إن الكلمة صوت نجسد فيه أفكارنا، ولما كان جسد الشيء على مثال ما نجسده فيه، فان أجساد أفكارنا الصوتية إنما هي على مثال هذه الأفكار التي نجسدها فيها.
وإذا تبين لنا أن هناك ضابطا أو ضوابط تحكم أصواتنا التي هي أجساد أفكارنا فإن هذا الضابط أو هذه الضوابط تحكم الأفكار التي جسدت فيها أيضا.
إذا ضربت الكرة الأرض ردت الأرض على ضرب الكرة بمثله في الشدة والضعف، ولا فرق بين فعل الكرة وردة فعل الأرض إلا في الاتجاه. ففعل الكرة يتجه الى أسفل ورد فعل الأرض إلى أعلى. وفعل الكرة ورد فعل الأرض متصاحبان زمانا ومكانا, وكل منهما على مثال الآخر إلا في الاتجاه الذي يناقضه فيه.
ولو نظرت إلى الصوت ـ لفظ ـ الرد من (ردً) الذي يتجه إلى معنى الارتجاع في صورة البقرة ترد لبنها وتحبسه فى ضرعه وتمنعه من الانطلاق, والدًر المناقض لمقلوبه القائم في ذاته في صورة قفا له, وهو صوت ـ لفظ ـ الدر من (دَ َر) الذي يتجه إلى معنى المضي في صورة البقرة تطلق لبنها دارة به, وعلى هذا فالدر والرد من(د ر) و(رد) زوجان و(رد) هي (د ر) لولا أن كل منهما تناقض الأخرى وتعاكسها في الاتجاه وكل منهما مصاحبة للأخرى، وقائمة في ذاتها في صورة نقيض لها.
وعلى هذا فان علينا إذا أردنا أن نتعرف كلا من(در) و(رد) أن نتعرف كلا منهما من خلال نقيضها الذي يقوم في ذاتها في صورة مقلوب لها
ولما كان كل من الفعل ورد الفعل المصاحب له ضرورة يعرف الآخر ويفسره ويوضحه ويجليه فإن الصوت ـ اللفظ ـ يعرف برد فعله القائم في ذاته في صورة مقلوب له قائم في ذاته يفسره ويوضحه ويجليه، وعلى هذا فإن أي شيء نريد أن نتعرفه علينا أن نعرفه من خلال نقيضه القائم في ذاته.
بمعنى أن ليس في ذات (در) إلا زوجها المناقض لها (رد),وليس في ذات(رد) الا زوجها المناقض لها(در). أي ليس في ذات كل منهما إلا الأخرى ضرورة، وعلى هذا فالشيء القائم في ذات (در) ليس إلا مقلوبها (رد)، والشيء القائم في ذات (رد) ليس إلا مقلوبها (در) ولقد انقضى عمر البشرية إلى يوم الناس هذا دون أن تتنبه إلى ما هو الشيء في ذاته، أو ما هو الشيء بحد ذاته؟.
ولعل من أفضل السبل لمعرفة تاريخ الحرف ما يؤرخ به الحرف نفسه (فسُر كل شيء كامن فيه).
وما نعرفه من الألفاظ أنها هذا البيان الذي في لساننا وبين أيدينا. والبحث عنها في غيرها نقل للتجربة من واقعها الحي إلى الفكر البحت وفصل للعملي عن النظري.
ونأتي الأمور من أبوابها حين نبحث عن الشيء في الشيء ذاته.
وما تحمله الألفاظ في أذهاننا من معان بعينها، مقيدة بها، لا تخرج عنها، فهي سجينة فيها, فإذا أردنا أن نتعرف صلتها بالصور الأخرى التي في المعجمات، أو التي استعملها غيرنا في كل زمان ومكان، حالت هذه المعاني القائمة في أذهاننا، دون إمكان التعرف عليها, وتقطعت بنا سبل الوصول إليها. وإذا وقفت في المعجمات على الأصل في معنى اللفظ فسرعان ما تهمله، وتعود الصور المألوفة للألفاظ إلى حجبه من جديد، والحلول مكانه، والإنسان كما يقول ابن خلدون: (ابن عاداته ومألوفه)، فنعود إلى التجربة من جديد..
أن أي عدد أو رمز إنما هو ناقص زائد في وقت واحد.
فمثلا: إذا نظرت إلى المعادلة [9=9] وأردت أن تقيمها على مثل قيام كل من (در) و (رد) في الأخرى، فإنك تجد أن السبب في قيام كل من (در) و (رد) في الأخرى في صورة مقلوب، هو أن كل منهما نقيض للأخرى مبني ومعنى.
فإذا مضيت بالمعادلة [9=9] إلى المعادلة [9-9]=0 تبين لك أن السبب في اجتماع التسعتين معا في طرف واحد يرجع إلى قيام التناقض بينهما.
غير أن المعادلة [9-9=0 ] لم تكن قد وصلت, بعد إلى مثل الحال التي عليها كل من (رد) أو (در) لمقلوبها ونقيضها القائم في ذاته، وعلى هذا فلا بد من كتابة (±9) أو (±9). وعلي هذا تصبح التسعة ناقصة زائدة، أو زائدة ناقصة في آن واحد كما أسلفنا.
((هذا إذا أردنا له أن يمثل الشيء في الواقع. فقلمي هذا الذي أكتب به يخرج من حيز ينقص منه إلى حيز يزيد فيه، وإذا أردت أن أصف حركته هذه فلا بد من وصفها بأنها حركة ناقصة زائدة في وقت واحد، لأنها نقصت من حيز وزادت في آخر.
وهكذا.. ينطبق هذا بإصطناع منطق الجدل، في الثنائي كثيرا وفي الثلاثي قليلا: فحركة الجدل في الثنائيات أوضح وأجلى منها في الثلاثيات، فالثنائي هو الأصل في العربية، والخلية الأولى موطن التشابه الأول بين الأحياء.
راجين أن نكون قد أعطيناك للقارئ الكريم تصورا عن هذه النظرية الجديدة في فلسفة اللغة أو رياضيات اللغة للعلامة محمد عنبر. وإن كنا تناولنا منها فقط ما يتعلق بموضوع بحثنا.
وأملنا كبير في أن يأتي من الباحثين المختصين ممن هم أقدر منا على العطاء لتلخيص هذه النظرية الجدلية الجديدة، وتقديمها للقارئ بصورة مبسطة، خاصة وأنها تقع في ثلاث كتب من الحجم الكبير وبلغ شرحها وفهارسها ما يقارب 1433 صفحة.....يتواصل...