليون أوقية جديدة استفاد منها 2055 تجمع قروي و 192 ألف أسرة في الوسط الحضري، وبلغت الإعفاءات الضريبية لبعض الأنشطة المدعومة؛ ضرورة زمن الجائحة 586 مليون أوقية جديدة، وذكر أن دعم الفئات الهشة من خلال مضاعفة تعويضات التقاعد والتكفل بمرضى السرطان ومرضى الفشل الكلوي، وصرفت إعانات شهرية لمساعدة هذه الفئات في التنقل إلى المستشفيات والمراكز الصحية، والتكفل بالتأمين الصحي ل 620 ألف شخص؛ وصلت تكلفة هذه الأنشطة إلى 7 مليارات قديمة، وذكر الرئيس أنه تمت برمجة أنشطة بقيمة 3,1 مليار أوقية جديدة على ميزانية صندوق كورونا برسم السنة المالية 2022 وأشار إلى أن فاتورة تكلفة الخزينة العامة للدولة من مواجهة الأزمات خلال السنتين الماضيتين والسنة الحالية يصل إلى ما يقارب 280مليار أوقية قديمة 226 مليار منها نفقة نهائية أي غير معادة، وهي أرقام تعكس حجم التدخل وقوة تأثير الجائحة؛ فلو أنها لم تكن تضرب العالم بأسره ووجهت هذه الطاقات إلى مشاريع إنتاجية مع حكامة رشيدة وتسيير حسن لكانت البلاد قطعت أشواطا في مسار الإقلاع المنشود.
وفي ما يخص تفعيل المركزية لشراء الأغذية قال الرئيس إنها اقتنت لحد الآن قيمة 48 مليار أوقية قديمة تتكفل الدولة ب 31 مليار منها والباقي أي 17 مليار هو فقط العائد من المبيعات، وأكد أن الدولة استوردت 100 ألف طن من القمح وصلت منها 75 ألف طن في هذه الظرفية التي تتميز بالعديد من الأزمات العالمية؛ وطبعا لا تخفى أهمية هذه الهيئة في ضبط توازن الأسعار؛ وهو ما يستدعي ضرورة حضورها الفعال في ضبط السوق من خلال توفير الحاجة الوطنية من المواد الاستهلاكية الضرورية، وأكد الرئيس أن وصول هذه الكميات أظهر ضعف القدرات التخزينية وكذا النقل والشحن والتفريغ؛ أما الإنتاج فهو من الضعف بمكان، وطبعا لا مناص من تغيير هذا الواقع نحو الأفضل؛ إذا نحن أردنا الحياة، وعلينا أن نشمر عن سواعد البذل والعطاء ونحسن التوجه، وتتكاتف جهودنا قمة وقاعدة، فقراء وأغنياء، فاعلين ومفعولين.
وذكر رئيس الجمهورية بعلاوة صرفت على خريجي الجامعات والمعاهد لمدة ستة أشهر كلفت خزينة الدولة مليارين وخمسمائة مليون أوقية قديمة؛ وهي حسنة ينبغي أن تستمر وتتسع دائرة انتشارها.
أما عن الرسائل الإيجابية المعلنة من طرف رجال الأعمال فقد تم عرض 40 مشروعا إنمائيا في مجالات الزراعة والصيد والتنمية الحيوانية والصناعة والبنية التحتية، وتحدث بعض رجال الأعمال عن إقامة مصانع محلية صغيرة ومتوسطة و أبانوا عن قدرات ينبغي تأطيرها رسميا بسرعة كبيرة، ومما ورد على لسان كبار رجال المال والأعمال في البلاد أيضا ما يلي:
- ما أكده رئيس اتحاد أرباب العمل عن عدم وجود نقص في التموين؛ ووجود فائض على الحاجة مما يستدعي مواجهة الاحتكار والمضاربة والاضطراب في الأسعار؛ ومن المهم الانتباه للمطلب الرئيسي الوارد عنه بضرورة مراجعة قانون الاستثمار وإشراك القطاع الخاص في إعداد قانون المالية طبعا وفق النظم القانونية التي تضمن كامل سيادة القطاع الوصي والمنظم؛ وأشار إلى ضرورة تفعيل المقرر الخاص بتنظيم قطاع المخابز، وطالب رئيس الجمهورية بإقامة لجنة للمتابعة برئاسة وإشراف مباشر من فخامة الرئيس، وطالب بإنشاء سلطة عليا للزراعة.
رجل الأعمال ولد انويكظ الذي أطلق قرارا بتنفيذ مجموعته مشاريع منها: مستودع للنفط بنواكشوط (50 ألف طن) ومشروع زراعة 20 ألف هكتار من القمح بروصو؛ وهنا يجب التذكير أن التجارب التي أقيمت سابقا على زراعة القمح أعطت نتائج مضاعفة مما يعطي جرعة تشجيع للاستثمار في زراعة هذه المادة الضرورية جدا في مجال الأمن الغذائي، وذكر رجل الأعمال ولد انوايكظ أنهم مستعدون لزراعة 50هكتار من الطماطم على طريق انواذيبو قرب بلنوار وهي المنطقة التي تحوي بحيرة جوفية عذبة ظلت هي مصدر الندى لمدينة انواذيبو والمنطقة بأكملها ومع ذلك تعاني من عدم وجود مشاريع من هذا القبيل تنتشل شباب هذه المنطقة من الضياع ومطاردة الحديد البالي على جنبات السكة الحديدية والذي يشكل الشغل الوحيد لهم رغم عدم سماح شركة اسنيم بذلك رسميا وإن كانت بعض الأيادي الخفية المحسوبة عليها تلعب معهم بالبيضة والحجر، المهم أن مشروعات كهذا في تلك المنطقة سيحد من تأثيرات الفراغ، ويوفر فرصا للعمل كانت منتظرة بفارغ الصبر ومنتهى الحاجة، ومن المشاريع التي أعلن عنها وحدة لإنتاج الأعلاف (150) هكتار واقترح إنشاء مصنع تكرير ومعالجة الذهب بالتعاون مع الدولة وبعض الشركاء الأجانب، ومعروف أن هذا المجال الذي يستقبل الآن أكثر الموريتانيين ما زال يحتاج إلى التنظيم وتقنين الأنشطة حتى يعود بالنفع العام على الوطن بأكمله.
أما رجل الأعمال سيد محمد ولد غدة فقد أعلن أن مجموعته قررت زراعة أكثر من 2000 هكتار منها 400 هكتار مخصصة للخضروات، بالإضافة إلى مصنع للبلاستيك في روصو؛ هذا مع مشروع مصنع لغاز البوتان، ومصنع لمعالجة الأسماك بتانيب؛ وكلها مشاريع هامة جدا لكنها بدون التأطير الفعلي والملازمة الرسمية لها وضرورة توجيهها إلى المستهلك بأحسن صورة تضمن استفادة المواطنين منها بأسلوب الإعانة مع مراعاة استمرار ونضج وديمومة هذه المشاريع بضمان هامش الربح الذي يحافظ على بقاء ونماء العطاء.
وذكر رجل الأعمال محمد الراظي ولد بناهي أنهم يعملون على إنشاء مشروعين بنواذيبو؛ مشروع لبواخر الصيد التقليدي وآخر لتخزين السمك بقدرة 1200طن شهريا، وهذا مهم جدا لامتصاص البطالة ولتوفير مادة السمك التي يمكنها أن تسهم بشكل كبير في الاكتفاء الذاتي من الأغذية ذات الرهان الصحي.
أما رجل الأعمال محمد ولد اشريف؛ فقد أكد أنهم جاهزون لإنجاز مشروع زراعي بحوالي 50هكتار بروصو وكذا إنشاء مشروع وحدة لمعالجة الأسماك بنواذيبو(صردين)، وتحدث رجال أعمال آخرين وكشفوا عن مشاريع هي الأخرى جديرة بالمتابعة والاهتمام.
أخيرا يمكن القول أن هذه المشاريع المعلنة وهذا التوجه الرسمي نحو الزراعة والاعتماد على الصناعة والاستثمار المحلي، كل ذلك هو عين الاستثمار الذي ينبغي أن يصان وتبذل فيه كل الطاقات والجهود مع إحكام الرقابة والمتابعة.