ليس من الاساطير ما يتناقله الناس عن تميز قبائل العرب من بني حسان بالجرأة والشجاعة والصراحة وعزة النفس ؛ في مقابل تميز "الزوايا" بالضعف والخور ؛ والخنوع والاستكانة!
هذه حقيقة وليست اسطورة ..
قد يظن ان ذلك راجع الى العامل السياسي بالدرجة الاولى والى القوة والنفوذ الذي كان يتمتع به العرب من بني حسان مقابل الضعف والتبعية الذي كان يميز الزوايا !
والذي يظهر لي انه راجع قبل كل شيء الى الجانب التربوي والى طريقة التدريس ..
فالمحاظر التي تميز الزوايا عن بني حسان بالمحافظة على الدراسة فيها كان يسودها العنف وتسير على منهج الترهيب دون الترغيب !!
وحينما تعتمد اي مؤسسة تعليمية على العنف والتخويف وتجعله هو القاعدة في تعامل المعلمين مع الطلاب ؛ فانها تساهم بذلك في اخراج جيل من المرضى النفسيين
الذين تتحكم فيهم العقد النفسية !
كثيرا ما كان الآباء يواسون انفسهم في ضرب الابناء بقول الشاعر :
لا تندمن على الصبيان إن ضربوا
فالضرب يفنى ويبقى العلم والأدب
والحقيقة ان الضرب لا يفنى بل تبقى آثاره وتبعاته النفسية مع الانسان طيلة الحياة !!
لقد كان واضحا لدى العرب قديما تلك العلاقة السببية بين العصا والذلة !
فكانوا يسمون الذليل : عبد العصا..!
ولهذا نزهوا الحر عن العصا فقالوا : «العبد يقرع بالعصا.. والحر تكفيه المقالة».
ان العنف يجعل شخصية الطفل ضعيفة وسهلة الانقياد، يسهل على الآخرين استغلالها أو السيطرة عليها!
وقد نبه ابن رشد في المقدمة على العواقب السيئة للعنف ضد الصبيان فقال :
«الشدة على المتعلمين مُضرة بهم، وذلك أن إرهاف الحد بالتعليم مضر بالمتعلم لاسيما في أصاغر الولد؛ لأنه من سوء الملكة، ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم ، سطا به القهر وضيق عن النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمله على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلّمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخُلقًا، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمرن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله، وصار عيالًا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل، فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها، فارتكس وعاد في أسفل السافلين، وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ونال منها العسف». انتهى .
وما ذكره ابن رشد تشهد له الكثير من الدراسات المعاصرة .
يقول الأستاذ حسن عشماوي في كتابه [كيف نربي أبناءنا]: «العصا وجارح القول لا يخلقان إنسانًا صالحًا أبدًا.. قد يخلقان قردًا مدربًا تبدو على حركاته وسكناته مظاهر الأدب، ولكننا نريد أولادنا بشرًا لا قرودًا،... كل ضربة تنزل بجسم الصغير، تغرس فيه روح الذل والخنوع، أو روح الثورة والإجرام، حسب رد فعله الفطري».
صحيح ان المؤدب قد يحتاج الى بعض العنف حاجة الطعام الى الملح ؛ من اجل ردع الصبي وتعويده على التحمل ؛ وتمرينه على الخوف والحذر ؛ فان النفس اذا لم تعرف الخوف مطلقا تبلدت تبلد البهائم ؛ لكن ذلك اذا زاد عن حده انقلب الى ضده !!
مطلوب من المحاظر اليوم ان تغير من منهجية العنف السائدة ؛ حتى تقضي على ظاهرة "التمربيط" وحتى تخرج لنا جيلا من العلماء "المستعربين" الذين يتميزون بالجراة والشجاعة وقوة الشخصية؛ فلا يداهنون ولا يخشون في الله لومة لائم .