تهافت النخبة السياسية / عثمان جدو

قبل ثلاث سنوات من الآن عندما أعلن فخامة رئيس الجمهورية ترشحه للانتخابات الرئاسية؛ انثالت عليه النخب السياسية زرافات ووحدانا، وشكل نقطة جذب مركزي لم يسبق أن شهدتها الساحة السياسية الوطنية في عهد الدولة الموريتانية.
لقد شكل تلاقي الأطياف السياسية حول رئيس الجمهورية نقطة تحول كبرى تشي بوقوع أحد أمرين لا محالة؛ يفيد أحدهما؛ وهو التلاقي الإيجابي الصادق، ويضر الآخر أيما إضرار؛ وهو التنافر وتضارب المصالح الذي يسكن النخب السياسية اللاهثة خلف المصلحة الخاصة  غالبا، ولقد ظهر مع الأيام أن ثوب التلاقي الذي لبسته النخب السياسية وأضفت عليه صبغة الإجماع الوطني سرعان ما بدأ يذهب بريق ألوانه مع انبجاس انوار كل فجر جديد تشرق فيه شمس أمل تصادف أشعتها الوضاءة مرآة داكنة ملبدة بغيوم الاختلالات السياسية التي ما فتئت تغذيها زفرات رموز هذا المعترك الجاثمين قهرا على صدر وطن مكبل بخيوط أوهام من نسج خيال هؤلاء؛ المنادون زعما أصحاب القيادة والريادة؛ والحقيقة أنهم قد لا يزنون عند الناخب المجرد من الخوف والطمع جناح باعوضة؛ ولا يستحقون عنده شربة ماء لو أنهم لم يتموقعوا منه موقع المسير والمدير أوالمشير على صاحب التدبير..  
تتالت تعرية الأيام لطبيعة تنافر النخبة السياسية داخل الأغلبية الرئاسية؛ بل بعبارة أدق داخل أكبر أحزاب الأغلبية الرئاسية، ولقد جنت هذه النخب السياسية على فخامة رئيس الجمهورية إذ لم يصل بها الانسجام إلى حجم طموحه، ولم تزد المواطن البسيط به إقناعا، ولم تلب أغلب أذرعها التنفيذية نصيف ما تعهد به لشعبه، ومعروف أن أغلب رجال التنفيذ هم في حقيقتهم ظل أو دفء لرموز ونخب سياسية، وهذه ثنائية آن الأوان لفك ارتباطها المصلحي  من أجل إنقاذ الوطن، فالسياسة لعبة جدية ينبغي أن تكون نزيهة الوسائل والممارسات؛ ويجب أن تكون مدعمة بجذاب الخدمات كي تعكس الوفاء بعهود الانتخابات، لا أن تكون وسيلة امتصاص بيد جناح تنفيذ وطرف إغواء واستهواء، وتحكم بعطاء من لا يملك لمن يتزلف أكثر، وتذهب مقدرات الوطن بين سياسي فاسد وظل ينهب به.
كلنا يعي جيدا أن تنامي اللوبيات داخل الواجهة السياسة الداعمة لرئيس الجمهورية وزيادة صراعها وتتالي سقطاتها ينذر بتهاوي الصرح؛ مما يدفع بإلحاح نحو ضرورة التسريع بتصحيح الخلل؛ وتنظيف صورة النظام من الشوائب المعيقة والعوالق المنتنة. 
لقد ظهرت في الآونة الأخيرة حرب التسريبات والجوسسة والبيع السياسي الرخيص؛ حتى صار كل جليس يتوجس خيفة من جليسه، فطار الارتياح، وتبخر الانشراح، وانعدمت الثقة، وكشف كل مستور.
لقد بات من الضروري أكثر من أي وقت مضى تجديد الطبقة السياسية وحجب الأوراق الخاسرة، وإبعاد الوجوه المحروقة عن الواجهة السياسية، وإيقاف نزيف الأضرار الذي ألحقته بجو السكينة العامة الذي خلقه تقلد فخامة رئيس الجمهورية مقاليد السلطة، وزرعه للتهدئة السياسية، وبعثه أمل التصالح بين فئات الشعب لما حملته خطاباته الماضية من عميق الدلالة والتوجيه نحو ذلك.
علينا تدارك الموقف والتأسيس لمستقبل أكثر أمانا من خلال زرع التسامح وبناء الوئام والألفة بعيدا عن كل المنغصات السابقة، وفي طريق الوصول إلى ذلك يأتي الاجتماع الذي دعا إليه رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية؛ الذراع السياسي الأبرز في صفوف داعمي رئيس الجمهورية يوم الثالث من يوليو المقبل، فهل ياترى سيكون بداية لتصحيح المسار وبدء عهد جديد أكثر ضياء؛ أم أنه سيكون مشهد من مشاهد تصوير حلقة جديدة من مسلسل سيطرة الوجوه المحروقة على الأرض المسروقة رغم التهافت وتتابع الزلات؟. 

29. يونيو 2022 - 12:13

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا