و نحن نودعك أيها الشهر المبارك تحضرنا لحظات استقبالك، كيف جئتنا و يومياتنا تملؤها الانشغالات الدنيوية، و كيف فرضت علينا أجواءك الربانية الروحانية، من الصيام و القيام و الإلتزام.
نودعك لنعود تدريجيا كما كنا....
تعود المساجد لحالها لا تقام فيها الا الصلوات الخمس و تعود الموائد إلى حالتها فطورا و غداء و أكل و شرب كيف نشاء،
و يعود المزاج إلى حاله، مزاجا دنيويا لا حظ فيه للآخرة إلا من رحم ربك.
إن كان في العمر بقية، فسنلقاك في دورة أخرى مكثفة حول نفس المحور الأساسي (التقوى).
فأنت لنا منبه سنوي، يذكرنا بضرورة تغليب الهدف الاسمى على الهدف الأدنى، و يستنفرنا إلى عبادة الله الواحد الأحد التي ما خلقنا إلا لأجلها، قال تعالى:
{ و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون }
سننسى أنك مررت يوما علينا، فغيرت عاداتنا إلى الأفضل، و جعلت نهارنا صياما و ليلنا قياما.
و ننسى أنك جعلتنا نرافق كتاب الله ليل نهار.
و ننسى انك جعلتنا في ذكر مستمر فإذا ساب أحد أحدنا أجابه : إني صائم.
و سنودعك بعيد الفطر فنخرج زكاة الفطر تطهيرا لتقصيرنا في أيامك المباركة، و نخرج للصلاة مكبرين و مهللين و شاكرين لأنعم الله.
ثم نقبل إلى دنيانا و كأننا لم نصم شهرا متتابعا و نحيي لياليه بالقيام و القرآن.
درس رمضان الذي شُرع من أجله ربما لن يتجاوز معنا يوم العيد.
سنودعك و كأنك مجرد زائز خاطف أيها الشهر المبارك، و سنتذكر انك كنت لنا ناصحا أمينا و جوادا كريما، و فيك ليلة تساوي عمرا من الطاعة.
ستبقى شعارا للهدى و مدرسة للتقوى و عنوانا للإيمان و القرآن، و سنفتقدك كما يُفتقد بدر التمام في الليالي المظلمة و لسان حالك يقول:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم @ و في الليلة الظلماء يفتقد البدر.
ستمر علينا الأشهر و صوم يوم واحد يبعدنا عن النار سبعين خريفا، لكن لن نستطيع صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
و ستتعاقب علينا الفصول و لياليها و ربما لن نستطيع قيام ليلة واحدة منها.
و نحن الذين صمنا و قمنا شهرك الفضيل.
ستظل تطرح علينا سؤالك البارز و إستفهامك الملح:
كم بلغ فيكم رصيد التقوى؟!
ألم يبلغ مبلغ ان تجعلوا لكم قياما و صياما في الأشهر التي تمر عليكم قبل أن آتيكم زائرا و مذكرا؟!!
سنودعك يا رمضان و بصماتك الطاهرة ما تزال على وجوهنا و في قلوبنا، لكن سرعان ما طمسناها بمتاهات مدرسة الحياة الدنيا.
فإلى اللقاء أيها الشهر الذي حباه الله أعز نسب فنسبه للقرآن، و جعله موسما خاصا للعبادة، و اودع فيه أجر عمر كامل في ليلة واحدة.
فأنت شهر هدى و رشاد و تقوى،
ستشتاقك المساجد قبل الساجدين، و المصاحف قبل القارئين و مجالس الذكر قبل الجالسين،
و ستحن السماء إلى دعوات المصلين الذين يصدحون ليل نهار فيك جماعات و فرادى بالدعاء، و تحن الأرض إلى الجباه الملتصقة بها، التي تكثر السجود في لياليك و أيامك.
و سيشتاقك كل مسلم أواب يرجو النجاة و يحن للتوبة و الأوبة لله تعالى.
فإلى اللقاء يا رمضان....