التباس الرمزية والقدسية : الشيخ الددو حفظه الله / ‏محمد افو ‏

حين نشبت حرب لبنان الطائفية ، كانت هناك تفاصيل مؤرقة لماقبل وقوع الكارثة .
وهذه طبيعة الأحداث حين تتصاعد بعيدا عن طائلة الحكمة والمنطق .
سترون أكثر الحروب تدميرا وأوثقها تعقيدا ، حصلت لأسباب كانت تتكرر في كل يوم وبشكل روتيني ،  وتستغربون كيف للأمم والشعوب والطوائف والأعراق ، أن تتناحر لأسباب كتلك ، على حيازتها لذوي العقول العظيمة من فلاسفة ومثقفين وساسة وعلماء .
تستغربون ذلك من شعب كالبناني ، الذي يستند لتاريخ ضارب في التحضر والإنفتاح و تعايش الحضارات من الشرق والغرب .

ذات الشعب الذي مهر العالم بخيرة العقول والناجحين .
ذات الشعب  الذي يحوز خصائص نادرة من حيث التأقلم والفاعلية والإنسجام ، وهو الذي غزى رجاله أصقاع العالم تجارا ومتعلمين .
تجدون اللبناني على أرصفة أفريقيا يكابد أحلامه دون أي امتعاض من محيطه أو من محيطه منه ، تماما كما ترونه في البرازيل وأمريكا والأرجنتين وأستراليا وغيرها من أقطار العالم .
إنه شعب يألف التعايش ويألفه .

ومع ذلك حدثت في عمقه الحضاري والإجتماعي والسياسي فظائع كتلك ، ولأسباب تافهة في نظر العقلاء ، كل العقلاء .
وبعيدا عن التحليل السياسي العرضي  ، فقد حدث كل ذلك ولشعب كذلك ، لسبب جذري واحد . وهو تدمير المرجعية .

تدمير المرجعية الوطنية والدينية والعلمية ...الخ 
حتى لم يبق في كامل تلك البلاد العظيمة متفق عليه غير فيروز .

قبل الحرب بأعوام ، حدثت ظواهر إجتماعية تتعلق بكسر الهيبة والرمزية ، حدث ذلك في خضم من الشعارات الفارهة والتقدمية ، كاقتحام التابوهات ، وأمعاء رجل الدين ، ومواجهة العقل للرهبنة .. الخ .

كان المجتمع الشامي بشكل عام يرفض وبشكل قاطع النيل من الرموز الدينية للطوائف .
ولا يرفض ذلك بدوافع قانونية ولا رهبة من عقوبات ، وإنما كان ذلك ضمن عرف إجتماعي وثقافي ضارب في العمق الوجداني .

حتى أتت حبائل الإستعمار ومطبات التحرر والمقاومة ، فدقت أسافين الإتهام والتخوين والعمالة .
حتى أمسى الخطاب السياسي مشحونا بهواجس الولاءات الطائفية لهذه الجهة أو تلك .

وما هي إلا خطوات قليلة ، حتى استبيحت  الرمزية الإجتماعية في خضم وحمى التيارات السياسية .

فأصبح الفقهاء والحاخامات والأساقفة ، موضوعا دسما للتندر اليساري والعلماني آنذاك .
ورويدا رويدا سقطت تلك الهيبة والقدسية التي كانت مشتركا إجتماعيا وثقافيا راسخا .

وسيضيق المقام عن فرد التجربة الشامية عموما واختلاف نسقها في لبنان عنه في باقي بلاد الشام .

لكن الإستطراد برمته هو مجرد شاهد فضفاض .

دخلت لبنان في أتون المساجلة السياسية والولاءات .
ودخلت على خط تلك المساجلة دول شتى ومن مشارب مختلفة ، وكانت الدعاوى " حماية الأقليات " ، " حماية المصالح " ، "المعاهدات التاريخية  "  " الإنتداب " .... الخ .

لم يكن في لبنان ( كغيرها من الأمم الهشة آنذاك ) ناظم مأمون وآمن ، غير المرجعيات الطائفية .

والتي ظلت على مر العصور بيتا للحكمة والتفاعل الرائد لحماية المجتمع والحيز .

لكن تلك المرجعيات كانت قد نالت ما نالت من إحتقار وتسلط ، أفقداها هيبتها ومكانتها .

فكان لبنان عشية الحرب ، على مصراعي خراب لا يوجد في طول البلاد وعرضها حكيم له هيبة ومكانة ،  يمكن أن يجالس آخر بشأنه أو  لإخضاع الغوغاء لصوت الحكمة وفعلها .

مووووووجبه ...

التذكير بهشاشة العرى الوطنية والمرجعية في هذه البلاد .
لذلك من الحكمة أن ننزل رموزنا منازلهم دون إفراط في تجاهل نقصهم ومواقفهم ولا تفريط في منزلتهم ومكانتهم.
 وذلك  إمعانا في ترميزهم لا في عبادتهم .
ولكي يكون الأمر أكثر صراحة ودقة ، فإنني أدعو إلى تكريس الرمزية الوطنية كمرجعية لمجتمع ما قبل الدولة  ، وذلك لخلق ناظم إجتماعي متعال عن خلافاتنا وصراعاتنا غير الآمنة في المجمل .

وسينطلق البعض في فهومات جزئية تتعلق بالإلتفاف على ناظم الدولة المدنية ، وآخر سيتنهد بكل ثقة معترضا بعد أن يعيد تسمية المصطلحات وتكييفها ، ليقول بأن هذه دعوة للرهبنة وتقديس الأشخاص .

الأمر أسهل من كل تلك المحايلات ، لأن هناك فرقا بين الرمزية والقدسية ينبغي توضيحه .
فالرمز هو صاحب الوجاهة الإجتماعية أو السياسية أو الدينية ، وما ندعو إليه هو احترامه ضمن معايير صارمة ، لا تقديسه أوتخليق تابوه يقيه صولة النقد والمحاسبة .

والقدسية بكلمة واحدة ليست للأفراد عدى الأنبياء ( اللهم إذا كانت في عرف الاصطلاح المرادف للإحترام الكبير ) .

محمد الحسن ولد الددو علم من أعلام هذه البلاد ورمز من رموزها ، وفخر من مفاخرها .
هل يمكن أن يتأتى كل ذلك في شخص دون تاليهه أو تنزيهه عن كل ما يطال البشر من زلل ؟
بالطبع نعم 
فهو بشر مثلنا في بشريته يفوقنا في علمه وموسوعيته لا في خصائصه الجينية .
إن زل فعليه زلله ولنا نقده بما يليق بمكانته لا ما يليق ب " الأصحاب المداسرين " ولا بالخصوم " المتحاكرين " .

فميدان علميته هوالمعرفة في علوم الدين ، وبها مندوحة للمحاججة ، وبشريته ونقصه ليسا أكبر ولا أغضب لله من بشريتنا ونقصنا .

ويظل على ما يعتل به علما وعلى ما يتميز به بشرا .

وعلينا أن نبني رمزيتنا قبل أن يغتالنا " اليأس وعلم الكلام " وأشياء أخرى خارج مندوحة التقوى .

ومن لم يعجبه مني هذا فبينه وأبو الأسود الدؤلي .

حفط الله الددو وغيره من الرموز الوطنية الإجتماعية والسياسية والعرقية والدينية

5. مايو 2022 - 23:27

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا