انتهز المسلمون إبان حكم الوليد إبن عبد الملك الخليفة الأموي الظلم الذي كان يجري في مملكة القوط الغربيين بعد تحول ملوكها من الآرسية إلى الكاثوليك، فكانت هذه الفرصة هي التي عجلت نسبيا فتح الأندلس على يد القائد الأمازيغي طارق إبن زياد والقائد العربي موسى إبن نصير وإن كان طارق إبن زياد هو الذي تولى المعركة الشهيرة التي دارت بين القوات المسلمة وقوات لذريق Rodrigo في الثامن والعشرين من رمضان عام 92هـ،الموافق ل 19 من شهر يوليو من عام 711م، في واد لكه، فدام بعدها إزدهار الإسلام مايقارب 8 قرون منَ الزمن حتى طرد المسلمون بحملات تمشيطية لهم من العدو الصليبي وتسمى تلك الحملات ب ( حروب الإسترداد)
فكيف كان ذلك؟
يقول رائد علم الإجتماع ابن خلدون في مقدمته "الظلم مؤذن بخراب الديار" …
جائت طلبات النجدة من الشمال للمسلمين من (الكونت يوليان) وإبن عمه الأمير( آخيلا) بعد قتل الأمير (غيطشة) على يد (فردريكو)…والظلم الذي لحقهم من (فريدريكو)، فهيأ (الكونت يوليان) للمسلمين السفن للعبور إلا أن موسى ابن نصير تريث وأرسل بدوره رسالة إلى الخليفة عبد الملك بالخبر فخاف الخليفة من تلك الأراضي الغير معروفة عند المسلمين من قبل،وبعد إلحاح من القائد موسى عليه أمره بإرسال سرية اضطلاع لتعرف سيرورة الحياة هناك فأرسل موسى القائد الأمازيغي طريف ابن مالك، لينزل طريف رفقة 500 جندي في المكان المعروف اليوم بجزيرة طريف “Tarifa” ليعود المسلمون بعد ذلك بالأخبار السارة والنبأ العظيم في استطاعة الفتح الإسلامي وتوسيع الرقعة الإسلامية نحوالشمال ليجتاز طارق إبن زياد نحو الأندلس ليفتحها في معركة واد لكه الشهيرة ليدخل بعد ذلك موسى ابن نصير بجيش قدره 5000 جندي ويمدد الفتح وتذعن الأندلس للفتح الإسلامي، وكانت طموحات القائد العربي المسلم موسى ابن نصير طموحات عظيمة على قدر قوة الأمة الإسلامية آنذاك واعتزم فتح رومية عاصمة البابوية في إيطاليا وبعدها يواصل التقدم نحو القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية في حدود بلغاريا ولكن الخليفة خاف على الجيوش المسلمة ليوقف ذلك التمدد العظيم.
تم تحويل العاصمة من طليطلة إلى قرطبة وبعد ذلك توالت الملوك و الأمجاد وتعددت المعارف وابتكرت العلوم وساد الرخاء وعم الإزدهار تلك البقعة الإسلامية وأصبحت الوجهة لكل شاعر وفنان وطالب علم.
شهدت الأندلس من الإزدهار الشيء الوفير حتى جار الزمن، وبدأت بعض المعارك فيما بين المسلمين وأصبحت كل ولاية لها أميرا للمؤمنين وتسمى تلك الحروب والمعارك بحروب الطوائف، ليزداد طمع الفونسو السادس ملك قشتالة وليون بتخليص الأندلس من المسلمين بعد كل هذه التفرقة وكل هذا الشتات وجد المعتمد ابن عباد نفسه مضطرا للإستنجاد بالقوة المرابطية الوليدة في مراكش المنطلقه من الجنوب الموريتاني فأبحرت رسل المعتمد إلى الأمير يوسف بن تاشفين وضمت رسل المعتمد كبار العلماء والفقهاء فوافق يوسف عبور البحر وقتال الفونسو السادس بشرط أن يسلموا له مفاتيح الجزيرة الخضراء فلقي ذلك الشرط معارضة كبيرة من قصر المعتمد إلا أن المعتمد عرف أنه لابد من دخول المرابطين في الأندلس وتخليصها من الخطر والتهديد الموغل في كره الأمة الإسلامية.
دخلت الجيوش المرابطية وهزمت القوات القشتالية المسيحية في معركة الزلاقة عام 1086 م، وتعتبر أول معركة كبيرة شهدتها شبه الجزيرة الآيبيرية في العصور الوسطى وإحدى أبرز المعارك الكبرى في التاريخ الإسلامي، عاد الأمير المرابطي يوسف أدراجه إلى مراكش وبعدها بزمن إستولى على الأندلس وأعلنها تحت حكم الدولة المرابطية وسجن آخر ملوك العباديين المعتمد في مدينة أغمات بالمغرب، ويقول المعتمد في شعره بعد أن زارته بناته يوم العيد محاكياً للزمان في تقلباته وتنكره للأمس القريب بحاضر لا يرحم، بعد أن حام حوله الشعراء طمعا فينواله، ورغبة في الإستئناس بمجالسه وهو اليوم وحيد قائلا بين أربعة جدران:
فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورا
فساءك العيدُ في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة
يغزلن للناس ما يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة
أبصارهن حسيرات مكاسيرا
يطأن في الطين والأقدام حافية
كأنها لم تطأ مسكًا وكافورا
قد كان دهرك، إن تأمره ممتثلًا
فردَّك الدهر منهيًّا ومأمورا
من بات بعدك في ملك يُسَرُّبه
فإنما بات بالأحلام مغرورا
اجتاحت حوافر خيول الدولة الموحدية بقيادة محمد بن تومارت الدولة المرابطية فقضت عليها فبعدما وحد المرابطون الأندلس وأسقطوا ملوك الطوائف لم يجد الموحدون معضلة كبيرة في تسيير الحكم إلا أن الحلم بطرد العرب والبربر المسلمين من الأندلس حلم يراود أمراء النصارى الإسبان فهجم ملك قشتالة على الأراضي الإسلامية في الأندلس فخرجت جيوش الموحدين بقيادة الأمير أبو يوسف يعقوب والجيش القشتالي تحت قيادة الفونسو الثامن وانتصر المسلمون في معركة الآرك سنة 591هـ، طلب البابا في روما من الممالك الصليبية بتوحيد الجيوش ليطردوا المسلمين فتوحدوا وجاءا العدو من كل حدب وصوب تكالبا على الأمة الإسلامية من بلاد الغال(فرنسا) وغيرها فجرت معركة العقاب عام 1212م، ليخسرها المسلمون تحت قيادة الأمير محمد الناصر والعدو الغاشم تحت قيادة الفونسو الثامن ،فكانت هذه المعركة بداية منحنى جديد في التاريخ الإسلامي هناك. بعد هذه المعركة استقل الحفصيون في تونس عن دولة الموحدين واستقل الأميران إبن هود وبعده إبن الأحمر في مدينة غرناطة وظلت الممالك الصليبية تتقدم، فسيطرت على المدن الأندلسية واحدة تلو الأخرى فسقطت مدينتي مايورقه وبياسه سنة 1228م، وسقطت مدينة قرطبه سنة 1235م ومن بعدها مدينة بلنسيه (Valencia) ومدينتي دانيه وجيان وسقطت مدينة اشبيلية بعد حصار دام 16 شهراً من الموت البطيء للأمة الإسلامية هناك، فلم تبقى غير غرناطة وبدأت مملكة قشتالة الصليبية بالهجوم على غرناطة لينتصر المسلمون في معركة الدونونية بقيادة محمد الفقيه والأمير المنصور الذي استعان به محمد الفقيه على العدو الصليبي وهو أنذاك حاكم دولة بني مرين في المغرب ليتعاون محمد الفقيه علي المنصور المريني مع الفونسو العاشر بعد ما خاف أن ينزع منه غرناطة وانقلبوا عليه فطردوه فبدأ الفونسو العاشر بالتقدم حتى سقطت مدينة طريف في يده الآثمة،انقطع خط الإتصال الذي كان بين الأندلس وبلاد المغرب والذي كان سببا مهما في الحفاظ على الأندلس من السقوط بطبيعة الحال.
وبعد كل ذلك الشموخ الذي ساد المسلمين في تلك البقاع وبعد كل ذلك التطور من طب وفلسفه ورياضيات وعلوم وقوة في جيوش الدولا لإسلامية التي تعاقبت عليها، لم يبقى غير غرناطة تتحدى عاديات الزمن لعل الله يبعث لها بطارق أو يوسف جديد وهي تدفع الجزية لمملكة آراغون ومملكة قشتالة وليون الذين اتحدا وكونا مملكة إسبانيا الحالية.
وفي عام 1492م حاصر جيش الملك فيرناندو (Fernando) مدينة غرناطة فدافع الجيش الغرناطي المسلم ببسالة واستماتة وبشموخ الأسد المجروح، ولكن مع الحصار وانتشار الجوع وانقطاع خط الإمدادات استسلم أخر أمراء غرناطة أبو عبدالله الصغير وأعطى مفاتيح غرناطة (لفرناندو) ملك إسبانيا مقابل الأمان وبهذا انتهي الحكم الإسلامي في بلاد الأندلس، حيث وقف الأمير عبد الله الصغير على صخرة وهو ينظرمن مكان عالٍ إلى مدينة غرناطة بحسرة ودموع ثكلى وألم منكوب مصدقا نونية الأديب الشاعر أبي البقاء الرندي (أحمد ابن صالح الرنديالأندلسي)وهو يشاهد تساقط مدن الأندلس الواحدة تلو الأخرى:
ونكتفي منها على محل الشاهد
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ
فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ
مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ
وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
أَينَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ
وَأَينَ مِنهُم أَكالِيلٌ وَتيجَانُ
وَأَينَ ما شادَهُ شَدّادُ في إِرَمٍ
وَأينَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ
وَأَينَ ما حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ
وَأَينَ عادٌ وَشدّادٌ وَقَحطانُ
أَتى عَلى الكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ
حَتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
وعَـلى دِيـارٍ مِـنَ الإِسلامِ خالِيَةٍ
قَـد أَقـفَرَتْ وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
حيثُ المساجدُ قدْ صارتْ كنائسُ
ما فيهنَّ إلّا نواقيسٌ وصُلبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وَهْيَ جامدةٌ
حتى المنابرُ تَرثي وهْيَ عِيدانُ
يا غافلاً ولهُ في الدهرِ موعظةٌ
إنْ كنتَ في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ
لِمثلِ هَذا يَذوب القَلبُ مِن كَمَدٍ
إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ
لم يفِ الإسبان بوعودهم اتجاه المسلمين الذين أصبحوا غرباء هناك، فبدأ الإسبان بالبطش والطرد والتشريد وحولوا المساجد كنائس، فهاجر مايقارب ثلاثة ملايين مسلم تلك الأرض لتخسرها الأمة الإسلامية أيما خسارة.
وبعدها أعلنت الأمة الإسلامية حدادها ولبست ثوبا أسوداً بفراقها الأندلس، التي فارقت مساجدها الأذان ليحل محله الناقوس وبدلت المساجد كنائس فبدل مسجد قصر الحمراء إلى كنيسة سانتاماريا وتحول مسجد قرطبة الذي استمر بنائه قرابة قرنين ونصف القرن من الزمن بكاتردائية مريم العذراء، وغيرهم ليسدل الستار على ثمانية قرون من الفردوس الإسلامي.
فهل يعيد الزمان للمسلمين أندلساً جديداً يحافظوا عليه؟!