لم يكن خطاب رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني أمام خريجي المدرسة الوطنية للإدارة يوم 24 مارس الماضي، خطابا تقليديا، لرئيس تقليدي، فقد كان خروجا على المألوف، اتسم بالعفوية، والصراحة، فجاء ملامسا لنبض الشارع، متحدثا باسمه، خاصة في تشخيصه الواقع، وتصوره للحلول.
* **
لم تأخذ المكاسب التي تحققت على يد الرئيس خلال السنوات الأخيرة الكثير من وقت الخطاب، وليس ذلك تقليلا من أهمية المُنْجَز، بقدر ما هو رفع لسقف الطموحات، وتحريض للسلطة التنفيذية على مضاعفة المجهود، ودعوة إصلاح مكامن الخلل، وطمأنة للرأي العام أن جعبة المكاسب مازالت تحمل الكثير..
***
من الإنصاف أن نعترف بما تحقق حتى الآن، رغم الظروف الدولية غير المساعدة، كتداعيات جائحة كورونا، والوضع الأمني الهش في منطقة الساحل، والفساد التي يعشعش في الإدارة الموريتانية منذ عقود، وأخيرا العملية الروسية في اوكرانيا، ولعلنا جميعا مدركون لثورة المكاسب التي تحققت في الشق الاجتماعي..
***
صحيح أن بعض المشاريع يتعثر، وتتباطأ وتيرة إنجازه، يحدث هذا في كل دول العالم، لكن الصحيح أيضا أن هذه المشاريع جزء من برنامج وطني تنموي طموح، سترى النور في الآجال المحددة، وبالمواصفات المطلوبة، وطبيعي أن التغييرات الأخيرة في الحكومة جاءت لإصلاح هذا الخلل، ولسد الثغرات التي أدت لهذا التعثر.
***
في المشهد السياسي كانت الصورة أكثر نصاعة، فبفضل حكمة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، تم التوصل إل هدنة غير معلنة، بين الفرقاء السياسيين، بعد رسائل الطمأنة التي بعث بها القصر إلى المعارضين، وتلفقوها بسرعة، وعملوا بمقتضاها، وهو ما وفر مناخا ملائما ساعد الحكومة على أداء دورها دون ضجيج..
***
نعيش الآن أجواء حوار سياسي، يعتبر واحدا من تجليات هذه الهدنة، وهو وإن كان شأنا يخص المتحاورين إلا أن السلطة السياسية عبرت عن استعدادها لإنجاحه، ودفعت بواحد من أبرز رجالاتها وأكثرهم كفاءة وأهلية لقيادة هذا التشاور، ووجهت الدعوة لجميع الفرقاء، معلنة أن باب الحوار مفتوح وإنه لن يستثني أحدا..
***
بالمحصلة.. لامراء في أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني نجح في كسب الرهان حتى الآن، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، رغم الأصوات المبحوحة التي تنطلق من الهوامش، لتشويه الصورة، وتتفيه المُنْجَز؛ لكن هذا النجاح لم يمنع الرجل من الاعتراف صراحة بجوانب القصور، وهو ما سعى لتلافيه، بتشكيل حكومة جديدة..
***
قد تكون الحكومة واحدة من ارتدادات ما يمكن أن نطلق عليه "زلزال الـ24 مارس"، الذي حمل إنذارا مبكرا، بضرورة إصلاح مكان الخلل، وإعادة قطار التنمية إلى سكته من جديد..
وختاما يبقى الأمل قائما في أن يُمثل وجود الوزير المخضرم يحيى ولد أحمد الوقف في دوائر السلطة، رافعة قوية للعمل الحكومي في شقيه السياسي والاقتصادي..