مع القرآن لفهم الحياة (1O) / ‏المرابط ولد محمد لخديم ‏

هذه اللغة الانسانية لها مواصفات وهي حمالة اوجه و البحوث والدراسات اللسانية  التقليدية حولها كثيرة جدا تعز على الحصر وتربو على العد ويلزمها كنب ومجلدات , وقد اهتم علماء اللغة والمختصين بها و تناولوها بالبحث والتفصيل, ولقد أصبح من الواجب عليهم الآن استخراجها من جديد وتداولها...
إننا سنبحث في جانب آخر ندرت حوله الكتابات فلقد اتجهت الأنظار منذ زمن بعيد إلى أن بناء الفكر وبناء الوجود لا يكون إلا واحدا، وليس هناك صيغة ثابتة للأفكار إلا أجسادها اللفظية التي كانت مستغلقة على ذاتها، ولم تقم محاولات للبحث عن الاتساق بين اللغة والوجود باعتماد حركة الجدل الواحدة فيها وكان من يقولون بإمكان الاستدلال على خصائص اللغة(13) أمثال: باميدس، وسبينوزا، وهيكل، وبرادلى: ليس لديهم نظرية تبحث في اللغة بحثا جدليا يكشف عن التضاد القائم في كل لفظ من ألفاظها ليصلوا من خلال هذه الخصائص اللغوية إلى إقامة فلسفة تعتمد أمثلة ذات وجهين: وجه طبيعي وآخر إنساني مجتمعين معا في اللفظ، فهو من حيث الصوت حركة طبيعية ككل حركات الطبيعة ومن حيث المعنى سمة إنسانية، ومن حيث أنه صوت ومعنى يجمع الطبيعة والإنسانية في كل واحد يضمهما معا، والفلسفات كلها على اختلافها ترى أن هناك حاجة لنشوء نظرية لغوية عامة ،لا تنفصل فيها الصورة عن المادة تكون قاعدة لهذه الفلسفات.
والنظرية اللغوية التي تقوم على اتصال الصورة بالمادة هي النظرية التي أسفرت عنها حركة الجدل في الحرف العربي والتي كشفت أن كل لفظ يحتوي على ضده في داخله، وأنك حين تقلب حروف أي لفظ من ألفاظ هذه اللغة تجيء بعكس المعنى والمبنى معا.
كما أن هناك تضادا في الحرف ذاته بين الحركة والحرف على أمثال التضاد في اللفظ أيضا، وهذه الحركة الجدلية في سيرها تكشف عن معنى الزمان والمكان والكم والكيف والحرية والضرورة والمعرفة والمحدود وغير المحدود: كما تكشف قوانين الطبيعة عن الطبيعة ذاتها.
وحين تحدد وجهات هذه الألفاظ فإنها ستؤذن بقيام فلسفة جديدة تقوم على أسس صحيحة ذات قرار مكين. فقد تبين أن التضاد في هذه اللغة وفي الطبيعة غير التضاد المتعارف عليه، وأن الحرية والضرورة قائمتان في كل شيء، وأنهما متلازمان لا تنفك إحداهما عن الأخرى، وأن الكم والكيف يجريان في جدلية واحدة كجريان الزمان والمكان، وأنه يجري الانتقال من الحرية الى الضرورة, ومن الضرورة إلى الحرية, كما يجري الانتقال من الكم إلى الكيف وبالعكس (14) وكل ذالك مستفاد من التمييز بين الضد وضده في جدلية الحركة من كل لفظ، والمقولات التي كانت تلفها سحب الغموض والتعقيد ستتضح وتظهر جلية بينة بسبب وجود الأمثلة التي تشرحها وتفسرها من ألفاظ هذه اللغة..
ولو أن أهل اللغة العربية تحدثوا عن النحو والصرف والعروض والبلاغة دون أمثلة لوجدنا في كلامهم من الصعوبة ما يجده المنشغلون في الفلسفة في عبارات هيكل من غموض وتعقيد، فالأمثلة وحدها هي التي تضيء لنص فيشف بالمعنى ويصفه ويجليه ويوضحه. وليس الإتيان بالأمثلة سهل المنال، وإنها ـ وهي صورة الواقع الحي ـ لا تأتي إلا بعد ترجمتها إلى لغة إنسانية وفي صيغ من ألفاظ ليست إلا صورة فوتوغرافية وصادقة للوجود الذي ارتسم فيها، من وجه، وصورة له بلحمه ودمه من وجه آخر.
وهذه الصورة الحية النامية المتطورة....يتواصل...

23. أبريل 2022 - 9:35

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا