" (..)أهنئ الشعب الموريتاني على النجاح الملفت (..)"
الأمين العام للأمم المتحدة آنتونيو غوتيريس خلال إشرافه على اكتمال عملية العودة الطوعية لللاجئين/ روصو 27 مارس 2012
ينتظر الموريتانيون من الطبقة السياسية السمو قليلا على اعتباط الانتقائية في التعاطي، بالتشكيك والمزايدة، مع الحقوق والمظالم؛ باعتبار " الإرث الإنساني " كافة التجاوزات المتكررة على مدى عمر الدولة، التي تعرض لها جميع الموريتانيين، وتراوح ما بين الاغتيالات، الإعدامات التي أعقبت محاكمات صورية، جرائم التعذيب وعمليات الفصل الجماعية من العمل للمجموعات القبلية والعرقية والسياسية؛ داخل وخارج الوطن.
لم تعتمد الدولة في موريتانيا، منذ نوفمبر 1960، أي إجراء قانوني قصد ترسيم الميز، وكل الإجراءات القانونية والإدارية في هذا الصدد تعود لفترة الاستعمار، وقد استهدفت جميع المكونات الوطنية، حيث تم إلغائها وتعطيل العمل بها خلال أول دستور للجمهورية الإسلامية الموريتانية، التي تعتبر طرفا في الاتفاقيات الدولية والإقليمية للحماية من التمييز، مع اتخاذ تدابير هامة على المستويات التشريعية والقضائية والإدارية بهدف مكافحة الميز العنصري.
مباشرة بعد إحباط أول إنقلاب عرقي في تاريخ موريتانيا، منتصف ثمانينيات القرن العشرين، وما تخللها من عمليات عسكرية نفذها مجندو الجناح المدني للإنقلابيين على سكان الأرياف والقرى؛ تم تشكيل لجنة تحقيق ترأسها قائد أركان سابق وشخصية وطنية تنحدر من الأقليات، وتولى أمانتها العامة ضابط محترم من الأغلبية العربية، حيث باشرت التحقيق في جميع الحوادث التي تعرض لها المدنيون والعسكريون على حد سواء، وقد أوصت بتسوية تحفظ هيبة الدولة وترضي جميع الأطراف تمهيدا لإنجاح التحول الديمقراطي الكفيل بإرساء حلول شرعية لمحاولات اعتراض سيادة الدولة على ترابها وشعبها، وهو ما ترتب عنه اعتماد البرلمان لقانون العفو ( 94-23 بتاريخ 14 يونيو 1993 ) الذي صوت عليه ممثلو المجموعات الوطنية بما فيهم الأقليات وقد شمل كذلك في مادته الثانية الانقلابيين وقيادات جناحهم المدني التي نفذت عمليات تقتيل ونهب وتخريب راحت ضحيتها قرى بأكملها. نقلت الصحافة الفرنسية مطلع تسعينيات القرن الماضي عن منظمة Human Rights Watch، تباهي القيادي إبراهيما صال بتنفيذ ناشطين من حركة FLAM لغارات مسلحة ضد قرى موريتانية عبر الحدود مع الجارة الجنوبية، وكشفت في وقت لاحق صحيفة Jeune Afrique الفرنسية المختصة بالشأن الإفريقي في التاسع من سبتمبر 2015 أن حركة FLAM التي تقف وراء محاولة الإنقلاب العرقي " مشكلة بصفة حصرية من الهالبولار".
أكد رئيس حركة FLAM في تصريح حصري لإذاعة فرنساالدولية RFI في الخامس والعشرين من سبتمبر 2013 على تبني رفع السلاح ضد موريتانيا وشعبها ".. صحيح أننا لا نستطيع أن ننكر أننا لجأنا إلى الكفاح المسلح (..)".
ورد في مقال تحليلي صادر عن جامعة "بوردو" الفرنسية في أواخر التسعينات أن حركة FLAM "نفذت عمليات مسلحة"، في الأراضي الموريتانية.
تضمن تقرير صدر عن منظمة " العفو الدولية"، فاتح أكتوبر 1990 توثيق مسؤولية حركة FLAM عن " تنفيذ عمليات توغل مسلحة في العام 1989 بالأراضي الموريتانية".
كشفت نشرة للكونغريس الأمريكي صادرة في يونيو 1988 أنه " في سبتمبر وأكتوبر 1986 ، قام أعضاء من حركة FLAM بإتلاف ونهب مصنع لتصدير الأسماك في نواذيبو ، ومهاجمة محطة وقود وصيدلية في نواكشوط ، وتخريب ثلاث سيارات حكومية (..)".
عمدت الدولة الموريتانية في شهر مارس من العام 1991 إلى إطلاق سراح جميع السجناء المدانين إثر المحاولة الإنقلابية العرقية، إضافة للذين تم اعتقالهم ما بين نوفمبر، دجمبر 1990 و إبريل 1991 وآخرين، واستفادتهم من عفو عام ( مرسوم العفو 91-023/ مرسوم العفو العام 91-025 بتاريخ 29 يوليو 1991 )، قبل اعتماد دستور التعددية وإطلاق الدمقرطة التي عرفتها البلاد آنذاك.
يستهجن الموريتانيون الأوضاع الإنسانية المترتبة عن تداعيات العنف في الحياة العامة، التي تتحمل الدولة مسؤولية تسويتها، حيث تعاطت بصفة عامة بإيجابية مكنت من تصحيح الاختلالات وإشراك النخب في تبني الحلول الملائمة مع تأكيد الاستعداد الدائم لبذل المزيد للتغلب على أوجه القصور في مجمل الحلول المعتمدة.
أطلق المجلس الأعلى للدولة خلال المرحلة الانتقالية الثانية تسوية لملف الأوضاع الإنسانية الواقعة مابين نهاية الثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي، بعد إشراك الضحايا وأصحاب الحقوق و القوى السياسية و الاجتماعية بتزكية من أئمة وعلماء البلد عبر وثيقة شرعية اعتمدت تصورا فقهيا على أساس” ضرورة العفو، وجبر الضرر”، من إعداد مرجعيات دينية من أبرزها عضو المجلس الإسلامي الأعلى بال محمد البشير، وإمام الجامع الكبير بالعاصمة أحمدُ بن المرابط.
شهدت التسوية التي باشر الإشراف عليها المجلس الأعلى للدولة الحاكم آنذاك تنظيم يوم للمصالحة الوطنية بكيهيدي في الخامس والعشرين من مارس 2009، بأداء صلاة الغائب على أرواح الضحايا، وإنشاء لجنة لتصفية الحالات الإنسانية، من خلال تنفيذ اتفاق التسوية بين الدولة وأصحاب حقوق الضحايا، حيث تم إحصاء جميع الأسر المتضررة واستفادتها من التعويضات القانونية؛ وتنظيم العودة الطوعية لللاجئين ودمجهم في الحياة النشطة وتسوية وضعية الموظفين ووكلاء الدولة العقدويين حسب بنود الاتفاق الثلاثي الأطراف بين الحكومة الموريتانية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين والحكومة السنغالية. استلم العائدون وثائق ثبوتية مع الاستفادة من حق العمل والسكن كما نفذت الدولة لصالحهم برامج ومشاريع لإعادة الدمج الاجتماعي والاقتصادي.
حرص الأمين العام الحالي للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريس على " تهنئة الشعب الموريتاني" على ما اعتبره " نجاحا ملفتا" لعملية عودة اللاجئين خلال إشرافه بمدينة روصو على نهاية برنامج العودة الطوعية لللاجئين في السابع والعشرين من شهر مارس 2012، والذي استمر على مدى أربع سنوات برعاية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
نقلت شبكة " الجزيرة نت " عن المرشح الرئاسي إبراهيما مختار صار
في دجمبر 2010، وصفه للتسوية الإنسانية بأنها "نهاية لمسار طويل"، واستطرد في الثناء والتبني لمجمل خطواتها.
اعترف المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين Ron Redmond في تصريحات صحيفة يوم 13 نوفمبر 2007 بجنيف بعودة عفوية لأفواج معتبرة من اللاجئين منتصف تسعينيات القرن الماضي، " كما أكد عودة ودمج حوالي 35000 شخص بشكل عفوي إلى موريتانيا بين عامي 1996 و 1998"، واعتبر أن الأمر يتعلق بوضع حد لحالة " فرار موريتانيين إلى السنغال"، بعد أحداث 1989.
حظيت عملية التسوية بمباركة أغلبية مكونات الطيف السياسي، ولم يصدر أي تحفظ حيالها من داخل المؤسسات الدستورية ولا على مستوى القضاء والجهاز الإداري.
وفي حالتين معزولتين تقدمت النائبة أنيسة باه من حزب " تواصل " في الثاني عشر من دجمبر 2019 بمشروع قانون ينسف بنيان التسوية و يهدف إلى إلغاء القانون رقم 93-23 وإنشاء "هيئة للحقيقة والمصالحة". وأطلقت كذلك البرلمانية عن حزب " الصواب" كومبا دادا باه، شهر يونيو الماضي على مستوى الجمعية الوطنية، حملة مناصرة لإلغاء قانون العفو وإعادة النظر في عملية التسوية.
يعتبر المصدر الرئيسي لحملات التشهير بالمسؤولين الإداريين والقيادات الأمنية والعسكرية والمرجعيات الروحية والاجتماعية من جميع المكونات الوطنية، في الإعلام الغربي ومنشورات منظماته الحقوقية، منظمة Agir Ensemble، التي أطلقها في العام 1989 رجل الأعمال الفرنسي André Barthélémy، الذي كان ينشط في مجال السياحة بأمريكا اللاتينية، حيث كانت تنظم شركته Arvel Voyages رحلات في اتجاه تشيلي أيام حكم " بينوشي". وقد تفرغ لنشاطه الجديد للدفاع عن حقوق الإنسان مع التركيز على موريتانيا دون سابق معرفة، لتحصل منظمته في وقت قياسي على صفة مراقب لدى اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ليبدأ مباشرة في نشر " لوائح الجلادين " و " لوائح الضحايا"، دون زيارة موريتانيا.