ليسوا سواء / إسماعيل محمد خيرات

يبلغ العدد الإجمالي ل "غيرالمسلمين " اليوم   6.5 مليار نسمة  تقريبا، تشترك طائفة كبيرة من هذا العدد الضخم  مع المسلمين كما هو معلوم في الايمان بأساسيات هامة هي أساسيات دين إبراهيم عليه السلام وهي أن الكون محدث ،وأنه فان،  وأن له خالق،  وأن هناك بعث بعد الموت، وأن هناك  قيامة وحساب وجنة ونار .. هذه الطائفة التي تشاركنا في هذه الثوابت هم اليهود والمسيحيون، أو كما سماهم القرآن  "أهل الكتاب"،  و لهذا السبب نأكل ذبيحتهم ونتزوج منهم إذا قبلوا، وبالتالي حتما  ننجب منهم الأولاد ونستفيد منهم و نناقشهم ونهاديهم  الخ..و هذا خاص بهم وحدهم دون غيرهم من  بقية غير المسلمين فلا يجوز للمسلم الزواج من بوذية أو كونفوشيوسية أو  هندوسية أو غير ذلك من الملل لإسقاطها لهذه الثوابت أو لبعضها.
وإلى القرن التاسع عشر كان البر والقسط  تجاه أهل الكتاب مستشريا  و عاديا في المدن الإسلامية الكبيرة، وأنا أعشق القرن التاسع عشر بشكل خاص، قفد كان قرنا مميزا في الفكر والعلم والادب والتعايش المديني، فكانت للمسيحين في المدن الإسلامية أحياءهم المحترمة ولليهود حاراتهم الامنة ، ولا أزعم أن الأمور كانت دوما سمنا على عسل ولكن كان هناك تفاهم وأحيانا تواد وتعاضد في النائبات وخصوصا مع المسيحيين.. وقد ذكر مؤرخون كثر أن كثيرا من المسيحيين العرب قاتلوا في الحروب الصليبية إلى جانب المسلمين، وكما هو معلوم فإن الاقباط  مثلا شاركوا بشكل مشرف في مقاومة الاحتلال البريطاني في مصر  و أسهموا بالجهد والمال في ثورة  عرابي ووقف كثير من أعيانهم إلى جانب سعد زغلول في مناكفاته مع الانجليز .. وذكر المرحوم د.عصمت سيف الدولة مرة في أحد كتبه  لائحة أسماء بعض الشهداء في الحركة الوطنية في تلك الفترة  وكان يُعرف بالمسيحيين منهم ، ومن أدبه وثقافته الرفيعة  أنه اعتذر عن ذلك لأنه لا يحب كما قال التمييز بين الشهداء وهم في مضاجعهم،  ولكن "ولغ البعض في دماء شهداء الوطن " كما قال والتقليل من قيمة دماء  بعضهم دون الاخر هو الذي دفعه إلى هذا التعريف بهم .

ولابد في هذا المقام ما دمنا فرقنا بين "غير المسلمين"  وبينا أنهم ليسوا سواء أن  نفرق كذلك بين أهل الكتاب أنفسهم ونبين أن اليهود الصهاينة هم الآن خصوم  وأعداء نتيجة للاحتلال والعدوان على جزء هام  من أرض المسلمين،  ولهذا أفتى كثير من العلماء المسلمين بتوقيف حِلية الزواج من نسائهم لما فيه من مسوغات الخيانة وظنية احتمال وقوعها في ظروف البغي والعدوان  والاقتتال المستمر بينهم من جهة والمسلمين والمسيحيين من جهة أخرى ..  وهذا التحريم واجِهٌ  لمن يتابع ما يجري في فلسطين ويسمع هتافات "الموت للعرب " كل حين وكل آن ..
إن هذا التفريق الجلي المنطقي بين اليهود والمسيحيين   يسري  أيضا على المسيحيين عربا وغير عرب، فالمسيحيون العرب  ثقافتهم إسلامية خالصة فضلا عما ذكرنا من أوراق عبور مستحقة إلى القلب الجمعي للمسلمين ، فلا يمكن أن نساوي في البر والمودة  بين  المسيحيين العرب وخاصة في فلسطين المجاهدين عن أراضيهم  وبلداتهم  والمسيحيين الاوربيين أو الأمريكيين، أو أي بلد آخر من القاعدين في منازلهم يضربون أخماسا بأسداس حول فلسطين وهل هي لليهود أم للعرب ؟ لا يمكن أن نساوي بين شيرين أبو عاقلة واكريستينا آمانبور مثلا، ولا بين  طارق عزيز وتوني ابلير  مثلا  ولا بين د. عزمي بشارة مد الله في عمره و أي مفكر مسيحي اوربي أو أمريكي أيا كان ..

لابد أننا إذن واجدون ما يكفي من مبررات لإدراك أن أهل الكتاب  ليسوا سواء والنظر إليهم بمعيار واحد هو خطأ فاحش وغير لائق ، وهو ما يعني في المحصلة أن السؤال :هل يجوز الترحم على أهل الكتاب  هومن أسئلة الطفولة المعرفية  ،  لأنه بالقطع لا ينبغي مثلا   للمسلم – وهذا أمر بين  -  الترحم على الصهيوني الظالم  الجائر المحاد  للمسلمين .
 ومن المؤكد أن القران الكريم شجع على عدم تطبيق معيار موحد في التعاطي  مع كفار قريش في زمن الدعوة " لا ينهاكم الله عن الذين لم  يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين "  صدق الله العظيم،  و في هذا أيضا  دعوة  إلى جمع البيانات والمعطيات حول غير المسلمين قبل الحكم عليهم ولتحديد من هم أولى بالبر والقسط .. والقران يبين مثل ذلك في حديثه عن أهل الكتاب " ليسوا سواء، من أهل الكتاب أمة  قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون "..الآيات. هذا الموقف القرآني القائم على التحري والمراقبة المنصفة لاشك أنه يتطلب جهدا مضنيا وتريثا وفهما لا يناسب فوران العاطفة الدينية السائد، وعقلية الإلغاء المستحكمة،  ومن المؤكد أنه ما دام القرآن لا ينهى عن البر والقسط إلى غير المعتدين من مشركي قريش فإنه أيضا من الجائز من باب أولى  أنه لا ينهى عن الترحم  على مسيحي فلسطيني يحارب كتفا بكتف مع المسلمين ضد المحتل وضد التخلف. 
 

17. مايو 2022 - 19:14

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا