نصف خطوة على سلم النجاح (6) / ‏محمد الأمين ولد الفاضل

بعد أن خصصنا الحلقات الماضية من هذه السلسلة لإدارة الوقت فإننا سنخصص الحلقات السبع القادمة من هذه السلسلة للموهبة : اكتشافها استغلالها وصناعتها.
وسنبدأ هذه السلسلة المخصصة للموهبة بالقصة الرمزية التالية:
يحكى فيما يحكى أن أعمى كان يسكن وحيدا في صحراء جرداء قاحلة، وأنه سمع ذات مرة هاتفا يبشره بكنز عظيم مدفون في تلك الصحراء القاحلة. أخذ الأعمى منذ سماع تلك البشرى يحفر في الأرض بحماس شديد بحثا عن الكنز المنشود. ولقد عثر في بداية بحثه على فأس ظل يستخدمه في عملية التنقيب عن الكنز.
مرت أيام وشهور، بل وسنوات، والأعمى لا شغل له إلا الحفر في باطن الأرض بحثا عن الكنز المنشود، ولم يتوقف عن البحث إلا بعد أن سقط ذات يوم ميتا في احدي الحفر التي حفرها بحثا عن الكنز. هنا انتهت قصة الأعمى مع الكنز، وهنا ستبدأ قصتنا نحن مع كنوزنا، وبالمناسبة فإن قصة هذا الأعمى تتكرر مع أغلب الناس، ودون أن يشعروا بذلك.

إن الفأس الذي وجده الأعمى في بداية بحثه عن الكنز المدفون في الأرض، كان هو الكنز  الذي بشر به، فالفأس كان فأسا من الذهب الخالص، وكان مرصعا باللؤلؤ والماس.
المؤسف في الأمر أن الأعمى لم يكن  قادرا علي رؤية بريق الذهب يتلألأ من الفأس، ولم يجد من يخبره بذلك، فكانت المأساة، وكان أن مات وهو يبحث عن كنز بين يديه!! دُفن الأعمى مع كنزه ودون أن يعلم بذلك، وهذا هو حال أكثر الناس، إنهم يدفنون مع كنوزهم ودون أن يعلموا بذلك، وذلك على الرغم من أنهم كانوا قد ضيعوا أعمارهم وهم يبحثون عن تلك الكنوز التي دفنت معهم.
سُئِلَ أحد الحكماء عن أفضل مكان يمكن أن يُعثر فيه علي المواهب فأجاب الحكيم: بأن المقابر هي أفضل مكان يمكن أن نبحث فيه عن المواهب!!
ولقد صدق هذا الحكيم، ففي كل يوم تدفن فؤوس ذهبية مع أصحابها، وترحل مواهب وقدرات وإمكانيات هائلة دون أن يستغلها أصحابها، ودون أن يستفيد منها هذا المجتمع المحتاج لها، وهذه واحدة من المصائب العظيمة التي لا تجد من يتحدث عنها، بل وقد لا تجد من يعتبر أنها أصلا مصيبة.
وحتى لا تدفن معنا فؤوسنا الذهبية كما حدث مع الأعمى، فدعونا نخصص ست حلقات من سلسلة نصف خطوة للحديث عن الموهبة عن اكتشافها وصناعتها، وعن بعض الخطوات التي قد تساعد في اكتشافها واستغلالها بالطريقة الأمثل.

ما هي الموهبة؟
الموهبة لغة،  من فعل وُهِب أي أعطي الشيء مجانا. أما اصطلاحا فلها تعريفات كثيرة ومتشعبة ليس هذا المقام مناسبا لبسطها، ومع ذلك فيمكن أن نعتبرها مَلَكَة أو قريحة في مجال ما يهبها الله تعالى لمن يشاء من خلقه.
فالمواهب هي قدرات خاصة ذات أصل تكويني، لا يرتبط بذكاء الفرد، فقد يكون موهوبا من يحسب عند الناس أنه من المتخلفين عقليا.

ما الفرق بين الموهبة والهواية؟
       
كثيرا ما تختلط الموهبة عند البعض مع الهواية ويمكن لنا التفريق بين الموهبة والهواية على النحو التالي: فالموهبة عطاء يولد مع الإنسان،كما قلنا سابقا، أما الهواية فهي من الهوى، أي الميل إلى شيء معين، وهي مكتسبة. 
ومن الفروق بينهما أيضا أن الهواية يمكن أن تتغير مع الوقت، فأنت يمكن أن تكون هوايتك في فترة ما من العمر كرة القدم، وفي فترة أخرى الرماية التقليدية مثلا..أما الموهبة فلا تتغير لأنها ذات أصل تكويني..قد تضمر وقد تموت ولكنها لا تتغير.
وفي العادة فالإنسان كثيرا ما تكون هوايته مرتبطة بموهبته، ومن هنا يأتي الخلط بينهما. 
وتمهيدا للحلقة القادمة التي ستكون ـ بإذن الله ـ عن اكتشاف االموهبة دعونا نختم هذه الحلقة بالتذكير بأن الثروات التي توجد في باطن الأرض يجب أن لا تكون أهم وأغلى عندنا من الثروات التي تسير فوقها. ولذلك فالجهود التي تبذلها الحكومات في التنقيب عن المواهب والمبدعين يجب أن لا تكون أقل من الجهود التي تبذلها في التنقيب عن المعادن في باطن الأرض.
وينسحب هذا الكلام على الأشخاص ..فما يبذله المنقب من جهد ووقت للتنقيب عن الذهب في باطن الأرض، يجب أن يبذل الموهوب جهدا مماثلا له في التنقيب عن موهبته وعن قدراته الإبداعية.
يتواصل بإذن الله.. 

23. أبريل 2022 - 3:32

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا