يوم الفرقان ١٧ من رمضان، ذكرى أعظم غزوات الإسلام؛ إذ بها كان ظهوره وبعد وقوعها أشرق على الآفاق نوره، فقد نصر الله تعالى نبيه الأمين صلوات الله وسلامه عليه، وعباده المؤمنين، رغم قلة العدد والعدة والعتاد، ولكن الفئة المؤمنة الصابرة ثبتت وأيقنت بوعد الله الصادق، ونجحت في امتحان الإيمان، وحصلت على درجة المشاركة في أم المعارك، ولذا سميت معركة الفرقان التي فرق الله بها بين الحق والباطل، وشرف الجهاد في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أهم وقعة حضرها، ونالوا مغفرة الله ورضوانه، وأطلق عليهم لقب” البدريون”.
وفي الحديث الصحيح:
{ فَقالَ: ما يُدْرِيكَ، لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ على أَهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ}.صحيح البخاري.
ويستشف من وقائعها الكثير من الدروس والعبر التي يستفيد منها المؤمن في التثبيت على الطريق المستقيم في خضم معركة الحياة المليئة بالشبهات والشهوات، وتتقوى بها عزيمته على السير في طريق التمسك بسنة الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، ويشحذ قلبه بشحنة إيمانية يفتقدها في واقع مادي يعمي البصائر قبل الأبصار، وتشكل نبراسا ينير له دربه، في ليل بهيم حالك لا منجاة من ظلمته إلا بحسن الاتباع، ومعاهدة سيرة النبي المعصوم صلوات الله وسلامه عليه، عسى أن يقتبس من أنوارها، ويترقى في معارج أسرارها.
وقد جمعت بعضا من الدرر النفيسة من كتب السيرة النبوية المطهرة وغيرها من أسفار التفسير، وأذكر بعضا من الحقائق والوقائع والدروس والعبر على سبيل المثال لا الحصر؛
_ وقوع المعركة في شهر رمضان ويوم الجمعة ليجتمع لها شرف الزمانين الشهر واليوم، يقول القرطبي؛ "كَانَتْ بَدْرٌ يَوْمَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ، يَوْمَ جُمُعَةٍ لِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ". الجامع لأحكام القرآن.
_ اتخاذ القرارات الاقتصادية ذات البعد الاستراتيجي المبني على استقطاب الموارد وتحقيق التوازن؛
حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة
لم يكن في نيته قتال، وإنما كان قصده عير قريش
التي كانت فيها أموالٌ كان جزءٌ منها للمهاجرين المسلمين من أهل مكة، وقد استولت عليها قريش ظلما وعدوانا. السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث.
– أن النصر من عند الله تعالى:
《 وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرࣲ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةࣱۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ》. ( آل عمران).
_ ذكر الله تعالى في مواطن البأس؛ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٤٥﴾.( الأنفال).
_ الرد بالمثل ودفع الإيذاء بعد الصبر المأمور به أول الأمر: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأنَّهم ظُلِمُوا وإنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لِقَدِيرٌ﴾.( الحج).
"كان المسلمون في أول الإسلام ممنوعين من قتال الكفار، ومأمورين بالصبر عليهم، لحكمة إلهية، فلما هاجروا إلى المدينة، وأوذوا، وحصل لهم منعة وقوة، أذن لهم بالقتال، قال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ﴾ يفهم منه أنهم كانوا قبل ممنوعين، فأذن الله لهم بقتال الذين يقاتلون، وإنما أذن لهم، لأنهم ظلموا، بمنعهم من دينهم، وأذيتهم عليه، وإخراجهم من ديارهم.﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ فليستنصروه، وليستعينوا به". تفسير السعدي.
_ الأمر بطاعة الله ورسوله وتوحيد الصف واجتماع الكلمة والصبر والنهي عن التنازع؛﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ٤٦﴾.( الأنفال).
_ خضوع أحكام القتال للسياسة الشرعية، بدليل الإذن في الآية، لأن أمره محمول على توفر شروطه واقتضاء مصلحته وتحقق القدرة عليه.
_ التشاور ولو تعلق الأمر بالأمور العظام؛ { فتَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ، فأحسنَ ثمَّ تَكَلَّمَ مَن تَكَلَّمَ منَ الصَّحابةِ منَ المُهاجرينَ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: أشيروا عليَّ }. عمدة التفسير، [أشار في المقدمة إلى صحته].
_ أن المعول عليه هو قوة الإيمان، فالذلة لم تمنع من تحقيق النصر؛
"الذلة هي قلة عَددهم وضعف عُددهم؛ كانوا يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، ولم يكن لهم إلاّ فرس واحد، وكان المشركون ما بين التسعمائة والألف، وكان معهم مائة فرس. فقتل من المشركين سبعون وأسر منهم سبعون وانهزم سائرهم". ابن جزي الغرناطي.
_ العناية بتمريض الزوجة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بالمكث في المدينة المنورة لتمريض زوجه رقية - رضي الله عنها- بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما-: {فأتانا الخبرُ حين سَوَّيْنا الترابَ على رُقَيَّةَ بنتِ رسولِ اللهِ، وكان زوجُها عثمانُ بنُ عَفّانَ قد احتَبَس عندها يُمَرِّضُها بأمرِه، وضرب رسولُ اللهِ له بسَهْمِه وأجرِه في بدرٍ}.
أخرجه ابن إسحق معلقا كما في «السيرة» لابن هشام مختصرا باختلاف يسير، وأخرجه موصولا البيهقي مطولا بنحوه، وغيره في فقه السيرة.
– أهمية الضغط الاقتصادي على العدو، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد عير قريش: فعن عبدالله بن عباس: {قال الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأصحابِه: هذه عيرُ قُريشٍ، فيها أموالُهم، فاخرُجوا إليها، لعلَّ اللهَ يُنفِلُكُموها}. فقه السيرة، صحيح.
_ أهمية القوة المادية لتمويل النفقات العامة؛ {لعلَّ اللهَ يُنفِلُكُموها}. فقه السيرة، صحيح.
– أن الخيرة في ما اختاره الله تعالى؛ فقد خرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريدون العير، فأراد الله النفير، ولقاء ذات الشوكة، إحقاقا للحق وإبطالا للباطل؛
﴿وَإِذۡ یَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحۡدَى ٱلطَّاۤىِٕفَتَیۡنِ أَنَّهَا لَكُمۡ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَیۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ وَیُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦ وَیَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ (٧) لِیُحِقَّ ٱلۡحَقَّ وَیُبۡطِلَ ٱلۡبَـٰطِلَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ (٨)﴾. ( الأنفال).
– تفاوت القوم في الاستجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخف قوم وثقل آخرون، وهذا حال الناس حين وقوع البأس : {فابْتَعَثَ مِمَّنْ مَعَهُ مَن خَفَّ، وثَقُلَ قَوْمٌ وَكَرِهُوا الخُرُوجَ، وأسْرَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يَلْوِي عَلى مَن تَعَذَّرَ، ولا يَنْتَظِرُ مَن غابَ ظَهْرُهُ، فَسارَ في ثَلاثِمِائَةٍ وثَلاثَةَ عَشَرَ مِن أصْحابِهِ بَيْنَ مُهاجِرِيٍّ وأنْصارِيٍّ، وقَدْ ظَنَّ الناسُ بِأجْمَعِهِمْ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يَلْقى حَرْبًا فَلَمْ يَكْثُرِ اسْتِعْدادُهُم}. نور اليقين في سيرة سيد المرسلين.
وفي هذا إشارة إلى أهمية المبادرة والسرعة في اتخاذ القرارات، ودخول المعارك بمن حضر واستعد، وعدم التعويل على المثبطين، والمتخاذلين، والمرجفين.
– أن الثبات على المبدأ في المعارك الفاصلة، يرفع الدرجة، ويحقق المكانة العالية، ومن قبله يأتي التمكين؛ فقال سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنه:” كأنك تريدنا يا رسول الله؟، فقال: أجل، فقال سعد: قد آمنا بك وصدقناك وأعطيناك عهودنا فامض لما أمرك الله فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك وما نكره أن تلقى العدو بنا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله، فأشرق وجه النبي صلى الله عليه وسلم وسر بذلك…”. السيرة النبوية لابن هشام.
– معرفة قدرات العدو، يعين على المواجهة: { فقال رسولُ اللهِ: القومُ ما بينَ التِّسعمائةِ إلى الأَلفِ}. فقه السيرة، وهذا إسناد صحيح لكنه مرسل. وقد رواه أحمد دون قوله: ثم قال لهما.. وسنده صحيح، ورواه مسلم مختصرا.
_ تحديد مواطن قوة الخصم وحسن التقدير والتدبير.
– أهمية الصبر عند الشدائد؛ ثم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض الناس على الثبات والصبر وكان فيما قال:{ وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله به الهم وينجي به من الغم}. نور اليقين في سيرة سيد المرسلين.
– أن الدعاء سلاح المؤمن؛ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا يدعوا ربه حتى انحسر رداؤه الشريف، فعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه-: ما سمعْنا مناشدًا ينشدُ ضالَّةً أشدَّ مناشدةً من محمدٍ لربِّهِ يومَ بدرٍ:{ اللَّهمَّ إني أنشدُك ما وعدْتَنِي}. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، إسناده حسن، أخرجه الطبراني، وأبو الشيخ في «ذكر الأقران» باختلاف يسير.
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه واقف خلفه، يقول:” حسبك فإن الله سينجز لك وعده..”.
– بركة الجسد الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم؛ قصة سواد بن غزية؛
{ قال فكشف رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن بطنِه وقال استقِدْ قال فاعتنقَه فقبَّل بطنَه فقال ما حملكَ على هذا يا سوادُ قال يا رسولَ اللهِ حضَر ما ترى فأردتُ أن يكون آخرُ العهدِ بك أن يمَسَّ جلدي جلدَك فدعا له رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بخيرٍ وقال له استوِ يا سوادُ}. السلسلة الصحيحة، إسناده حسن.
– عدل النبي صلى الله عليه وسلم:{استقد يا سواد}.
– نزول الملائكة يوم بدر، دليل على نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ونصر الله ينصر به من يشاء:
《 إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ أَلَن یَكۡفِیَكُمۡ أَن یُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَـٰثَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُنزَلِینَ (١٢٤) بَلَىٰۤۚ إِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ وَیَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَـٰذَا یُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُسَوِّمِینَ》. ( آل عمران).
– أن الامتحان يظهر صدق المعدن؛ قال المقداد بن الأسود رضي الله عنه:” يا رسول امض لما أمرك الله فوالله لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى:《 إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون》، ولكن نقول إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والله لو سرت بنا إلى برك الغماد، لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. والَّذي بَعثَكَ بالحقِّ لو ضَرَبتَ أَكْبادَها إلى بِرَكِ الغِمادِ لاتَّبعناكَ". أحمد شاكر ، عمدة التفسير [أشار في المقدمة إلى صحته]. أخرجه أحمد، والنسائي في «الكبرى»، والبزار باختلاف يسير.
_ ثبات الأنصار؛ { قال لهُ سعدُ بنُ معاذٍ واللهِ لكأنَّكَ تريدنا يا رسولَ اللهِ قال أجل قال فقد آمنّا بك وصدَّقناكَ وشهدنا أنَّ ما جئتَ بهِ هوَ الحقُّ وأعطيناكَ على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمعِ والطاعةِ لكَ فامضِ يا رسولَ اللهِ لما أردتَ فنحنُ معك فو الذي بعثكَ بالحقِّ لو استعرضتَ بنا البحرَ فخضْتَه لخُضْناهُ معكَ ما تخلَّفَ منا رجلٌ واحدٌ وما نكرَهُ أن تَلْقى بنا عدوَّنا غدًا إنّا لصبرٌ في الحربِ صدقٌ عندَ اللقاءِ لعل اللهَ يُرِيَكَ منا ما تقَرُّ بهِ عينُك فسِرْ على بركةِ اللهِ قال فسُرَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بقولِ سعدٍ ونشطِه ثم قال سيروا وأبشروا فإنَّ اللهَ قد وعدني إحدى الطائفتينِ واللهِ لكأني الآن أنظرُ إلى مَصارِعِ القومِ}. ابن كثير، البداية والنهاية، أخرجه الطبري في تاريخه.
– أن الحيطة والحذر والأخذ بالأسباب واجب لتحقيق أهداف المعركة؛ ومنه تقصي أخبار العدو، فقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدي بن أبي الزغباء وبسبس بن عمرو الجهني، طليعة يوم بدر، فرجعا له بخبر القافلة.
– أن مجاهدة النفس وتحمل الشدائد في أوقات الصعاب يشترك فيه القائد والجند، فقد تعاقب النبي صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبي لبابة رضي الله عنه على بعير واحد، ويأبى أن يؤثراه، فعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه-:{ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان زَميلَه يومَ بَدرٍ عليٌّ وأبو لُبابةَ، فإذا حانتْ عُقْبةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قالا: اركَبْ يا رسولَ اللهِ حتى نَمشيَ عنك، فيقولُ: ما أنتما بأقوى منِّي، ولا أنا بأغنى عن الأجرِ منكما}. تخريج المسند، إسناده حسن، أخرجه النسائي في «السنن الكبرى»، وأحمد واللفظ له.
– أن الرأي والمشورة سنة نبوية حميدة، ومبدأ أصيل، ينبغي تعويد الأمة على ممارسته، خاصة في أوقات الشدة، وفي المعارك المصيرية للأمة؛ فقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأخذ بمشورة الحباب بن المنذر رضي الله عنه بشأن ماء بدر؛ فقد ذكر ابن العربي:" أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لأصحابهِ: أشيروا عليَّ في المنزلِ، فقال الحُبابُ بنُ المُنذِرِ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أرأيتَ هذا المنزِلَ أمنزِلٌ أنزَلَكَه اللهُ ليس لنا أن نتقدَّمَه ولا نتأخَّرَه؟ أم هو الرَّأيُ والحَربُ والمكيدَةُ؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بل هو الرَّأيُ والحَربُ والمكيدَةُ. قال: فإن هذا ليس بمنزِلٍ، انطلِقْ بنا إلى أدنى ماءِ القومِ..". أحكام القرآن. ثابت.
_ سؤال أهل التخصص والأخذ بالرأي في أمور تدبير الشؤون الدنيوية.
_الفروق بين أنواع التصرفات النبوية التشريعية.
– التعامل بالتسليم والرضا بحكم الله تعالى في الأوامر والنواهي والأحكام، والتخطيط وإعمال العقل والفكر في تدبير الشؤون الدنيوية؛ قال الحباب بن المنذر رضي الله عنه: “يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟”، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بل هو الرأي والحرب والمكيدة}.
– قيام النبي صلى الله عليه وسلم على دفن قتلى المعركة، وكان من سننه صلى الله عليه وسلم في مغازيه إذا مر بجيفة إنسان أمر بها فدفنت لا يسأل عنه مؤمنا أو كافرا، تكريما للأموات، ومحافظة على عورة الإنسان من حيث هو إنسان، يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم احترام الكرامة الإنسانية للجميع.
– وصول رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشرين بالنصر لأهل المدينة وقت انصرافهم من دفن رقية رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه، واجتماع الفرح بالنصر مع حزن على الفراق، وهي سنة الله تعالى في خلقه؛ أن أيام الله تعالى يومان؛ يوم شكر على النعمة، ويوم صبر على المصاب، وقد يجمع بينهما للتمحيص.
– قيمة ومكانة الزوجة في الإسلام كما ورد؛ فقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان رضي الله عنه ولم يحضر بدرا فقد خلفه على زوجه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرضها.
– قيمة الوفاء في فداء أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أسر يوم بدر، فأرسلت زينب رضي الله عنها في فدائه قلادة لها كانت حلتها بها أمها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، ليلة عرسها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك القلادة رق لها رقة شديدة وقال لأصحابه:{ إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا لها قلادتها فافعلوا}، فرضي الأصحاب بذلك فأطلقه عليه السلام على أن يترك زينب تهاجر إلى المدينة…، وقد أسلم أبو العاص بن الربيع قبيل الفتح ورد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها بالنكاح الأول.
– العدل ولو على النفس والأقربين؛ شفقة النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤيته قلادة خديجة رضي الله عنها، لم تكن باعثا على إتخاذ قرار إطلاق سراح أبي العاص بن الربيع زوج بنته زينب رضي الله عنها، بل ترك الأمر للأصحاب رضوان الله عليهم.
– مكانة العلم والتعليم في الإسلام؛ إطلاق الأسير مقابل تعليم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة؛ الفكاك من قيود الجهل يناسبه، فكاك من قيود الأسر، ولو مع عدم دخول الإسلام، تقديرا لقيمة العلم.
– إخبار النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الحوادث التي لم يطلع عليها أحد غير أصحابها فيه دلالة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم؛ من ذلك ما عاهد عليه عمير الجمحي صفوان بن أمية، وكذا ما وقع مع العباس بن عبد المطلب وام الفضل، وأطلع الله تعالى عليه نبيه صلى الله عليه وسلم.
– اعتبار الإجتهاد المبني على النظر الصحيح؛ العتاب في أخذ الفداء دون المعاقبة.
_ ضبط الاجتهاد واعتبار المصلحة والمناسبة والحال.
– إعفاء الفقراء من الأسرى من أخذ الفداء، تنبيها على أن المقصد من أخذه استنزاف موارد العدو.
– وعد الله تعالى الأسرى الذين يعلم في قلوبهم خيرا بأن يؤتيهم خيرا من ما أخذ منهم ويغفر لهم، رحمة منه وفضلا، فالأمر قد يكون في ظاهره شدة وينطوي على الخير العميم والسعادة الأبدية، قال الله تعالى: 《 يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٧٠》. ( الأنفال).
– العفو عند المقدرة والرحمة بالضعفاء؛ فقد أسر الشاعر أبو عزة الجمحي، وكان شديد الإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فلما أسر قال: يا محمد إني فقير وذو عيال وذو حاجة قد عرفتها فامنن علي، فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تفضلا منه.
– ومن الأسرى سهيل بن عمرو وكان من خطباء قريش وفصحائها وطالما آذى النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:” دعني أنزع ثنيتي سهيل يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا”، فقال علية السلام:{ لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبيا وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه}.
هذا وقد تحقق خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في سهيل فقد ثبت أيام ارتداد الناس، وقام خطيبا في أهل مكة…، فتراجع الناس، وكان هذا الخبر معجزة من معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم.
وفي ترك التمثيل به اعتبار الشرع الحنيف للكرامة الإنسانية، وحماية حقوق الإنسان، وتكريم بني آدم.
_ تجديد مصادر الدخل، وتحسين الحال المادي واعتبارها من عوامل توجيه المصالح العامة؛ الغنائم، الفداء..
_ إحراز مكانة سياسية واكتساب موقع فاعل في الجوار وفرض شروط جديدة للتفاوض؛ فداء الأسرى.
_ حسن معاملة الأسرى ورد أموال من أراد الإيمان؛
﴿إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً﴾ أي إن علم في قلوبكم إيماناً جبر عليكم ما أخذ منكم من الفدية، قال العباس: فيّ نزلت وكان قد افتدى يوم بدر، ثم أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المال ما لا يقدر أن يحمله، فقال: قد أعطاني الله خيراً مما أخذ مني، وأنا أرجو أن يغفر لي". تفسير ابن جزي.
_ المن على بعض الأسرى الذين يرجى فيهم الخير؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه-:
{ أنَّ ثمامةَ الحنفيَّ أُسِر فكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يعودُ إليه فيقولُ: {ما عندَك يا ثُمامةُ}؟ فيقولُ: إنْ تقتُلْ تقتُلْ ذا دمٍ وإنْ تمُنَّ تمُنَّ على شاكرٍ وإنْ تُرِدِ المالَ تُعْطَ ما شِئْتَ قال: فكان أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يُحبُّونَ الفداءَ ويقولونَ: ما نصنَعُ بقتلِ هذا فمرَّ به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يومًا فأسلَم فبعَث به إلى حائطِ أبي طلحةَ فأمَره أنْ يغتسلَ فاغتسَل وصلّى ركعتينِ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {لقد حسُن إسلامُ صاحبِكم}. ابن حبان، أخرجه في صحيحه.
_تمخَّضت عن غزوة بدر عدة نتائج نافعةٍ بالنسبة للمسلمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا الله أنت أستغفرك وأتوب إليك.