النشر الالكتروني شرط في تطبيق مبدأ لا عذر الأحد في جهل القانون / سعيد ولد محمد عبد الرحمن

altإن الثورة الالكترونية،  فرضت نفسها على جميع المجالات،  فأصبحت حاضرة في أدق تفاصيل حياتنا اليومية، ولما كنت هذه ، أي حياتنا محكومة بمجموعة من القواعد القانونية ، التي يجب الخضوع لها، ولا يمكن التذرع بجهلها كقاعدة عامة ، كان من اللا زم مراعاة هذه التطورات على مستوى نشر هذه القوانين ، من أجل مسايرة تلك التطورات.

إن القاعدة القانونية   باعتبار الإلزامية أهم خصائصها كان لابد من أن تحاط بكافة الضمانات التي تمنع التهرب من هذه الالزامية ، فكانت قاعدة لا عذر لأحد  بجهل  القانون .

إن هذه القاعدة أقرتها أغلب دساتير الدول التي من ضمنها موريتانيا طبعا، حيث نص الدستور الموريتاني لسنة 1991 المعدل 2006 و2012 في مادته 17على ما يلي "لا عذر لأحد في جهل القانون" .

لكن هذه القاعدة لا يمكن تطبيقها بشكل اعتباطي ، وإنما  تحكمها مجموعة من القواعد التي يجب توفرها  من أجل تطبيقها، وتتمثل هذه القواعد في :

 الإصدار: و هو مرحلة (إجراء) تسبق نشر القانون. والمقصود به هو إصدار النص القانوني من الجهة  المختصة قانون بإصداره ، وهذه الجهة في موريتانيا هي رئيس الجمهورية الذي يختص بإصدار القوانين ، بعد مصادقة البرلمان عليها، والهدف منه هو إعطاء الامر للجهات المكلفة بتنفيذ القانون  بأنه أصبح قابلا للتنفيذ .

ويتم إصدار القانون في موريتانيا بعبارة " بعد مصادقة الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ على القانون رقم كذا...؟ فإن رئيس الجمهورية يصدر القانون التالي...؟ ".

أما بالنسبة للنصوص التنظيمية (المراسيم والقرارات والمقررات) فإنها لا تحتاج إلى الإصدار حيث يجوز للسلطة الادارية التي أصدرتها تطبيقها مباشره ،   لكنها لا تكون سارية في حق الافراد إلا بعد علمهم بها.

 النشر  يعتبر النشر عملا ماديا، يأتي بعد الإصدار،و الغرض منه إيجاد وسيلة منتظمة ، من أجل إعلام المواطنين بالقانون  .

فالنشر إجراء لازم لكي يكون القانون ساري المفعول في مواجهة كافة الأشخاص و لن يكون كذلك إلا بإعلانه للعامة و ذلك عن طريق نشره بالجريدة الرسمية و بمجرد النشر يعتبر العلم به مفترضا لدى الكافة ، حتى بالنسبة لمن لم يطلع عليه بالجريدة الرسمية أو بالصحف اليومية أو عن طريق الإذاعة و غيرها من وسائل الإعلام (طبقا لمبدأ لا يعذر أحد يجهل القانون).

لكن هذه القاعدة يجب ملا ئمتها مع التطورات الجديدة في مجال التكنولوجيا، حيث يجب أن يتم نشر القانون على موقع الجريدة الرسمية على الانترنت ، كآلية الاعلام المواطنين بالقانون ، والتي بدونها لا يمكن تطبيق مبدأ  (لا عذر لأحد في جهل القانون)، وذلك نتيجة المركز الذي أصبح يحتله الاعلام الالكتروني ، ونتيجة سرعة ،وشساعة الاطلاع عليه ، من طرف المواطنين.

إن هذه العملية أصبحت تتبناها الكثير من الدول ، ومنها المملكة المغربية ، حيث تتوفر الجريدة الرسمية المغربية على موقع يشمل جميع أعدادها، ويمكن الاطلاع عليها بشكل سريع وسهل وموثق وآمن بشكل لايسمح بعملية التزوير.

إن  موريتانيا أصبحت مطالبة وبشكل سريع بالتباع نفس التجربة ، وفتح موقع للجريدة الرسمية ، ونشر كل الأعداد السابقة علية ، بالإضافة الاعداد المستقبلية طبعا.

إن هذه العملية  من شأنها تحقيق أهداف عديدة ، أهمها مالـــــــــــــــــــــــــــــي :

 

أولا  : دعم دولة القانون وترسيخ  الثقافة القانونية :إن ترسيخ دولة القانون ، الذي هو شعار  جميع الانظمة ، لا يمكن أن يتحقق إلا في ظروف تسمح للمواطنين ، بالوصول إلى القانون ، لمعرفة واجباتهم وحقوقهم ،الشيء الذي من شأنه أن ينعكس إيجابا على الدولة من أوجه عديدة ، فمعرفة القانون من شأنها  التقليص من عدم مخالفة الافراد له، وما يترتب على  ذلك من عدم إثقال كاهل الدولة بالنزاعات ، التي سببها هو مخالفة القانون وغالبا ما يكون نتيجة الجهل به.

ثانيا : تحقيق الشفافية : إن عملية النشر الالكتروني هذه من شأنها أن تحقق  الشفافية الحقيقة ، التي يقصد بها التدفق الحر للمعلومات ، وإمكانية الاطلاع عليها من طرف العامة بكل حرية ، وهذا ما يحققه النشر الالكتروني.  

ثالثا : دعم البحث العلمي : إن النشر الالكتروني أيضا من شأنه أن يدعم البحث العلمي ، وذلك من خلال إتاحة الاطلاع على النصوص القانونية و التنظيمية المختلفة ، التي تعتبر عنصرا مهما  في البحث العلمي عموما ، والحقوقي خصوصا ، وذلك بشكل يضمن الاطلاع بكل حرية وسهولة ، بعيدا عن التعقيد والبطئ الذين يطبعان الطرق التقليدية للحصول على النصوص القانونية ، والتي مازالت   للأسف هي المعتمدة في بلادنا.

وبالتالي فإن تبني النشر الالكتروني ، من خلال إنشاء موقع للجريدة الرسمية ، للجمهورية الاسلامية  الموريتانية ، أمر أصبح ملحا بشكل  كبير ، وعلى الجهات المعنية الاسراع في تنفيذه تحقيقا للأهداف السابقة الذكر.فهل يا تري ستستجيب الجهات المعنية لذلك ؟

 

سعيد ولد محمد عبد الرحمن  طالب باحث ـ جامعة محمد الخامس ـ الرباط

 

25. فبراير 2013 - 10:01

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا