لأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ، و تعدد الأفكار و تنوعها يدعوا لتلاقحها فيخرج الصواب واضحا جليا ، مما يجعل الجميع على بصيرة من أمره ، و جدتنى بطبيعتى أضع مكانا لذاك الاختلاف و أستحضره ، و أحاول أن أعبر عن رأيى مستحضرا ماقيل قديما أنه رأي صواب قد يحتمل الخطأ يقابله آخر في نظرى خطأ لكنه قد يحتمل الصواب ، كما أنى قررت و في ظل متغيرات كثيرة و إكراهات عديدة و حروب كلامية لا تتوقف أن أحرص على احترام من احترمنى لأنه محترم بنفس حرصى على احترام من لم يحترمنى لأننى محترم أو على الأقل هكذا أحب أن أكون .
لذلك فسأقبل باعتذار أخى الكريم أحمدو الذي صدر به رسالته إلي هذا مع أنه أبى إلا أن ينغص وقعه علي حين اتهمنى بإصباغ ما استطعت تلقفه من الأوصاف السيئة على سيدة محترمة من سيدات هذا المجتمع ،و مع تأكدى من أن ردى كان محترما كما قلت في حدود نطاق الممكن و مع أن أخى الكريم أراد بجملته التعريض إلا أنى أشكره لأنه يبدوا أننى و بشهادته لم أستطع تلقف الكثير من الأوصاف السيئة على الأقل بالمقارنة مع ما ورد منها في مقاله الأول و الأخير .
ثم إن أخى الكريم و في مستهل رده على ما أسماه بسهام التواصليين التى أطلقت على بعض الحقوقيين و أنه كان شاهدا عليها من أول يوم و أن عدة شباب قد أدانوا اليسار الموريتاني ، مما جعله يصنف مقالى الأخير كونه مندرجا في تلك الحملة الهجومية ، وهي تهمة يبدوا أنها تأكدت له لأننى لم أنفها في مقالى الأخير ، مما جعلنى أتساءل ما ذا يريدنى الأخ أن أنفي بالضبط ، أهو انتمائي السياسي الذي أعتز به ، أم علاقتى بإخوة أعزاء ، و كل ذلك بسبب اتخاذهم مواقف لهم كامل الحق و الحرية في اتخاذها ، و كأن الأخ الكريم يتعمد أن ينسى أن لكل الحق في أن يعبر عن ما يريد دون أن يضطر لتبرير أفعال الآخرين
. لكن الذي لفت انتباهى حقيقة هو اعتذار أخى الكريم عن استخدام و صف (الصغير) الذي أطلقه علي في البداية ليعود بسرعة وحتى قبل انتهاء الفقرة الأولى من مقاله ليأتى به مبطنا حين يقول ( و إنما انصب كله على استشعاره لوقع وصفه بالصغير الذي أطلقته عليه مما يدل على أن الصفة لاقت وترا حساسا في نفسه و وجدت ما تتأسس عليه فعلا ) و هي فقرة سأجيب على شقها الأول و أترك للقارئ أن يجيب على الشق الثانى، أجل فلقد لا مست تلك الصفة و ترا حساسا لأنى اشفقت على شخص كنت ولا زلت وسأظل احترمه وهو يكتب بلغة استعلائية و يتعمد الاستفزاز و التجريح ، و للقارئ الكريم أن يحكم من خلال ردى عليك إن كان وصفك وجد ما يتأسس عليه .
لا أنكر أننى حاولت أن أجد في مقالك الأخير ما يستحق الرد لكننى تعبت من التفتيش خصوصا أن أغلبه كان بمثابة فقرات أخذت من مقالاتى السابقة لكن مع ذلك فاسمح لى أن أسجل ما يلى :
لقد سأل أخى الكريم عن سر اقتراضى لعناوين من حدائق و حظائر الحيوانات و قد تفاجأت من سطحية السؤال ، فقد كنت أظن أن السؤال الموضوعي يتمثل في تماشي العنوان مع النص ، و قدرته على ايصال الفكرة ، هذا طبعا لأنى لا أحب أن أقول ما قاله هو بأن عناوينى لا مست وترا حساسا ووجدت ما تتأسس عليه .
ثم إن الأخ الكريم استغرب علي نقطة كنت أحسبها و لازلت مصدر قوة ، فليس صعبا أن تكتب مقالا لا صلة لمقدمته مع وسطه أو نهايته كما يفعل البعض – وقد لا يكون الأخ الكريم منهم بالضرورة – و إنما الأصعب أن تكتب مقالا تضع له عنوانا و تحترم عقل القارئ في سرد مقالك حتى تربط ذاك النص بعنوانه لأن المكتوب كما قيل قديما يقرأ من عنوانه ، لكنى أعذر أخى الكريم فالموضة التى انتشرت أخيرا جعلت كل من يستطيع أن يكون جملة مفيدة ، يقوم بتركيب جمل ليس من الضرورة أن يربط بينها سوى حروف العطف في استقلال تام عن العنوان مع شرط أن تحمل الكثير من عبارات السب و التجريح وكيل الشتائم ثم ينسج مقالا و يصبح كاتبا كبيرا بين عشية وضحاها .
أما لعب دور احترام القارئ و استشعاره و الاحتكام إليه فأظن أنه خلط لا يجوز ، فاحترام القارئ لا مجال للعب فيه لأنه سيتضح من خلال سبك الكلمات و تناسق الافكار ووضوح الرؤية و الابتعاد عن استخدام قاموس ممجوج مكرر ، في حين يبقى استشعاره و الاحتكام إليه أمر ضروري حتى لا تكون حلبة النقاش خالية من الحكام ، فيبدوا أن البعض لازال يتذكر كلمة الفروسية و ينسى مضامينها .
ثم إنى لا أذكر أنى استحلفت أخى الكريم إن كان يستطيع التمييز بين يده اليمنى و اليسرى لأنى أعرف أنه يستطيع كما أعرف أنه من الطبيعى أن يفضل إحداهما على الأخرى ، لكنى أذكر أنى قلت أن التضايق لا يبرر الهجوم ، و احترام الرأي يبقى ممارسة لا شعارات ، و حتى لا أكرر لأنى أظن أن ممن يقرأ مقال الأخ سيشعر أنه يعيد قراءة مقال سابق ، فسأكتفي بالقول أن الانسان العادى يمكن أن يتنكر أو يستخف بمبادئ حقوق الانسان ، أما من نصب نفسه حارسا لتلك المبادئ و برر لنفسه التدخل في شؤون الآخرين بسببها ، ثم يضرب بتلك المبادئ عرض الحائط ، فإن العبارة الأنسب بالنسبة لى تتمثل في أنه كفر بتلك المبادئ التى سبق واعتنقها ، خصوصا أنه ليس لدي مرض نفسي أو مشكلة في استخدام أي عبارة في اللغة العربية ما دام المقام مناسبا و صالحا لاستخدامها ، وهكذا هي الحياة ، فسيبقى دائما هناك من يفضل انتهاج أسلوب قد لا يراه الآخر مناسبا ، ولعل بعض ما نكتب يكون دليلا على ذلك .
و بالمناسبة فلم أشعر أنك قدمت توضيحا بقدر ما تأكدت أنك لا زلت لم تفهم ما أقصد أو لا تريد أن تفهم على الأصح
و حقيقة فلا زلت أتعجب من قدرتك على معرفة ما كان يختمر في دواخلى في نفس الوقت الذي تصر فيه بصورة غريبة على أن توهم القارئ أن مقالى الأول لم يكن ردا على رسالة وجهت قبل يوم من تاريخ كتابته ، تماما كما كان الثانى ردا على مقال لك كتبته قبل ساعات من ردى ، تصرف غريب و اصرار منك على تكرير الخطأ تماما كإصرارك على التراجع عن الاعتذار ، فتعتذر أولا لترك انطباعا حسنا عند القارئ ثم تورد ما اعتذرت عنه مبطنا ، ثم تشكر في بداية فقرة أخرى لتعود و تتجنى بعد ذلك مباشرة ، و هنا سأكتفي بالتعجب دون اللجوء إلى القول بأنك تحاول التلاعب بعقل القارئ الكريم .
لنصل في النهاية إلى مربط الفرس ، تلك المعركة التى وبشهادتك أنت كنت تتابعها و تتفرج عليها منذ صدر البيان ولم تستطع أن تخرج عن صمتك إلا حين سطر العبد الفقير كلمات معبرا عن رأيه ، فدخلت بقوة كجائع وجد مائدة شهية كان حولها من لا يستطيع أن يشاركهم فيها ، و حاولت أن تستغلنى – باعتبارى مبتدئا طبعا – لإشعال معركة عفا عليها الزمن ولم يعد لكبار العقول وقت لخوضها ، وحين تبين لك أن هدفك كشف و أنى لن أهاجم أحدا بذنب أحد ولن أدافع عن أحد يستطيع الدفاع عن نفسه حين يجد من يتجرأ على مواجهته ، عدت للعبتك المفضلة في التكرار ، و استدرار الفكر.
كن على يقين أخى الكريم أنى أعتز بانتمائى للتيار الإسلامي و أقتنع به ، لكنى لن أزج به في نقاشنا ، كما أنى أختلف مع غيره و أفخر باحترامى لهم ولن يدفعنى هجومك على مهاجمتهم ، وعلى كل حال فكلمة الأسياد كنت أنت من أطلقها و لا أظن أنك تراجعت عنها لأنى نفرت منها -هذا ببساطة لأننى لم أفعل - ، أنا فقط أعدت توجيه بوصلتها و تركت لك الخيار ، مع أنى كنت أظن أنك ستبتعد عن استخدام تلك الكلمة و تقدم نفس النصيحة التى قدمت لى لنفسك ، فمادام لكلمة ( الكفر ) مرادفات تعطى نفس المعنى و استخدام تلك الكلمة قد يساء فهمه ، فإن لعبارة ( أسياد ) التى استخدمتها مرادفات تعطى نفس المعنى لأن استخدام تلك الكلمة أيضا قد يساء فهمه
أخيرا أظن أن أخى الكريم جاء ليرد علي ، فاتهمنى بما وقع هو فيه ، و كال لى من التهم ما لا يحصى ، فحاول أن يجرنى لمعركة يريد هو دخولها ، و استفزنى لمهاجمة آخرين ليبرر هجومه على غيرهم ، كما أنه حاول استغلالى لإيصال رسائل لجهة يبدوا أنه كان بحاجة لوسيلة سهلة لمخاطبتها ، مما جعلنى واثق أن أخى الكريم ( رمانى بدائه و انسل )