لطال ما كانت السياقات الجيوسياسية، والظروف الاقتصادية العالمية، وإكراهتها، التي تلقي بها على كاهل البلدان النامية، سببا في نشوب صراعات خفية، وتولد جملة من المصالح البراجماتية، لدى تكتلات وتحالفات اقتصادية، ترى في تعاونها فرصة لتعطيل المنافسين الجدد في المنطقة، والقضاء على شأفة أي لاعب إقليمي جديد يمتلك ميكانيزمات النهضة، ووسائل تمكنه من تشييد قطب اقتصادي ذو أهمية.
إن المصالح الاقتصادية الاستراتيجية لبعض التحالفات الإقليمية، تجعلها تضيق ذرعا بكل ما يهدد تلك المكانة، والتي حجزتها لنفسها منذ مدة قد تصل إلى سنوات أو عقود من الزمن، ورغم ما أنشأته المنظومة الاقتصادية والدبلوماسية الدولية من سبل خلق فضاءات للشراكة والتعاون بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين، إلا أنه يبقى من الصعب القضاء على الطموح البراجماتي الجامح لتلك الكيانات المتعاضدة بشكل غير معلن رسميا.
وفي جو غير آمن اقتصاديا في العالم، وغير ثابت لفترات طويلة، نظرا لارتباطه الوثيق بالسياسة وتطوراتها، يجعل من الثقة التامة بالفاعلين الاقتصاديين النشطين أمرا محفوفا بالمخاطر، ومدعاة إلى اتخاذ أقصى درجات الحيطة متعددة المستويات، مع الإبقاء على البراعة الدبلوماسية ومد جسور الثقة ومخاطبة كل من العقل والوجدان بطرق متنوعة.
إن الخطط الكبيرة لا تتجسد إلا باستراتيجيات صغيرة، فيمكن لأي طامع أو صاحب نية سيئة أن يبلور عديد التدخلات، والأفعال العدائية، وذلك بعد إبعادها عما يلصقها به، مما يخفي البصمات ويضلل كل من يحاول تتبع الخيوط، وكشف من يقف وراء المُخطط.
ومن جملة ما يقوم به أصحاب الأجندات العدائية نشر ما يشوه سمعة البلد، ومحاولة جعله يفشل في تحقيق أهدافه، ودفعه لخسارة مشاريعه واستثماراته، بل وحتى ثقة المواطنين والأجانب فيه، وقد تتشكل مظاهر ذلك في نقل السلبيات عنه وتضخيمها، وجعلها حديث الإعلام المحلي والدولي، والإفتراء على الحقيقة وتلفيق الأكاذيب والتهم التي تؤثر على المصداقية أو الشعور بالإطمئنان للمستثمرين والشركاء، قصد إبعادهم وحثهم على إعادة التفكير وإلغاء قراراتهم في شراكاتهم.
إن ظهور موريتانيا كمصدر جديد للطاقة في المنطقة قد يبدو لنا سببا باعثا على السعادة والراحة فقط، في حين فهو أمر يدعو للقلق ويحث على تضافر الجهود جميعها، لتأمين البلد من الأطماع والفتن، من أجل حماية ثروات البلاد، والحفاظ على المكتسبات الوطنية، والدفاع عن الحوزة الترابية والوحدة الوطنية، والاستعداد لما يمكن أن يحيكه أي أعداء محتملين في الداخل والخارج.
وليس ما رأيناه مؤخرا من كتابات تسيء إلى البلد، لأجانب يدعون أنهم رجال أعمال، ويتهمون زيفا الدولة بعدم حماية الأجانب وحقوقهم، إلا محاولة خبيثة مدروسة للتأثير على صورة بلادنا الناجحة في استقطاب الاستثمارات مؤخرا، وفي السير بثقة نحو رفع مستوى المشاركة الاقتصادية بالمنطقة من خلال استخراج مخزون الغاز والطاقة واستغلاله في إطلاق نهضة حقيقية.
ويمكن تحديد طبيعة الخطر من أحد الأمثلة الحية فآخر المسيئين لبلادنا، لا شك أن انتماءه لدولة مصدرة للطاقة، ومجيئه من دولة ذات شراكة استراتيجية مع بلادنا في مجال استخراج الغاز، ونشرت تدويناته باهتمام بالغ في مواقع رائجة في ذات البلد، وباللغة العالمية (الإنجليزية)، يضع أصابع اتهام حقيقية، وواضحة لعدة أطراف تريد التشويش على شراكاتنا الاقتصادية، وإبعاد الشركات الدولية ورجال الأعمال واستثماراتهم.
وفعلا يبدو أن الاستهداف واضح في هذه الحالة، ولكن يكون وقعه أشد وطأ حين يقوم عدد من “أبناء البلد” بالمساهمة في تشويه سمعة بلدهم من خلال مجاراتهم وانجرافهم خلف ما يحاول ترويجه بعض أعداء البلد، ومثيري الأزمات في الداخل والخارج، وإعادة نشر ما دبجه المسيؤون، فتلك مدعاة للغضب، وأمر يندى له الجبين، ويعبر عن غباء وسطحية وانعدام وطنية، تجعلنا نفكر ألف مرة قبل وصف هؤلاء بأبناء البلد.
إن تنوع الإساءة المنبعثة من أفواه ذات إرادة عدائية، ونشرها وتلبيسها ثوب الحقيقة من قبل مدونين وأصحاب بثوث مرئية على الفضاء الإلكتروني من الخارج، يعتبر إرادة دعائية لمادة عدائية، وهو لعمري أشد أنواع الخيانة للوطن.
فأول ما يجب على أبناء البلد الحقيقيين التصدي لكل من يتجرأ على الكذب ونقل ما يسيء إلى صورة البلد، ومحاولة نقل الصورة الحقيقية لبلادنا القوية بتنوعها العرقي والثقافي، وبحضارتها الغنية بعبق التاريخ، وحاضرها المشرق بالإرادة للتطور والنهوض، ومستقبلها الزاهر بالرفعة والوحدة وسعادة أجياله.