مهلا أيها العازفون على وتر الألوان و الأشكال! / ‏القصطلاني سيدي محمد ‏

بين الفينة و الأخرى تهب علينا رائحة العنصرية الكريهة، لتملأ القلوب تنافرا و تباغضا، و تجعل الجو معكرا بإفرازاتها السامة.

كثير هم العازفون على الألوان المختلفة، تجمعهم ايقونة العنصرية الماردة على التعايش و السلم و السلام.

مجرد كلماتهم تبلغ من القلوب مبلغا قويا، فهي مشحونة بمغريات الشياطين يزينوها و يجعلوها رمزا للتميز المزيف.

إن تنوع الألوان و الأشكال مصدر إلهام و ثراء للأوطان و مميز جمال و مظهر ثقافي و حضاري يساهم في دفع قطار التنمية للأمام.

لكن العزف على الألوان يجعل الإلهام إتهاما و القوة ضعفا و الجمال قبحا.

فما يزال العازفون على الألوان ينبشون الماضي و يلوكون الحاضر و يمقتون المستقبل، حتى لا تكاد تقر عين و لا يطمئن قلب و لا ترتاح نفس.

يجمعون الأخطاء ليوقدوا بها نارهم التي لا تكاد تطفؤ حتى تشتعل من جديد.

فمهلا أيها العازفون على الألون!

منذ كم من عقد من الزمن و أنتم تعزفون على وتر الألوان و الأشكال، تجترون نفس الموسيقى التي لم يعد لها من الصدى غير تلك المقاطع الصاخبة التي تجعل القلوب تقطر حمقا و بغضا و كراهية.

و التي ما فتئتم تعكروا بها صفوا أنشودة الوطن الخالدة، الجميلة.

كلما ذهب احدكم إلى المهجر جاء بعزف جديد مليئ بالاهداف الخاصة و الأغراض الشاردة التي تحقق فقط أهداف الناغمين على الوطن.

هل يتذكر العازفون على الألوان ايام كنا إمارات و فصائل يقطع بعضنا طريق البعض، هل يتذكرون ما قبل تأسيس الدولة، حين كان المستعمر يعزف على وترهم البغيض و ينشد أنشودتهم المفعمة بمصطلحات الفرقة و التشتت.

هل يدرك العازفون على الألوان، كيف ضحى أبطال المقاومة بأرواحهم من أجل الوطن و لماذا؟
و كيف أستطاع الأجداد الحكماء أن يتجاوزوا ذواتهم و يتركوا لنا وطنا واحدا جامعا و يرغموا المستعمر  ان يخرج بعتاده  ليلتأم الجرح، و تنصهر كل الإمارات في  إمارة واحدة هي الجمهورية الإسلامية الموريتانية، فماذا يريد العازفون على وتر الألوان؟

هل يريدون أن نعود إلى نقطة الصفر، أمر يريدون أن يلونوا كل شيئ بعزفهم المشؤوم.

فيجعلون إختلاف الألوان علامة إختلاف في الهوية الوطنية المشتركة بفهومهم المقلوب، و يجعلون التفاوت في الحظوظ تفاوتا في الوطنية. و يقلبون صفحات الماضي يترصون الأخطاء، ليخرجوا منها دليل نظرتهم القاصرة، ناسين أن الوطن يسع الجميع و يحتضن الجميع و يبقى هو صمام أمان الجميع.

أنظروا إلى أنفسكم أولا، لتدركوا خمول عزفكم و شرود قصدكم، هل فيكم إثنان يتطابقان في الخلق، و الحظوظ، و الموارد العلمية و العملية،  هل فيكم من هو نسخة طبق الأصل من الآخر، حتى يمكننا ان نستطيع الإصغاء لأنغام عزفكم الغير منتظمة.

لا أريد ان اقول ان الانظمة المتعاقبة على وطننا أحسن مما هي عليه، فمن الصعب على من يعيش في بلاد العالم الثالث أن يتغزل على انظمة تعاني إختلالات عميقة متراكمة في التسيير لأسباب كثيرة ندركها جميعا.

لكن أريد ان أقول ان نفس الوطن الذي تأسس 1960م ، و استطاع أبناؤه ان يتجاوزوا إرهاصات مخاضه العسير بروح وطنية منقطعة النظير، هو وطننا الآن الذي يملؤ وجداننا بحيويته رغم سوء تسيير الأنظمة المتعاقبة، و رغم عزفكم الذي لا تألفه الفطرة السليمة.

من أين جئتم بالتقسيمات التي تزينون بها لوحاتكم التي تشوه صورة الوطن؟

ليس طبعا من الإسلام، و لا من الدستور و لا من تراث و أمجاد آبائكم!

و كيف صنعتم من مصطلحات عابرة شعارات تكاد تمزق جسم الوطن؟

هل تدركون كم تسيئوا إلى الوطن بتلك اللوحات و المصطلحات؟

إنكم بتلك التوجهات السلبية تجعلون شعار الوحدة الوطنية لا وحدة فيه و لا وطن!!!

بل تجعلون معنى الوطن مجرد فقاعات ماء، هبت بها الريح في يوم عاصف.

إنكم تمزقون وطنكم بتلك الأساليب  التفكيرية، و تلعبون بالألون لعبة الفوضى، بدل ان تجعلوها زينة يباهي بها الوطن الاوطان الأخرى.

ففي قاموسكم الغريب، لم يعد الفقر فقرا و لا الغنى غنى و لا الفضل فضلا و لا العلم علما و لا النضال نضالا

لقد مزجتم الفقر بالألوان و الأنماط حتى تقعرت حروفه و تبدلت صروفه فما عاد يفهم له وصف.

و جعلتم من الغنى أداة فقر و حقد و فرقة و بغض فكاد يكون فقرا من سوء نظرتكم له.

و ميعتم العلم و الفضل حتى ما عاد للعلم و الفضل في ميزانكم المائل منزلة تحفظ صاحبها من السب و الاحتقار لما أصبغتم عليه من ألوان عنصرية لا تعرف عدلا و لا ترعى إلا و لا ذمة.

مهلا ايها العازفون على الالوان و الأشكال!

هل تريدون ان يتميز القصير مع القصير و الطويل مع الطويل و النحيف مع النحيف و القبيح مع القبيح و الجميل مع الجميل و الكبير مع الكبير و الفقير مع الفقير و الغني مع الغني.

فيلعن كل منهم الصنف الآخر معترضا أو متكبرا؟

إن بناء الدول ليس بالعزف على الألوان و لا الاوصاف، و تغيير الأمم ليس بفرض كل ذي راي لرايه و بأسلوب تعسفي يقدس الذات و يمقت الآخر.

لكن البناء يكون بالاحترام المتبادل، و الإنصاف في الطرح، و الصدق في السعي، و الوفاء للوطن، و التجرد من الذاتية، و التدرج باسلوب يراعي القيم و المصالح و يحترم الآخر.

و لا يكون البناء بالتنابز و التباغض و التحاسد.

مهلا ايها العازفون على الألوان و الأشكال!

فإن لنا عزف أنقى من عزفكم و أسمى من قصدكم و أزكى لنا و لكم، فنحن نعزف على وتر الوطن و المواطنة.

ننظر إلى وطننا الغالي... إلى رُباه و سماه و هواه، نظرة إعتزاز و فخر، و نقبل ثراه حبا و شوقا، و نجد في تاريخه إمتدادا لأصالتنا و إستشرافا لآمالنا و أحلامنا.

و نتذوق قطعة خبزه بطعم العسل، و نتنفس نسيمه حياة تمنحنا السعادة و الإستقرار.

لا وطن لنا سواه و لا مأوى لنا غيره ، ما يجمعنا فيه أقوى من كل نقاط الاختلاف التي لا نعتبرها فرقة، بل هي طبيعة بشرية تكون قوة و منعة لمن أحسن إستخدامها.

وطن نجد فيه من الإنتماء و الإحتضان و الإرتباط ما يجعل الألم أملا، فأزقته و شوارعه و مساكنه و سكانه تمثلنا و تشدنا إليها بالذكريات و ببصمات السنين المحفورة في ذاكرتنا.

مهلا أيها العازفون على الألوان!

فبيننا و بينكم وطن يسع كل تلك المسافات التي تحاولون أن تصنعوها بعزفكم البعيد عن مفهوم المواطنة و الوطن، و بيننا و بينكم أخوة لن يصدعها ذلك الرنين المزعج الذي لا يسمعه مواطن مخلص لوطنه إلا عافه و مقته.

فأتركوا عزفكم على وتر الألوان، و أعزفوا على ألوان علمنا الجميلة التي ترشح جمالا و سلاما و تضحية في سبيل الوطن.

2. يونيو 2022 - 19:36

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا