أيتها الذكرى الخالدة ؛ أيتها الانطلاقة الواعدة ؛ أيتها النقطة الفاصلة في تاريخ انتصارات الأمة الاسلامية إن لنا فيك مرتعاً نرتعه و منبعاً نستقي منه و ظلالاً تظلنا بنسمات العلا، تذكرنا بعزة العقيدة و الوحدة التي استبدلناها بالجدال و الفرقة و لكن…تبقى دروسك عبرة و إحياءً للأمة عبر التاريخ.
ثلة قليلة من الناس قد طُردت و سُلبت أموالها تنتصر على جيش كبير مجهز بكل متطلبات الجيوش في ذلك الزمان.
لم يقاتل المسلمون إلا بعد طول انتظار و صبر على الاذى …ليأذن لهم الله بعد ذالك
“أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ”
و ترسيخاً لمبدأ التشاور استشار القائد …و أي قائد !!! إنه رسول الله إمام المرسلين و خاتم النبيين …استشار الأنصار و المهاجرين في الخروج لمواجهة العدو . كانت قلوب الصحابة مليئة بالإيمان و اليقين…و لم لا ؟ فهم تلاميذ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و أثناء المواجهة و بعد إعداد خطة تنظيمية محكمة؛ كان الرسول صلى الله عليه و سلم يمد يده إلى الله متضرعاً.
فقد روى مسلم في صحيح، أنه صلى الله عليه و سلم استقبل القبلة يوم بدر، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: “اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض” فما زال يهتف بربه ماداً يديه، مستقبلاً القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال يا نبي الله! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك”
نعم إن أهل بدر هم النواة و البذرة التي أراد الله أن تنبت منها شجرة الأمة الإسلامية.و قبل الخروج للقتال كانت إبنة الحبيب صلى الله عليه و سلم مريضة بمرضها الذي ماتت فيه …لكنه صلى الله عليه و سلم خرج و جعل عثمان بن عفان زوجها رضي الله عنه يتخلف لرعايتها و قد ماتت يوم البشارة بالنصر الكبير.و النبي و أصحابه يقيمون في بدر ترصداً للعدو.
كانت الملائكة تقاتل مع المومنين بأمر من الله:
“إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ”
إنها معركة قائدها رسول الله صلى الله عليه و سلم و جنودها المومنون و الملائكة الكرام،معركة من العيار الثقيل.و طبعاً و بفضل الله و عونه كان النصر المبين للمسلمين و تم أسر العشرات من المشركين(70أسيراً).
و تم التشاور في مصير الاسرى مع اعيان الصحابة و كلهم أعيان ليترسخ مبدأ التشاور…مرة اخرى
و كان من ليس لديه مال من الأسرى ليفتدي به ؛ عليه أن يعلم عشرة من ابناء المسلمين القراءة ليكون ذالك فداءً له.
و هي إشارة واضحة لأهمية العلم و المعرفة في ديننا الحنيف.
لقد كانت غزوة بدر رسالة قوية لأهل مكة. إن المسلمين فعلاً أصبحوا دولة مستقلة لها هيبتها و قوتها التي لا يستهان بها.و انطلاقة لفتوحات المسلمين التي بلغت أقصى الأرض. و أملا لكل مؤمن أن الله لن يضيع إيمانه و إخلاصه و أن النصر قادم و لو بعد حين...
فالمهاجرون الذين كانوا يعذبون و يطاردون في مكة هاهم يحملون لواء النصر مع إخوتهم الأنصار و يهزمون بغاة قريش الذين لطالما ظلموهم و قهروهم.
إن غزوة بدر هي إشراقة شمس وهاجة تضيئ التاريخ الإسلامي و تذكر أبناء الأمة أن الرعيل الاول لم يكونوا جالسين في ظلال بيوتهم ينتظرون النصر. بل كانوا يكابدون و يصبرون و يفتدون و يقدموا أغلى التضحيات في سبيل نشر رسالة الاسلام.
فأين نحن من أولئك النجوم الوضاءة … و الهامات المشرقة؟؟؟ ربما نحتاج أن ننفض عنا غبار العولمة و نزيل رواسب المادية لنعتلي بأرواحنا الى تلك القامات السامقة.