يحسن التنبيه أن الإرادة لدى قيادة البلد قد أجمعت أمرها على محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين، وقد بدأت الخطوات العملية من أجل السير المحكم والمدروس في هذا الطريق الذي لا يخلو من مطبات كثيرة ومنعرجات متعددة، فقيادة البلد اتخذت هذا القرار حين رأت بعين اليقين أن حجم الفساد الذي يعشش في دهاليز الإدارة ومراكز صنع القرار يفوق حدود الخيال ويتجاوز سقف التوقعات مع حاضنة ينخرها الوهن وبنية يزعزعها الضعف.
فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني مصمم منذ أول يوم على محاربة الفساد، لكنه ارتأى أن يركن إلى التدرج في محاربته، وذلك حتى يهيئ المجتمع لتقبل حقيقة أن المفسد يمثل خطرا بنيويا على الدولة والمجتمع، نظرا لما ألحقه بالدولة من وهن، وما أصحاب به المجتمع من زرع للاتكالية والتخاذل، ولذلك حرص على أن يتدرج في إخراج البلد من حالة الوهن التي وجده عليها عند استلامه مقاليد السلطة في مطلع أغسطس 2019 تلك الحالة التي كان الخروج منها يستدعي علاجا ناجعا لآثار الضعف الذي كان يسود مختلف مفاصل البلد، ليبدأ بعد ذلك مرحلة النهوض بتدرج لا يعطله عرج.
قيادة موريتانيا اليوم بدأت الخطوات الجادة على طريق الإصلاح بأن حددت مواطن الخلل وأسبابه وطرق علاجه، ثم جددت دماء المفتشية العامة للدولة ومنحتها كامل الصلاحيات لتنقيح الملفات وترتيبها من أجل تقديمها إلى العدالة بحسب ما تراه دون تدخل أو توجيه، وذلك دليل جلي على الرعاية السامية والإرادة الجادة للسير حتى النهاية في هذا الطريق.
ومع انطلاق حملة كهذه لا بأس بالتنبيه إلى أن هناك معوقات يجب الانتباه لها، أهمها أن أي مسؤول قد يجد نفسه محلا لتهمة أو يعرف من ذاته اعتداء على المال العام لن يدخر جهدا في سبيل تعطيل هذه الحملة سواء بالتشكيك في الإجراءات التي يتم اتخاذها، أو استهداف الأدوات التي يتم بها الإصلاح، أو اتهام القائمين على التحقق من الملفات بالاستهداف والاستقصاد بغية وصمهم بتصفية حسابات شخصية لا وجود لها على أرض الواقع. وسيستخدم في ذلك كل الوسائل التي تتيحها الظروف سواء كانت كتائب إعلامية أو أدوات قبلية أو علاقات جهوية عسى أن يعرقل ذلك الجهود المفضية إلى إفراز المفسد من المصلح.
وهنا لا مناص من القول إن أي أصوات تصدح دفاعا عن المفسدين وإظهارا لمحاسنهم يجب أن لا تعلو على صوت المدافعين عن الإصلاح وإبراز فوائده، وأن لا تلغي أو تعرقل جهود القائمين عليه، بل يجب أن تشكل حافزا يدفع باتجاه مزيد من الإسراع في الخطوات التي تنقذ ما بقي من موريتانيا ثروة وموارد.
معركة الإصلاح معركة مصيرية وطريقها طويل وشاق ولا خيار أمام الجميع سوى الإسهام فيها بشكل منظم ومدروس حتى نتجاوز الصعوبات ونواجه سويا كل من يحاول عرقلة المسيرة سواء بالكلمة الصادحة بالحق، أو الوثائق الدامغة، أو دعم ونشر الأحكام القضائية المبنية على أدلة لا يرقى إليها شك ولا يدحضها تكذيب. فمعركة الإصلاح مصيرية للوطن الذي نهبت ثرواته والمواطن الذي سرق قوته وتضاعفت معاناته وأصبح مستقبله في عين العاصفة تذروه الرياح. النصر في هذه المواجهات هو الخيار الأوحد أمام الجميع .. فالوطن هو الأصل والمواطن هو الفرع وبالفساد يضيع الوطن وعندئذ لا بقاء لفرع ذهب أصله.